هواجس أردنية من رياح التغيير الأميركية
التحركات الدبلوماسية المكثفة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تعكس حالة من القلق، حيال ما يجري في المنطقة، في علاقة بالتحولات العاصفة في السياسة الأميركية والتي يخشى انعكاساتها المباشرة على وضع المملكة.
ترصد الأوساط الدبلوماسية حراك أردنيا لافتا تربطه بالتطورات الإقليمية المتلاحقة وخاصة اقتراب إعلان الإدارة الأميركية عن خطة السلام الموعودة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي يرجح أن تتم بعيد الانتخابات الإسرائيلية العامة المقررة في 9 أبريل المقبل.
وتقول الأوساط إن الأردن يخشى الانعكاسات المباشرة للخطة الأميركية عليه، خاصة أن التسريبات لا تبشر -وفق أحد الدبلوماسيين الأردنيين- “بخير”، وهذا ما يدفع الملك عبدالله الثاني إلى التحرك وتنسيق المواقف مع باقي الحلفاء الإقليميين والدوليين لمواجهة هذه الخطة.
وكان السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، كشف الثلاثاء في كلمة له أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية (أيباك) عن ثلاثة محددات أساسية لخطة واشنطن المعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن”.
وتضمنت المحددات التي أماط فريدمان اللثام عنها، السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة، والتواجد الأمني الإسرائيلي الدائم في منطقة “غور الأردن” (بين الضفة والأردن)، وتكريس القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل.
وفريدمان هو أحد أفراد الفريق الثلاثي الذي يعمل على إعداد “صفقة القرن” إلى جانب كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات.
وبحسب ما طرحه المسؤول الأميركي فإن الخطة الموعودة ستنسف كل أسس السلام السابقة وهي إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتثير التوجهات الأميركية التي تثبت يوما بعد يوم انحيازا مطلقا لإسرائيل كانت آخر تمظهراته إعلان الرئيس دونالد ترامب رسميا الاثنين الجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية، قلقا كبيرا في المنطقة وسط قناعة بأن القرار الأخير يأتي في سياق تطبيق فعلي لـ“صفقة القرن”، وكان سبق هذا القرار اعتراف ترامب في أول مشواره الرئاسي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ويخشى الأردنيون على وجه الخصوص أن تعصف بهم رياح التغيير الجارية في السياسة الأميركية، ويسعى الملك عبدالله الثاني لاستغلال القمة العربية التي ستعقد بعد يومين في تونس لإنشاء جدار صد يجابه به هذه التحولات الأميركية الخطيرة.
واختار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني المغرب محطة أولى لجولة بدأها الأربعاء وتقوده إلى إيطاليا وفرنسا، قبل أن يحط الرحال في تونس للمشاركة في القمة العربية في نسختها الثلاثين. وتزامنت جولة الملك مع زيارة قام بها الأربعاء رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز إلى المملكة العربية السعودية حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسط ترجيحات تفيد بأن الهدف من هذه الزيارة الخاطفة هو تنسيق المواقف قبيل انطلاق القمة العربية المقررة في 31 مارس الجاري.
وتهدف جولة العاهل الأردني، بحسب بيان للديوان الملكي، إلى “التأكيد على ضرورة التزام المجتمع الدولي بدعم جهود تحقيق السلام” في الشرق الأوسط.
وأكدت مصادر مطلعة لـ“أخبارنا الجالية ”، أن السبب الرئيسي في اختيار الملك عبدالله الثاني المغرب محطته الأولى، هو الضغوطات التي يتعرض لها الأردن في ما يسمى بصفقة القرن، واعتبرت المصادر أن الملك عبدالله يود تدخل المغرب بعلاقاته على المستوى الأوروبي واستغلال زيارة البابا فرنسيس للمغرب لتخفيف ذلك الضغط.
وتحتفظ أطراف دولية بالدور المغربي في ملف القدس لاعتبارات تاريخية وسياسية وكذلك لأن الملك محمد السادس هو رئيس لجنة القدس.
وأوضحت المصادر أن العاهل الأردني يسعى أيضا من خلال لقائه مع العاهل المغربي، إلى تنسيق المواقف قبل انطلاق القمة العربية، التي تأتي في توقيت جد حساس.
ومعروف أن المغرب يبذل منذ سنوات جهودا كبيرة للمحافظة على القدس والمقدسات الإسلامية والعربية فيها. أمّا الأردن، فيحاول الحفاظ على دوره كراع للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في المدينة.
وتعترف إسرائيل نفسها بدور الأردن في حماية الأماكن المقدسة في القدس. وأكدت ذلك من خلال اتفاق وادي عربة للسلام الموقّع بينها وبين المملكة الهاشمية في أكتوبر من عام 1994.
وكان عبدالله الثاني حرص قبل مغادرته عمّان على تأكيد أن القدس “خط أحمر”، وقبلها أماط اللثام عن ضغوط يتعرض لها في ما يتعلق بالمدينة خلال زيارة له إلى محافظة الزرقاء (شرق المملكة).
وألغى رئيس مجلس الشيوخ الروماني، “كالين بوبتشكو”، زيارة له كانت مقررة للمغرب، الأربعاء، بعدما طلبت الرباط تأجيلها على خلفية إعلان رومانيا نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وسبق أن ألغى العاهل الأردني زيارة كانت مقررة لبوخارست الأسبوع الماضي.
ويرى البعض أن الأردن ليس فقط مهددا بفقدان دوره في القدس، بل أيضا في سيادته على بعض أراضيه خاصة إذا تأكدت تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن سيادة إسرائيل على الضفة الغربية.
وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة محمد الخامس في الرباط، تاج الدين الحسيني إن مملكة الأردن أضحت في وضع حرج، لاسيما مع ما يسرب عما يسمى بـ“صفقة القرن”، والانحياز الأميركي القاطع لإسرائيل، خصوصا بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك بسيادة الأخيرة على الجولان المحتل.
واعتبر تاج الدين الحسيني أن الملك عبدالله الثاني، في لقائه مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، قد يحاول وضع معالم لاستراتيجية مشتركة على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي للتصدي لهذا النموذج من العدوان، الذي يهم الأراضي المقدسة، خصوصا القدس الشرقية.
وكان العاهل الأردني قد شارك في قمة ثلاثية وصفت بالعاجلة السبت في القاهرة ضمت كلا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي. ويقول محللون إن من دواعي قلق الملك عبدالله أيضا إمكانية حدوث انفجار في المنطقة على إثر إعلان خطة السلام الأميركية، في ظل وجود بوادر احتقان متصاعدة في الأردن حيث يشكل الفلسطينيون مكونا رئيسيا في النسيج الاجتماعي داخل المملكة بما يتجاوز 3 ملايين نسمة.
وتحت الضغط الشعبي، طالب مجلس النواب الأردني الحكومة الثلاثاء بإلغاء اتفاق أبرم مع إسرائيل عام 2016 لتزويد المملكة بالغاز من حقل ليفياثان، قيمته 10 مليارات دولار.
ودعا نائب رئيس الوزراء وزير الدولة رجائي المعشر إلى “مهلة حتى يتسنى للحكومة استفتاء المحكمة الدستورية حول صلاحية مجلس الأمة (بشقيه مجلس النواب ومجلس الأعيان) بالنظر في اتفاقية الغاز مع إسرائيل”.
وفي سبتمبر 2016 وقعت المملكة مع إسرائيل اتفاقا قيمته 10 مليارات دولار لتصدير الغاز من حقل ليفياثان البحري بداية عام 2020 ولمدة 15 عاما. وبموجب اتفاق آخر لاستيراد الغاز، أعلنت شركة “ديليك” الإسرائيلية في مارس 2017 أنها بدأت تصدير الغاز إلى الأردن من حقل بحري.
وتدافع الحكومة الأردنية عن الاتفاق قائلة إنه سيوفر 600 مليون دولار سنويا من نفقات الدولة في مجال الطاقة.