القطار المغاربي يستعد للانطلاق بعد مخاض طويل
دخلت بلدان المغربي العربي مرحلة جديدة في علاقاتها الاقتصادية عبر الاستعداد لإطلاق مشروع القطار المغاربي بعد محاولات متعثرة دامت ثلاثة عقود، في ظل آمال بتوسيع شرايين التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات وآفاق النمو الاقتصادي.
تترقب الأوساط الاقتصادية والشعبية في دول اتحاد المغرب العربي خروج مشروع القطار المغاربي إلى النور بعد أن ظل حبيس الأدراج لسنوات طويلة بسبب الخلافات السياسية التي تسببت في تعطيل إنعاش اقتصادات دول المنطقة.
ويعني الإعلان عن قيام المشروع الضخم أن دول المنطقة خطت خطوة عملية أخرى نحو التكامل الاقتصادي، لكن البعض يرى أنها ربما غير كافية نظرا للتحديات الكثيرة والمعقدة التي تعترض الاتحاد لبلوغ أهداف الاندماج.
ومن المقرر أن يُستعرض الأربعاء في تونس وبمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس الاتحاد تفاصيل هذا المشروع الواعد، والذي يتضمن إنشاء سكة حديدية جديدة بين دول المنطقة الخمس، وذلك بالتعاون مع البنك الأفريقي للتنمية ولجنة اقتصادية من الأمم المتحدة مكلفة بقارة أفريقيا.
وسيتم الترويج للمشروع بحضور مجموعة من المستثمرين من دول المنطقة وكذلك الأجانب بهدف حشد التمويل لتنفيذه على مراحل، حيث تبلغ تكلفته الإجمالية حوالي 4 مليارات دولار.
وكانت الأمانة العامة للاتحاد قد ذكرت في بيان أواخر الشهر الماضي أن “المرحلة الأولى من المشروع ستربط بين تونس والجزائر والمغرب، على أن يتم توسيعه في المرحلة التالية ليشمل كل من ليبيا وموريتانيا”.
وقال الطيب البكوش الأمين العام للاتحاد خلال إحياء الذكرى الثلاثين لقيام الاتحاد فبراير الماضي في الرباط إن “اندماج المغرب العربي الكبير سيمكن من توفيرالآلاف من فرص العمل سنوياً لفائدة شباب المنطقة”.
ويتضمن المشروع إنشاء سكة حديدية جديدة يتجاوز طولها أكثر من ألفي كيلومتر بين مدينة جندوبة التونسية ومدينة عنابة الجزائرية وصولا إلى مدينة الدار البيضاء المغربية.
وسيتم كذلك تحديث خط السكة بين مدينتي جندوبة التونسية والجديدة في الجزائر، إلى جانب تحديث خط السكة بين مدينتي فاس ووجدة المغربيتين.
كما سيتم إعادة تأهيل الجزء المغربي الجزائري العابر للحدود بالإضافة إلى إدخال التكنولوجيا الحديثة في الأنظمة الفرعية للطاقة والتحكم في القيادة والإشارات.
وتؤكد الأمانة العامة أن الاتحاد يهدف من خلال إنجاز مشروع إلى إقامة كيان اقتصادي موحد لتسيير وتسهيل حركة البضائع والأشخاص بين البلدان الثلاثة.
وسيعزز المشروع التكامل التجاري والاقتصادي والاجتماعي لمواطني المنطقة بهدف تحسين الظروف الاجتماعية لهم من حيث توفير فرص العمل ودعم الاقتصاد المحلي والوطني.
وهناك رهان على حكومات المنطقة في تقديم تسهيلات والدخول في شراكة لإنجازه بعد عامين من العمل على الدراسة من قبل لجان مشتركة ضمت مسؤولين عن قطاع السكك الحديدية، بالإضافة إلى خبراء الشركة المشرفة على الدراسة.
وقال محمد نجيب بوليف، وزير النقل المغربي في وقت سابق إن “الاتحاد المغاربي يُحاول منذ تأسيسه في العام 1989 إنجاز هذا المشروع”.
وأشار حينها إلى أن كل البنى التحتية والمشاريع الإقليمية مرتبطة بالمناخ السياسي السائد في دول المنطقة، ولكن الجديد هو أن الاتحاد المغاربي سيطلق دراسة لترويج كيفية تحقيق الربط بين سكك الحديد.
كما أوضح أن السكك الحديدية تم بناؤها، إلا أن بعض الأجزاء يحتاج إلى إنجاز، ودور الدراسة التي أطلقها الاتحاد، هو إعادة الملف إلى طاولة النقاش.
وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الخطوات قامت بها دول الاتحاد خلال العامين الماضيين بدأت بولادة المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية في فبراير 2017 بعد سنوات من الانتظار.
وفي نوفمبر الماضي، أيقظ مجلس محافظي البنوك المركزية في دول المنطقة الطموحات لتحقيق الاندماج المالي الإقليمي، رغم العراقيل التي تواجه العمل المشترك في هذا القطاع وغيرها من المجالات.
واتفق المجلس بعد اجتماع احتضنته تونس، لأول مرة منذ عام 2007 على اعتماد برنامج يشمل 5 محاور تتضمن استخدام التكنولوجيا المالية الحديثة والعملة المشفرة والشمولية المالية والتمويل الإسلامي، إضافة إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
تنفيذ مشروع القطار المغاربي سيتم على مرحلتين، الأولى تشمل تونس والجزائر والمغرب ثم التوسع لضم ليبيا وموريتانيا
ومطلع الشهر الجاري تم الكشف عن بلورة رؤية مشتركة بعيدة المدى للأمن الغذائي لتذليل العقبات المتراكمة ومعالجة أسباب فشل المحاولات الكثيرة التي بذلت في السنوات الأخيرة لتعزز الاستثمارات والتعاون في ما بينها في هذا المجال.
ومن الواضح أن كل هذه التحركات وعلى أكثر من جبهة رغم تأخرها تعكس إصرار حكومات دول المنطقة على وضع حد لتشتتها خاصة مع القفزات الاقتصادية، التي تحققها التكتلات الإقليمية حول العالم.
وتعتبر اقتصادات الدول المغاربية الأقل اندماجا مقارنة بالتكتلات الأخرى، إ لا يتجاوز حجم التبادل التجاري فيما بينها 4 بالمئة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من حجم التجارة الخارجية لكل دولة عضو.
ويقول صندوق النقد الدولي إن غياب الاندماج الاقتصادي يتسبب سنويا في خسارة بين نقطة ونقطتي نمو لكل بلد.