المغرب منارة لإشعاع قيم التسامح والتعايش بين الأديان
تعد القيم الروحية والإنسانية وقيم التعايش والوئام والحوار الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المغربي، وهي عقيدة تم ترسيخها بفضل رؤية سياسية حكيمة تؤمن بثقافة الحوار والانفتاح وتقبل الآخر، لتكون زيارة الحبر الأعظم إلى المغرب نهاية الشهر الحالي خير دليل على القيم التي يتشبث بها. وتعطي زيارة الحبر الأعظم زخما جديدا للعلاقات الثنائية بين المغرب والفاتيكان، لكنها إلى جانب ذلك تلعب دورا حيويا في تعزيز العلاقات بين العالمين الإسلامي والمسيحي.
يتشبث المغرب بالقيم الروحية والإنسانية وقيم التعايش والوئام والحوار لتكون الكلمة الفيصل فيه للسلام بدل النزاع، ويتجسد نهج الرباط في هذا الإطار في العديد من المبادرات الدولية التي طرحتها وفي تبنيها للعديد من المواقع الداعمة للسلام. ويترسخ إيمان المغرب بالقيم الإنسانية وسعيه الدائم لتحقيق التعايش والوئام في الزيارة الرسمية التي من المقرر أن يقوم بها بابا الفاتيكان البابا فرانسيس للمملكة نهاية الشهر الحالي.
وتعطي زيارة الحبر الأعظم زخما جديدا للعلاقات الثنائية بين المغرب والفاتيكان والتي من شأنها تعزيز العلاقات بين العالمين الإسلامي والمسيحي. وتهدف الزيارة إلى دعم المبادرات التي ترسخ القيم الإنسانية والروحية المثلى بين أتباع الديانات السماوية من أجل تحقيق الأمن الروحي والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب.
وكان المغرب حريصا بشكل دائم على تعزيز الأمن الروحي بين أتباع الديانات المختلفة، حيث تم الاتفاق في مايو من العام 2017 على إحداث لجنة مشتركة للنهوض بالحوار بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، بين الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس البابوي لحوار الأديان، الذي يوجد مقره بالفاتيكان، مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم. وكانت هذه المبادرة الأولى من نوعها في المغرب.
وسيضطلع التعاون بين المغرب والفاتيكان بدور استراتيجي في فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين العالمين الإسلامي والمسيحي، بفضل السعي المتواصل لتقوية وتعزيز علاقاتهما في سبيل ترسيخ ثقافة الوفاق والتفاهم والتعايش.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد قال، في برقية التهنئة التي أرسلها إلى البابا فرانسيس بمناسبة اعتلائه الكرسي البابوي، “أود التأكيد لقداستكم ما أتحمله من أمانة دينية وروحية، في صيانة القيم الروحية التي حملتها الأديان السماوية للبشرية، مضمنة في كتبها المقدسة، جاعلا من نفسي واحدا من أولئك المؤمنين بهذه القيم٬ والمدافعين عنها”.
وثمّن الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ميغيل أنغيل موراتينوس، الاثنين بجنيف، التزام الملك محمد السادس بتعزيز فضاءات الحوار الثقافي والتعايش، وتوطيد أسس السلام على الصعيد العالمي.
وأشاد بالعاهل المغربي والمبادرات النبيلة التي اتخذها لفائدة تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل بين الأمم وحماية أماكن العبادة والحفاظ على التراث الثقافي والروحي لمختلف الديانات، وذلك في لقاء عقد بمكتب الأمم المتحدة في قصر الأمم بجنيف. وكان الاجتماع فرصة لمناقشة تدابير حماية المواقع الدينية والحفاظ على طابعها المقدس.
وأبرز الممثل الدائم للمغرب في جنيف عمر زنيبر الأهمية التي يوليها الدستور المغربي لتعزيز وترسيخ مبادئ التسامح والتعايش وحماية المواقع الدينية. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعة الماضي، في إطار تحالف الحضارات إلى إعداد خطة عمل بهدف إشراك منظومة الأمم المتحدة بشكل كلي في حماية الأماكن الدينية عقب الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا.
وتتجه العلاقات بين المغرب والفاتيكان نحو ديناميكية أكبر، بالنظر للأهمية التي يكتسيها في الوقت الراهن عملهما المشترك من أجل تعزيز الحوار بين الإسلام والمسيحية وإشاعة قيم التعايش والتسامح بين الأديان.
ومن خلال الزيارة القادمة للحبر الأعظم إلى المغرب، تحرص المملكة المغربية بشكل وطيد على تعزيز العلاقات المتميزة التي تربطها مع الفاتيكان، وهو ما ترسخ سابقا في الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني للمغرب، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وشكلت تلك الزيارة بالنسبة للمغرب أساسا متينا لبناء جسور الحوار والتفاهم الأمثل والاحترام المتبادل بين العالمين المسيحي والإسلامي. وحملت تلك الزيارة دلالات إيجابية قوية جسّدها بالخصوص تقبيل البابا يوحنا بولس الثاني أرض المغرب مباشرة بعد نزوله من الطائرة في 19 غشت 1985. وبقيت تلك الصورة راسخة في الأذهان رغم مرور السنين.
واعتبر الفاتيكان زيارة البابا للمغرب آنذاك “حدثا غير مسبوق في الحوار بين المسيحية والإسلام”. والتقى البابا حينها 80 ألفا من الشباب المسلمين في مدينة الدار البيضاء. وسبقت زيارة البابا بولس الثاني محطة راسخة في تاريخ العلاقات العريقة بين المغرب والفاتيكان، وهي اختيار البابا سيلفستر الثاني (999 – 1003م)، متابعة دراسته بجامعة القرويين في فاس. ويقول مؤرخون إن البابا سيلفستر الثاني هو من أدخل الأعداد العربية إلى أوروبا بعد عودته من المغرب.
وافتتح المغرب في العام 1997، سفارته لدى الفاتيكان لتوطيد العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، والمونسنيور فيتو رالو هو السفير البابوي في الرباط. وافتتحت السفارة البابوية بالرباط سنة 1988 وهي واحدة من بين 115 ممثلية دبلوماسية وقنصلية للكرسي الرسولي في العالم. ولطالما كان المغرب أرضا للتعايش بين الثقافات والأديان والحوار، وهو أيضا بلد الانفتاح والتعددية والتنوع منذ قرون من الزمن.
ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء وهي وكالة الأنباء الرسمية في المغرب عن سفير الفاتيكان بالرباط فيتو رالو قوله إن مؤسسة إمارة المؤمنين تشكل مصدر ثقة واطمئنان بالنسبة للأجانب المقيمين في المغرب. وكان رالو قد أكد سابقا على الدور المحوري لإمارة المؤمنين باعتبارها من ثوابت البلاد، في إرساء حالة التعايش والوئام والأمن الذي يسود المملكة.
العاهل المغربي اتخذ العديد من المبادرات النبيلة لفائدة تعزيز الحوار والتفاهم المتبادلين بين الأمم وحماية أماكن العبادة والحفاظ على التراث الثقافي والروحي لمختلف الديانات
وأفاد بأن “المغرب يعتبر من بين البلدان القلائل التي يمكن أن يعيش فيها الجميع في سلم واحترام وعدل”، مضيفا أن “ذلك يتم بفضل الرعاية الملكية ومؤسسة إمارة المؤمنين”. وتأتي زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب في 30 و31 من الشهر الحالي بعد أقل من شهر على زيارته التاريخية إلى الإمارات، وهو ما يؤكد مساعيه الجادة لتحقيق التقارب بين العالمين المسيحي والإسلامي وترسيخ قيم التعايش بين الأديان والثقافات وإحلال الأمن والسلام.
وفي تصريح سابق لـ”أخبارنا الجالية ”، قال الصادق العثماني، مدير الشؤون الدينية في اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، إن اللقاء المرتقب بين الملك محمد السادس والبابا فرنسيس يعد بإثراء النقاش بين الكنيسة ومؤسسات المجتمع الإسلامي المؤدي إلى كسر الحواجز بين الطرفين والمساهمة في تقليص حجم التباعد في سبيل التعايش الإسلامي المسيحي وإيقاف كل محفزات العصبية والطائفية المقيتة.
من هنا، يعتبر العثماني أن الحوار لا يأتي كشأن لاهوتي أو سجال فكري أو ترف معرفي ونظري بل هو ضرورة وحاجة وواجب شرعي في عالم اليوم، يحتم على العقلاء من المسلمين والمسيحيين التفكير جديا في بلورة مشروع عالمي إنساني وتاريخي مشترك يعيش تحت كنفه الناس بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم وجنسياتهم. وسيزور الحبر الأعظم خلال وجوده في المغرب معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ومقر مؤسسة كاريتاس لأبرشية الرباط. كما سيلتقي بعدد من المهاجرين.
إلى جانب ذلك، سيترأس البابا في القاعة المغطاة في المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله، القداس الديني بحضور الآلاف من المسيحيين ومعظمهم من المهاجرين المقيمين في مناطق مختلفة من المغرب، وإلقاء خطاب حول الحوار بين الأديان. ويعيش في المغرب حوالي 50 ألف كاثوليكي، أغلبهم من الأوروبيين المغتربين، وفق ما ذكرت مجلة الفاتيكان.