بروكسل تمهل لندن أسبوعين لحسم اتفاق بريكست
نجحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في اقتلاع مهلة أوروبية مهمة من حيث التوقيت، رغم أنها ليست طويلة، من أجل حشد دعم النواب البريطانيين لاتفاق بريكست وتفادي انفصال دون اتفاق تكون تداعياته الاقتصادية كارثية، فيما يشير خبراء إلى أن بريطانيا تتجه نحو الأسوأ مهما كانت طريقة الانفصال.
أمهل زعماء الاتحاد الأوروبي رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أسبوعين إضافيين ينتهيان في 12 أبريل، قبل أن تغادر بلادها التكتل دون اتفاق إن فشلت في إقناع أعضاء البرلمان بتأييد الاتفاق الذي توصلت إليه مع بروكسل، ما يفاقم الضغط على البرلمان البريطاني المنقسم بشدة بشأن خطة الانسحاب.
ويمثّل هذا العرض تخفيفا للموقف الأوروبي تجاه لندن، ذلك أنّ عددا كبيرا من قادة التكتّل سبق لهم وأن أعلنوا أنّه في حال لم يوافق النواب الأوروبيون على اتفاق الخروج فإن الطلاق واقع لا محالة الأسبوع المقبل ومن دون أي اتفاق ينظّمه.
وبعد مشاورات استمرت سبع ساعات الخميس أبقى نظراء ماي الـ27 على مجموعة من الخيارات مطروحة مما يزيد الضغط على البرلمان لتأييد ماي ويعطي بريطانيا فرصة البقاء لمدة أطول، لكن أيضا يمهد لتوجيه اللوم لها على أي اضطراب قد يحدث نتيجة الخروج دون اتفاق.
وأرادت ماي تأجيل الانسحاب حتى 30 يونيو وحاولت طمأنة الاتحاد الأوروبي بأنها ستتمكن من الحصول على موافقة البرلمان في نهاية الأمر على اتفاقها الأسبوع المقبل.
وخطط زعماء الاتحاد للموافقة على تمديد أقصر حتى 22 مايو المقبل للانسحاب، وهو ما يوافق عشية انتخابات البرلمان الأوروبي وترك أي مفاوضات بشأن كيفية التعامل مع ماي حال فشلها حتى الأسبوع المقبل. لكنّ دبلوماسيين قالوا إن رئيسة الوزراء فشلت بشكل ملحوظ في طمأنتهم بشأن فوزها بموافقة البرلمان.
والنتيجة التي قالت ماي إنها مرضية لها هي أن موعد 22 مايو سيطبّق إذا وافق البرلمان على خطتها الأسبوع المقبل.
لكن إذا لم يحدث هذا فسوف يتعين على بريطانيا أن تقدم بحلول 12 أبريل خطة جديدة أو مغادرة الاتحاد دون اتفاق.
وأبلغ رئيس القمة دونالد توسك، وهو رئيس المجلس الأوروبي مؤتمرا صحفيا بأن “حكومة المملكة المتحدة سيكون لديها خيار بين الاتفاق أو عدم الاتفاق أو التمديد لمدة أطول أو التخلي عن المادة 50″.
ورحبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل بشأن إرجاء خروج بريطانيا من الاتحاد.
وقالت ميركل ليلة الخميس/الجمعة في العاصمة البلجيكية إنه كان هناك عزم على دعم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في مساعيها نحو إعادة طرح اتفاقية الخروج التي تم التفاوض عليها مع الاتحاد الأوروبي للنقاش في البرلمان البريطاني مجددا، مضيفة “يمكنني القول بأنها كانت أمسية مكثفة للغاية، لكن أيضا ناجحة للغاية”.
وذكرت ميركل أن استغراق النقاش حول مسألة الإرجاء ساعات طويلة يرجع إلى “جدية الوضع”، قائلة “كان نقاشا صادقا ومهما للغاية اليوم، ونحن مستعدون لكافة السيناريوهات، لا نزال نأمل في خروج منظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن يتعيّن علينا أيضا الاستعداد لكافة الاحتمالات، حتى تكون مقبولة للمواطنين في أوروبا”.
وفي إشارة إلى خطة ماي لطرح اتفاقية الخروج للتصويت مجددا في مجلس العموم البريطاني، أكدت ميركل “بالطبع، سنتابع الآن عملية صناعة القرار في البرلمان البريطاني”.
وفي الأثناء، وصل عدد الموقعين على عريضة بريطانية تطالب الحكومة بإبطال المادة 50 من الدستور الإنكليزي التي تحكم عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى ثلاثة ملايين الجمعة، فيما أشار مقر الحكومة في “داونينغ ستريت” إلى أنه من المرجح أن تتجاهل ماي العريضة.
وانهار الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة بشكل مفاجئ الخميس، في ظل تلقي العريضة أكبر عدد من التوقيعات على الإطلاق، وفقا للجنة العرائض الرسمية بالبرلمان البريطاني.
وغرّد العديد من المشاهير وأعضاء البرلمان تأييدا للعريضة، والتي تعتبر حاليا الثالثة من حيث الشعبية على موقع البرلمان.
وكتبت نيكولا ستارجن، الوزيرة الأولى في اسكتلندا تقول “قضية كبيرة ومهمة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يجب أن تنهار بسبب عرائض؛ تقول إنه إذا كنتم محبطون من أن رئيسة الوزراء لا تستمع، يمكنكم التوقيع هنا”.
وقالت أندريا ليدسوم، وزيرة شؤون الدولة في مجلس العموم، للنواب البرلمانيين “في حال تلقت العريضة أكثر من 17.4 مليون توقيع، سيكون هناك مطلب واضح للغاية لاتخاذ خطوة”.
وكانت ليدسوم تشير إلى الـ17.4 مليون ناخب، أو 52 بالمئة من الناخبين البريطانيين، الذين صوتوا لصالح بريكست في استفتاء عام 2016 .
ويعارض المتشككون في أوروبا والحزب الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي الشمالي، الذي دعم نوابه العشرة حكومة الأقلية البريطانية منذ يونيو 2017، بروتوكول “شبكة الأمان” الخاص بأيرلندا لضمان حدود أيرلندية مفتوحة في فترة ما بعد بريكست.
ولترجيح كفّة التأييد، بدأت الحكومة التي تحتاج إلى تأييد 75 برلمانيا، مباحثات مع مؤيدي بريكست المتشدّدين، بدءا بالحزب الديمقراطي الوحدوي حليفها في البرلمان.
ويعارض هؤلاء “شبكة الأمان” التي يفترض أن تتجنب عودة حدود فعلية بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، وتنص على أن تبقى بريطانيا في “وحدة جمركية” مع الاتحاد الأوروبي.
ويخشى المؤيدون لبريكست من أن يؤدي ذلك إلى بقاء بلادهم مرتبطة دوما بالاتحاد الأوروبي، في حين يرفض الوحدويون الوضع الخاص الذي سيمنح لأيرلندا الشمالية.
واستكملت دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء وضع اللمسات الأخيرة على سلسلة من التدابير الطارئة التي تهدف إلى تقليل أثر أي خروج بريطاني من دون اتفاق من الاتحاد. وتغطي التدابير مجالات النقل ومصائد الأسماك ومدفوعات الضمان الاجتماعي.
وتهدف التدابير الجديدة أيضا إلى حماية حقوق الضمان الاجتماعي لمواطني دول الاتحاد في بريطانيا والعكس صحيح، مثل الحق في الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد المتبادلة. كما تضمن “الاتصال الأساسي للنقل الجوي”، وكذلك السماح باستمرار التنقل البرّي للشاحنات والركّاب.
وتضمن التدابير سهولة قيام السفن الأوروبية بأنشطة الصيد في المياه البريطانية والعكس صحيح، وكذلك إتاحة تعويضات لأيّ صيادين متضررين. ومن المقرّر أن تصبح هذه التدابير سارية من اليوم التالي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حال حدث ذلك من دون اتفاق.
وحرصا منها على تفادي هزيمة ثالثة مهينة، حذّرت ماي مجددا في مقال نشر في صحيفة صنداي تلغراف الأحد، من أنّ بريطانيا قد “لا تخرج من الاتحاد الأوروبي لأشهر وقد لا تخرج بتاتا” مراهنة على مشاعر الخوف، في وقت يتساءل فيه المعسكر المؤيد لبريكست عمّا إذا كان تصويت البريطانيين قبل ثلاث سنوات للخروج من الاتحاد الأوروبي سيصبح حقيقة.
وعُلّق بريكست في دهاليز البرلمان البريطاني، ما يعكس الانقسامات العميقة السائدة بعد ثلاث سنوات من استفتاء 2016 الذي صوت البريطانيون فيه بفارق ضئيل لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ورسخت جلسات الأسبوع الفارط الانقسامات السياسية داخل البرلمان وفي البلاد ككل إذ بدت ماي أقرب إلى فقدان السيطرة على حزبها والحكومة. وفي مشاهد بدت أحيانا هزلية في البرلمان الأربعاء، تحدى أربعة أعضاء في الحكومة -من بين 17 نائبا محافظا- ماي ولم يصوتوا مع الحكومة.
وفي نقلها للأحداث، عنونت صحيفة دايلي ميل “الفوضى تعم”، بينما جاء على صفحة ذي تايمز الأولى “انهيار بريكست”.
وحذر قادة عالم المال والأعمال من أن بريطانيا “تحدق مباشرة في فوهة البندقية” إن هي قطعت علاقاتها المستمرة منذ 46 عاما مع أكبر شريك تجاري لها دون اتفاق.
وأعلنت الحكومة البريطانية عن سلسلة من الإجراءات في حال خرجت بريطانيا دون اتفاق، بينها إلغاء الرسوم الجمركية على معظم الواردات وعدم تطبيق عمليات مراقبة عند الحدود مع إيرلندا.