صراع انتخابي مبكر في المغرب للفوز برئاسة الحكومة في 2021
قبيل عام تقريبا من إجراء انتخابات تشريعية ستكون حاسمة، يعيش المشهد الحزبي في المغرب على وقع بعض التغيرات في التكتيكات السياسية تأهبا للمحطة الهامة في عام 2021.
تجلّت بوادر الصراع المبكّر بين الأحزاب عبر تصويب حزب العدالة والتنمية بوصلته نحو هذا الموعد موجها انتقاداته الحادة ضد غريمه الحالي التجمع الوطني للأحرار، الذي تمكن من اختراق القطاعات الإستراتيجية داخل الحكومة.
تأتي هذه التطورات بعدما تقهقر وزن حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان منافسا عنيدا للعدالة والتنمية في الاستحقاقات التشريعية والمحلية السابقة، ليحل محله حزب التجمع الوطني للأحرار الذي رفع رهان الفوز بمعركة الانتخابات المقبلة ورئاسة الحكومة بتزكية من رئيس الحزب عزيز أخنوش وقيادات بارزة خلال لقاءات حزبية داخل وخارج المغرب.
وللحد من تقدم تجمع الأحرار جنّد حزب العدالة والتنمية، عبدالإله بن كيران واستعان بخدماته لقصف كل الخصوم من قيادات الأحرار وغيرهم رغم أن بن كيران لا يدّخر في المقابل أي جهد لكشف بعض ما خفي من سياسة حزب العدالة والتنمية.
وألمح سعدالدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأسبوع الماضي، خلال كلمة له في ندوة الحوار الداخلي للحزب بالرباط، إلى إمكانية تدخل الدولة لتزوير الانتخابات المقبلة لصالح بعض الأحزاب المنافسة، في إشارة ضمنية إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تتوقع قياداته الفوز في الانتخابات المقبلة.
بشأن هذه الحرب الكلامية بين الطرفين السياسيين، يؤكد إدريس الكنبوري، الباحث في الجماعات الإسلامية، وجود حالة التباس في المشهد السياسي المغربي سواء من جانب حزب العدالة والتنمية الذي يوظف ورقة المظلومية، أو التجمع الوطني للأحرار الذي يوظف ورقة القصر.
ويوضح الكنبوري، في تصريح لـه، أن المشكلة الكبرى اليوم تكمن في تراجع وتقهقر الأحزاب الحقيقية والتاريخية وظهور أحزاب ليس لديها أي عمق شعبي أو برامج أو تاريخ باستثناء امتلاك المال والقرب من السلطة.
يرتبط تصريح العثماني بإمكانية تدخل الإدارة لتزوير الانتخابات المقبلة لصالح بعض الأحزاب المنافسة بالسياقات الداخلية للحزب، وفق محمد لكريني، الباحث في القانون العام، الذي أكد أنه بعدما وجد العدالة والتنمية في قيادة الحكومة صعوبة كبيرة في تدبير الشأن العام خاصة أنه كان يشتغل داخل المعارضة، وهو ما صعّب عليه إيجاد حلول رفقة أحزاب أخرى للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد.
ويضيف لكريني أن السياقات الخارجية ترتبط بتوتر علاقة حزب العدالة والتنمية مع عدد من الأحزاب السياسية. ويؤكد وجود توتر حتى داخل الحكومة نفسها، متسائلا عن قصد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فهل يشمل تلميحه الإدارة أم الأحزاب أم شيئا آخر؟
ويوضح أنه توجد مؤسسات تسهر على مرور الانتخابات في جو نزيه ولذلك فإنه إن شابت العملية الانتخابية بعض الخروقات أو تدخل من جهة معينة فإن القانون يسمح لكل حزب بتقديم طعون في هذا الشأن.
من جهة حزب الأصالة والمعاصرة، وجّه نائبه في البرلمان عبدالطيف وهبي سؤالا كتابيا لرئيس الحكومة، قال فيه إن “بعض التقارير الإعلامية تداولت تلميحكم إلى وجود إرادة لدى جهات ما لتزوير الانتخابات القادمة، وبالنظر لموقعكم الدستوري فإن مثل هذه التصريحات تسيء لصورة بلادنا وتجربتها الديمقراطية داخليا وخارجيا”.
وطالب وهبي العثماني بالكشف عن صحة هذه التصريحات وعن الجهات والمؤسسات التي يقصد عزمها القيام بالتزوير، داعيا كذلك إلى إماطة اللثام عن التدابير التي اتخذتها الحكومة لإجراء الانتخابات في ظروف أكثر ديمقراطية وشفافية.
ويقول إدريس الكنبوري إن حزب العدالة والتنمية يجد في هذه الوضعية فرصة سانحة للعب دور الضحية لأنه يدرك بأن اندفاعة حزب التجمع الوطني للأحرار ليست بريئة بل وراءها ربما خطة سياسية قوامها الظهور المتكرر لرئيس الحزب، معتقدا أنه في ظل الواقع الراهن من حق حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة أن يعبرا عن تخوفهما من التزوير.
صراع معلن
لا يعد مصطلح التزوير بالجديد على قاموس العدالة والتنمية عند التأهب للمحطات الانتخابية حيث سبق أن حصل ذلك مع حزب الأصالة والمعاصرة وها هو يكررها مع التجمع الوطني للأحرار. ويؤكد مصطفى الرميد، القيادي في حزب العدالة والتنمية، أنه “إذا كان البعض يحلو له أن يقول إنه سيحل في المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة فذلك حقه، متسائلا أي سلم سيرتقي لينقله من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الأولى، في إشارة إلى حزب الأحرار.
ومن المرجح أن تشتد المواجهة بين الحزبين على مقاعد البرلمان التي ستحدد قائد الحكومة المقبلة، وهي مرحلة أكد عزيز اخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أنه سيكون مؤهلا لقيادتها بعد 2021، جازما بأن حزبه يتقدم بخطى ثابتة نحو الانتخابات المقبلة، وأن الهدف هو الفوز فيها بالغالبية. وقال أخنوش ” الناخبون سنذهب للبحث عنهم حيثما كانوا، ولو في صفوف حزب العدالة والتنمية الإسلامي”.
ويعتقد محمد فقيهي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن إستراتيجية رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار تمتد على مرحلتين. ابتدأت الأولى قبل فشل عبد الاله بن كيران في تكوين تحالف حكومي بعد انتخابات 2016. وكانت بمثابة عملية إنهاك طويلة المدى لحزب العدالة والتنمية عجّلت بتقسيم صفوفه إلى حد ما. أما المرحلة الثانية فدشنها وسط العهدة التشريعية الحالية. وتجلت بتوسيع هامش المناورة لدى الأحرار وتعميق مستوى الإنهاك لدى الحزب المنافس.وبحسب محمد فقيهي، فإن حزب الأحرار لن يستطيع أن يكتسح السباق الانتخابي، خاصة أن له تاريخ طويل من النتائج المتواضعة رغم ما يتمتع به من قوة ضاربة على المستوى المالي واللوجستي، إلا أنه على مستوى قاعدته ليست له القوة الكافية للتعمق داخل الساحة الشعبية.
وإذا كان للعدالة والتنمية خزان انتخابي قار لا يتأثر بالمتغيرات السياسية، فإن الأحرار يعتبر بمثابة حزب أعيان في عمومه. وهنا قال عزيز أخنوش إن الحزب استقطب تاريخيا هذه الفئة من المواطنين والذين وجدوا أنفسهم ضمن توجهاته، مشيرا إلى أن الأمور بدأت تتغير مع انفتاح الحزب على كل الشرائح.
ولا يعتقد محمد فقيهي، أن حزب الأحرار يملك المصادر المتعددة والتي تعطي للحزب دعما كبيرا خلال الاهتزازات التي قد تصادفه سياسيا، عكس حزب الاستقلال الذي يعتبر الرقم الأول على هذا المستوى متبوعا بالعدالة والتنمية ثم الاتحاد الاشتراكي.
هذا المعطى الأخير، يناقضه عزيز اخنوش في تصريحات صحافية، بتأكيده أن حزب التجمع الوطني للأحرار يعيش منعطفا استراتيجيا، مشيرا إلى أن الحزب أصبح قادرا تنظيم للنساء، والتنظيمات الشبابية بضم 30 ألف عضو جلهم من الطلبة وهم ليسوا من النخبة المجتمعية الغنية.
يرى مراقبون أن صورة العدالة والتنمية قد بهتت إلى حد ما دون أن تنطفئ. مع ذلك لا يعتقد فقيهي، أن المزاج الشعبي قد انقلب بطريقة نهائية على العدالة والتنمية بسبب إدارته السيئة للشأن السياسي على مدى عهدتين متتاليتين لأنه لازال يتمتع بنوع من الرنين السياسي الايجابي يؤهله ليكون متواجدا دون أن يكتسح الساحة كما كان عليه في السابق.
وفي ظل الصراع القائم بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار يعتقد محمد لكريني أن الظرفية السياسية الراهنة مواتية ليست فقط لحزب الأحرار ولكن لأحزاب أخرى في المعارضة يمكنها أيضا الفوز في الانتخابات التشريعية لسنة 2021 لأن كل حزب يحاول بشكل أو بآخر الترويج “لبرنامجه الانتخابي” بطريقة سابقة لأوانها.
ويدعم هذا التمشي رؤية عزيز أخنوش بتأكيده أن العدالة والتنمية قد يظهر في الخارطة السياسية المقبلة بعد انتخابات 2021، ما يعني حتى إذا فاز الأحرار بالانتخابات بأعلى نتيجة، فإن أخنوش لن يستثني العدالة والتنمية ولن يدفعه كذلك إلى المعارضة، بحسب محمد فقيهي، وإنما سيفتح له المجال لتشكيل فريق حكومي يكون مناصفة بينهما.
ويعد الاختلاف القائم بين الحزبين إيديولوجيا وسياسيا واقتصاديا ولهذا قال عزيز أخنوش، إن ما يعاتبه على العدالة والتنمية ليست المرجعية الدينية، وإنما عنادهم لدى فرض اختياراتهم.