جمعة الاحتجاج الخامسة تعزل السلطة في الجزائر
جدد الجزائريون موقفهم الداعي إلى تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن الرئاسة ورحيل السلطة القائمة، في الجمعة الخامسة للحراك الشعبي، التي تحدوا فيها الظروف المناخية وصمموا على الخروج إلى الشوارع والساحات العمومية في العاصمة ومختلف مدن محافظات البلاد.
ولم تمنع البرودة الشديدة والأمطار التي هطلت على البلاد خلال الأيام الأخيرة، خروجهم في مليونية جديدة للتأكيد على مطالبهم المرفوعة منذ الـ22 من فبراير الماضي، والوقوف في وجه محاولات الالتفاف والتلاعب المنتهجة من طرف السلطة، لإفراغ الحراك الشعبي من مطالبه.
وباتت شعارات الحراك تتطور من جمعة إلى أخرى مواكبة التطورات المسجلة في المشهد السياسي، حيث تصدرت دعوات الرحيل لرموز حزبي السلطة القويين “جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي” وعلى رأسهم رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحيى، والمنسق العام للحزب الحاكم معاذ بوشارب، بعد الإعلان عن دعمهما للحراك الشعبي.
واختصرت شعارات “تتنحاو قاع″، و”بوتفليقة ما تزيدش دقيقة”، و”ترحلوا يعني ترحلوا”، و”نغرق في الأمطار ولا يغرق أبناءنا في البحار”، مواكبة مطالب الاحتجاجات الشعبية للتطورات السياسية، خاصة حملة العلاقات العامة التي يقوم بها نائب رئيس الوزراء رمطان لعمامرة، لدى عواصم غربية، لإقناع سلطاتها بخارطة الطريق التي أطلقها الرئيس بوتفليقة، في الـ11 من مارس الجاري لتحقيق الانتقال السياسي في البلاد.
وكان الدبلوماسيان رمطان لعمامرة والأخضر الإبراهيمي، إلى جانب أحمد أويحيى ومعاذ بوشارب، على رأس الرموز التي نالت غضب واستنكار المسيرات الاحتجاجية التي عمت ربوع البلاد رغم الظروف المناخية القاسية، على خلفية ما وصف بـ”استقواء السلطة بالخارج على الشعب، وتدويل الأزمة الداخلية”.
وقام وزير الخارجية الأسبق، ونائب رئيس الوزراء الحالي رمطان لعمامرة، بجولة مكوكية إلى روما وموسكو وبرلين، لإقناع سلطاتها بخارطة طريق السلطة لتحقيق الانتقال السياسي، وهو ما أثار غضبا واستياء كبيرين لدى الشارع الجزائري، الذي وصف هؤلاء في شعاراته بـ”الخونة” و”المتاجرين بالأزمة الداخلية لدى الخارج”.
وتجددت عبارات التناغم بين المتظاهرين والمؤسسات العسكرية والأمنية، في احتجاجات الجمعة، في العاصمة ومختلف المحافظات، الأمر الذي يزيد في عزلة السلطة، خاصة بعدما أبدت قيادة الجيش والأمن التعامل بليونة مع المتظاهرين منذ اندلاع الحراك الشعبي في منتصف الشهر الماضي، وظهور عناصر من الأمن والدفاع المدني بزيها المهني في الاحتجاجات الشعبية.
ورغم دعوات الاستعجال الصادرة من طرف بعض الدوائر السياسية، للقيادة العسكرية، بأخذ زمام المبادرة وتجسيد خطابات التغني والإشادة التي عبر عنها الجنرال قايد صالح، في تصريحاته الأخيرة، لا تزال الأنظار مصوبة نحو مبنى “الطاغارا” (مقر وزارة الدفاع الوطني)، لاتخاذ موقف صريح يترجم انحياز الجيش للشعب في خطة ميدانية.
ويتطلع الشارع الجزائري إلى عرض سياسي جاد من السلطة يستجيب لمطالبه ويحقق طموحاته في الانتقال إلى جمهورية ثانية، وقد تجسد ارتفاع سقف الحراك من إجهاض العهدة الخامسة لبوتفليقة في انطلاقته، إلى الرحيل الفوري للسلطة في الجمعة الخامسة، وعدم القبول بمحاولات الالتفاف والاختراق.
ولا تزال اتصالات رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي لتشكيل حكومة الانتقال السياسي متعثرة، بسبب عدم قبول العديد من الوجوه حتى المحسوبة منها على المعارضة أو من الناشطين الالتحاق بها، لعدم حرق أوراقها أمام الشارع الجزائري، وتقترب من استنفاد أسبوعين، بعدما وعد بدوي خلال تنصيبه، بأن “الحكومة ستكون جاهزة خلال أسبوع″.
وأفاد مصدر مقرب من الحكومة بأن “بدوي عقد اجتماعا مساء الأربعاء مع أعضاء الحكومة المستقيلة، بغية إبلاغهم باستكمال مهامهم في مناصبهم لغاية التوصل إلى تشكيل الحكومة الجديدة”.
ولفت المصدر إلى أن “نورالدين بدوي، يكون قد قرر التنحي عن منصبه، بعد فشله في مهامه، وأن تنحيه سيكون ضمن عرض سياسي جديد ينتظر طرحه للرأي العام خلال الأيام القليلة المقبلة”.
كما يكون الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي، على وشك التراجع بعدما فشل في إقناع العديد من الوجوه بالانضمام إلى مسعى الندوة الوطنية، على غرار الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، والوزير والدبلوماسي السابق المعارض عبدالعزيز رحابي.
وغطت الشعارات المناوئة لأحزاب السلطة في مسيرة أمس، على حملة التفكك التي تطولها خلال الأيام الأخيرة، حيث لم يتمكن المتمردون على قياداتهم بسبب موقفها السابق من الحراك الشعبي، من فرض أو لفت وجودهم في المسيرات التي انتظمت هذه الجمعة سواء في العاصمة أو أي مدينة أخرى، وكان منتظرا التحاقهم بها.
وفي تصريح صحافي أكد الضابط المتقاعد في جهاز الاستخبارات العقيد شعبان بودماغ، أن “الحراك الشعبي في الجزائر لا تقف وراءه أياد داخلية ولا خارجية.. هو منسوب وعي طفا إلى السطح بعد تراكمات ترسبت خلال عقود كاملة من الزمن”، وذلك في رده على سؤال عن قلق سلطات البلاد والقوى المتابعة، حول المحرك الحقيقي للحراك الشعبي، ووصفه بالهبة الشعبية التي احتضنت ثورة التحرير في نوفمبر 1954.