هجوم نيوزيلندا نقطة تحول في تعامل الإعلام الغربي مع المسلمين
خصصت وسائل الإعلام العالمية تغطية واسعة للهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا، اختلفت بشكل كبير عن تغطياتها السابقة لهذا النوع من الهجمات، وذلك بعد الانتقادات المتزايدة بشأن تناقض تغطية وسائل الإعلام الغربية للهجمات الإرهابية وفقا لدين مرتكبيها.
شكّلت التغطية الإعلامية للهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا نقطة تحوّل مهمة في تعامل الإعلام الغربي مع الهجمات التي يكون مرتكبوها غير مسلمين، حيث أفردت وسائل إعلام عالمية تقارير مطوّلة عن الحادثة وأبدت اهتماما واسعا، وأكدت على تسميتها إرهابية بخلاف العديد من المرات السابقة.
واعتبر متابعون إعلاميون أن خطاب رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أردرن، أعطى دروسا لوسائل الإعلام التي ما تزال حتى اليوم تختلف في ما بينها على طريقة التعامل مع الحوادث الإرهابية، وجوهر الخلاف يكمن في أن تسليط الضوء على الإرهابيين في الإعلام يمنحهم هدفهم الذي يريدونه من شهرة وبطولة.
وقالت أردرن في خطابها أمام البرلمان الثلاثاء “سعى (منفذ الهجوم على المسجدين) لتحقيق عدة أهداف من عمله الإرهابي. وكان أحدها أن يكتسب شهرة. ولهذا السبب لن تسمعوني أذكر اسمه أبداً. إنه إرهابي. إنه مجرم. إنه متطرف. وعندما أتحدث لن أذكر اسمه. وأناشدكم أن تذكروا أسماء الذين فقدوا حياتهم، بدلا من ذكر اسم من أنهى حياتهم”. وفقا لما ذكرت مها القاضي في تقرير على موقع “بي.بي.سي”.
وتعتبر توصيفات أردرن الصريحة للهجوم والمهاجم بالإرهاب والإجرام والتطرف من المرات القليلة التي تستخدم فيها شخصية سياسية مثل هذه الكلمات لوصف هجوم على مسلمين. ويتابع الكثيرون طريقة تناول الإعلام الغربي للهجوم، بعد أن تعالت أصوات تنتقد التغطية الإعلامية الغربية غير المتكافئة للهجمات التي ينفذها مسلمون، مقابل التي تستهدف مسلمين.
وهذه الانتقادات تعززها الدراسات الغربية، إذ أكدت دراسة أُجريت في جامعة ألاباما وجامعة ولاية جورجيا في الولايات المتحدة في يوليو 2018 إلى أن دين منفذ أي هجوم هو العامل الأكبر في تحديد توجه التغطية الإخبارية.
وشملت الدراسة التغطية الإعلامية لأعمال العنف في الولايات المتحدة بين عامي 2008 و2016. وبيّنت أن تغطية العمليات التي ينفذها مسلمون تزيد على التي ينفذها غير المسلمين بحوالي 357 في المئة. وذلك رغم أن العمليات التي نفذها اليمينيون المتطرفون بلغت حوالي ضعف التي نفذها المسلمون.
لكن هذا التوجه شهد تغيرا ملحوظا في الآونة الأخيرة، بعد الانتقادات المتزايدة والدلائل الواضحة بشأن تناقض تغطية وسائل الإعلام للهجمات الإرهابية وفقا لدين مرتكبيها.
خطاب جاسيندا أردرن أعطى دروسا لوسائل الإعلام التي ما تزال تختلف بشأن طريقة التعامل مع الحوادث الإرهابية
وبالنظر إلى تغطية هجمات نيوزيلندا، ضجّت وسائل الإعلام الغربية بموضوعات عن الضحايا، وقصصهم، ومظاهر الدعم التي قدمها الساسة والأفراد للضحايا وأسرهم.
وعادة ما تتشابه الصور التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية لمنفذي الهجمات من المسلمين؛ إذ غالبا ما يكون شخصا طويل اللحية، عابس الوجه، يحمل السلاح، ويهدد ويتوعد بصوت عالٍ وأجش.
لكن الصورة تختلف عندما يكون المهاجم من خلفية عرقية أو دينية أخرى. فمنفذ هجوم نيوزيلندا، الذي أردى 50 قتيلا وأوقع العشرات من المصابين، صوّرته العديد من وسائل الإعلام الغربية على أنه “الفتى الأشقر الذي تحول إلى يميني متطرف”.
وتقول شاهين باشا، مدرسة الإعلام بجامعة ماساتشوسيتس الأميركية، إن التغطية الإعلامية للحادث أبرزت المهاجم في “إطار إنساني. فهو الصبي الملائكي الأشقر، الذي ظهر في صورة تدعو إلى التعاطف كونه تعرّض للتنمر في طفولته. وبالتالي، يظهر الضحايا في هذه السردية بشكل ثانوي، على أنهم نتاج عملية تحوّل هذا الصبي إلى الشر”.
وأضافت أن هذا التناول يشكّل عبئا على الضحايا من المسلمين، “فعندما يكون المهاجم مسلما، يقع عليهم عبء تحمل تبعات الهجوم والنأي بأنفسهم عنه. وعليهم دائما إثبات صحة مخاوفهم من تزايد نزعات الإسلاموفوبيا، حتى يقع هجوم كبير (مثل هجوم نيوزيلندا)، وعندها فقط تظهر مظاهر الدعم. ثم يجدون أن الإعلام يبرزهم في صورة ‘الآخر’ وليس كجزء من المجتمع.
وأوضحت باشا أن الفضل يعود لوسائل التواصل الاجتماعي في الزخم الذي اكتسبته قصص الدعم والتعاطف مع الضحايا المسلمين، وليس بالضرورة للتغطية الإعلامية التي طالما تجاهلت مثل هذه القصص.
وتشير دراسة نشرتها جامعة ولاية جورجيا الأميركية عام 2017 إلى أن الصياغة والتفاصيل وطريقة سرد الأحداث تختلف حسب دين منفذ الهجوم. فغالبا تُستخدم كلمة “إرهابي” بشكل حصري لوصف العمليات التي ينفذها مسلمون، على سبيل المثال.
كما ذكرت الدراسة أن “المهاجم غير المسلم يجب أن يقتل سبعة أشخاص أكثر من نظيره المسلم ليحظى بنفس التغطية الإعلامية، إذ تحظى الهجمات التي ينفذها مسلمون بخمسة أضعاف التغطية التي تكرّس للهجمات التي ينفذها غير المسلمين”.
وشملت الدراسة أعمال العنف التي وقعت بين عامي 2011 و2015، نفذ مسلمون 12.4 في المئة منها، لكنها حظيت بنسبة تغطية بلغت 41.4 في المئة.
وأشارت باشا إلى أن الإعلام الغربي عادة ما يبحث عن ذريعة تسوّغ للمهاجم غير المسلم تصرفه “الإرهابي”، على عكس المهاجم المسلم الذي يظهر في سياق أن الشر جزء من تكوينه الفكري. “فالمهاجم المسلم عادة ما يظهر في صورة الخطر الذي تجلبه الثقافات الأجنبية. أما الإرهابي الأبيض دائما ما يحتاج إلى سبب ليكون شريرا. ويعكس هذا الأمر ثقافة المجتمع ككل، الذي يشمل العاملين في الإعلام”.
لكن وجهة نظر باشا لا يعتبرها الكثيرون دقيقة، إذا ما نظر إلى التغطية المكثفة التي سلطت الضوء القصص الإنسانية للضحايا، والتعاطف الواسع مع المسلمين.