هل تتورط واشنطن في الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان

تراهن الطبقة السياسية الإسرائيلية قبل إجراء الانتخابات العامة في شهر أبريل القادم على لعب ورقة انتخابية هامة وهي الدفع نحو توريط الإدارة الأميركية في اتخاذ قرار مناف للأعراف الدبلوماسية، ويتمثل في الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. ومع تواتر الأنباء المشيرة إلى وجود إمكانية لسير الرئيس الأميركي وراء ما تصبو إليه إسرائيل، تتصاعد المخاوف من تداعيات هذه الخطوة.

دمشق – تحاول إسرائيل جاهدة استثمار الأزمة السورية الراهنة واتخاذها كأحد الأسلحة المهمّة لترسيخ مطالبها بالسيادة على مرتفعات الجولان والتي تتيح لها الوصول إلى حوض تصريف نهر الأردن وروافده المتعددة إلى الغرب.

ومع اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة في 6 أبريل القادم، صعّدت حكومة بنيامين نتنياهو من دعواتها للرئيس الأميركي دونالد ترامب للاعتراف رسميا بسيادة إسرائيل الكاملة على الأجزاء المحتلة من مرتفعات الجولان، تماشيا مع خطوة الإدارة الأميركية لاعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها في تحد للمجتمع الدولي.

وحتى الآن، لا تبدي الإدارة الأميركية موقفا واضحا من دعوات نتنياهو إليها في هذا الصدد، لكنها ترسل رسائل متباينة عبر مسؤوليها من حين لآخر.

ورغم صغر مساحتها نسبيا إلا أن مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967، تحمل أهمية استراتيجية بالنسبة لـ”أمن إسرائيل وحاجة سكانها من المياه”، وفق قادة الأخيرة.

وبالنسبة لموقعها، تطل الجولان على جنوب لبنان وشمال إسرائيل، ومعظم مناطق جنوب سوريا، كما أنها تقع على مسافة 50 كيلومترا فقط إلى الغرب من العاصمة دمشق.

وتتمسّك إسرائيل منذ احتلالها للجزء الأكبر من مرتفعات الجولان بعدم التنازل عنها في أي مفاوضات سلام، واعتبارها جزءا من الأراضي الخاضعة للسيادة “الأبدية” الإسرائيلية.

وتضم مرتفعات الجولان بحيرة “طبريا” ونهر “اليرموك” في الجنوب، وأكثر من 200 ينبوع والعشرات من الجداول المائية إلى جانب العشرات من الآبار لاستخراج المياه من الطبقات الجوفية.

وفي علاقة بالموقف الأميركي من هذه القضية فقد سبق لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن قال في أكتوبر من العام 2018، إن إدارة بلاده لم تناقش ما يتعلق بالاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.

لكنّ السفير الأميركي لدى تل أبيب ديفيد فريدمان، قال في سبتمبر من نفس العام، إنه شخصيا لا يمكن له أن يتخيّل ظرفا “لا تكون فيه مرتفعات الجولان جزءا من إسرائيل إلى الأبد”.

ديفيد فريدمان: لا يمكن تخيل ألا تكون الجولان جزءا من إسرائيل إلى الأبد
ديفيد فريدمان: لا يمكن تخيل ألا تكون الجولان جزءا من إسرائيل إلى الأبد

ولا تخلو الدعوات الإسرائيلية من دوافع الوصول إلى هدفها مع اقتراب الانتخابات في ظل وجود استطلاعات تفيد باحتمالات خسارة حزب “الليكود” بقيادة نتنياهو لأكثرية المقاعد في الكنيست (البرلمان) لصالح تحالف الوسط “أزرق – أبيض” بين حزبي “صمود إسرائيل” و”هناك مستقبل”.

ويتمسك “تحالف الوسط” بأن مرتفعات الجولان هي “جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل” على حد زعمه، معتبرا أنها “قضية غير قابلة للتفاوض”.

ورقة للتنافس الانتخابي

لحزب “الليكود” ومنافسه نفس الرؤية في ما يتعلق بـ”حثّ” واشنطن على الاعتراف بسيادة تل أبيب على الجولان، التي أزال تقرير الخارجية الأميركية حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم لعام 2018، صفة “الأراضي المحتلة” عنها لأول مرة في تاريخ الوزارة.

وفي تقريرها السنوي عن أوضاع حقوق الإنسان حول العالم، أزالت الخارجية الأميركية، لأول مرة، الإشارة إلى مرتفعات الجولان بوصفها مناطق محتلة، وخلا التقرير أيضا من توصيف “الاحتلال” في كل ما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي القسم المخصص لأوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل، ومنذ التقرير السابق حذفت الخارجية الأميركية مصطلح “الأراضي المحتلة” والتي كانت تشير إلى أراض فلسطينية احتلتها إسرائيل في يونيو 1967.

أما تقرير الوزارة للعام الحالي الصادر في 13 مارس، والذي يتحدث عن أوضاع حقوق الإنسان لعام 2018، فقد خلا من أي إشارة إلى “الاحتلال” أو “الأراضي المحتلة”.

واستبدل التقرير الأخير، وصفه للمرتفعات بأنها “مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل”، كما في جميع التقارير للأعوام السابقة إلى “مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل”، وكذلك في ما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة، وهما منطقتان محتلتان منذ حرب يونيو 1967، كما هو حال الجولان.

وتحدثت وسائل إعلام عن أن السفير ليبرمان، هو من أشار إلى خارجية بلاده بعدم استخدام وصف “الاحتلال”.

وبينما تحدثت تقارير أخرى عن وجود صلة مباشرة بين إزالة مصطلح “الاحتلال” وزيارة العضو البارز في مجلس الشيوخ الأميركي المعروف بتأييده المطلق لإسرائيل ليندسي غراهام، إلى مرتفعات الجولان في 11 مارس، برفقة سفير بلاده ورئيس وزراء إسرائيل.

وخلال الزيارة قال عضو مجلس الشيوخ “لا أستطيع أن أتصور أي فكرة الآن، أو في أي وقت في المستقبل بأن تتخلى دولة إسرائيل عن الجولان”. وتعهّد غراهام بالعمل من خلال مجلس الشيوخ مع زميله السيناتور تيد كروز، لبدء حراك يسعى لـ”الاعتراف بسيادة إسرائيل الأبدية على هذه المرتفعات”.

تداعيات الاعتراف الأميركي

الموافقة الأميركية تعني الدوس على الشرعية الدولية
الموافقة الأميركية تعني الدوس على الشرعية الدولية

ومن التداعيات المنتظرة في صورة اعتراف واشنطن بالجولان منطقة إسرائيلية تزامنا مع تواتر العديد من التقارير التي تؤكد أن الإدارة الأميركية بقيادة ترامب تفكر في ذلك فعليا، فإن الولايات المتحدة ستتورط في رفض آخر للمعايير الدولية لأول مرة منذ عام 1945 بالاعتراف بأحقية أرض أخذت بالقوة العسكرية.

وفي صورة تهوّر الإدارة الأميركية وتقويضها للمعيار المعمول به، فإنها ستبعد خطوة أخرى عن الأعراف الدبلوماسية، ويمكن أن تكون لهذا التحرك تبعات كبرى بالنسبة إلى كيفية التعامل مع الأراضي المتنازع عليها في مختلف أصقاع العالم.

وفي حال الاعتراف بمرتفعات الجولان إسرائيلية، فإن هذه الخطوة ستعيد أيضا العالم إلى فترة ما قبل معاهدة وستفاليا لسنة 1648 عندما كان الملوك والأباطرة يستولون على الأراضي التي يقدرون عليها بحد السيف. كما قد يؤدي قرار واشنطن إلى تعقيد النزاعات الحدودية القائمة الأخرى، إذ تأمل روسيا في أن تتمكن من إضفاء الشرعية على احتلالها القرم من خلال مساومة دبلوماسية كبرى مع الغرب، وسترى أن تلك المقاربة أقرب إلى النجاح إذا مضت الولايات المتحدة قدما في الاعتراف بمرتفعات الجولان.

واحتلت إسرائيل هضبة الجولان عام 1967، ولاحقا أعلنت قرار ضمّها إليها عام 1981، وأخضعت بموجبه المنطقة لقوانينها، إلا أن قرار الضم لم يحظ باعتراف دولي حتى الآن.

وقوبلت خطوة الخارجية الأميركية الأخيرة بترحيب الأوساط السياسية الإسرائيلية، إلا أن مسؤولين آخرين يرون أن واشنطن لا يمكنها أن تتجاوز الموقف الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة باحتلال إسرائيل للأراضي العربية.

وترفض منظمة التحرير الفلسطينية أي متغيرات في حقيقة أن الأرض الفلسطينية ومرتفعات الجولان، هي أراض تحت الاحتلال الإسرائيلي وفق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

وتعطي الولايات المتحدة الأولوية للأمن الإسرائيلي دون أي اعتبار لأكثر من 130 ألف سوري هُجّروا قسرا، في بداية احتلال الجولان عام 1967، وما يزيد عن 260 ألفا لا يزالون خارج مناطقهم الأصلية في الجولان، ومعظمهم من الطائفة الدرزية الذين هم بحاجة إلى جمع شملهم بعد أن اتبعت إسرائيل معهم سياسة “الفصل الأسري”.

وتجاهل تقرير الخارجية الأميركية حقائق الشرعية الدولية وإجماع المجتمع الدولي على قرارات الأمم المتحدة التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967، والتي تحظر أيضا احتلال الأراضي بالقوة.

لوبيات مؤيدة لإسرائيل تفاقم الضغوط على إدارة ترامب
لوبيات مؤيدة لإسرائيل تفاقم الضغوط على إدارة ترامب

وتتعرض إدارة ترامب لضغوط كبيرة من جماعات الضغط “القوية” المؤيدة لإسرائيل، مثل منظمة “أيباك”، ومشرعون مثل ليندسي غراهام وتيد كروز وغيرهما، للاعتراف بسيادة تل أبيب على الجولان بذريعتي “حاجة إسرائيل إلى الموارد المائية” و”أهمية المنطقة المحتلة للأمن القومي الإسرائيلي”، وهي أولوية بالنسبة لجميع الإدارات الأميركية.

وقبل أيام عرض السيناتوران الجمهوريان تيد كروز وتوم كوتون، مشروع قانون ينص “على إلزام الإدارة الأميركية بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان”.

إلا أن الإعلام الإسرائيلي أشار إلى أن جهات أمنية إسرائيلية عاملة في الولايات المتحدة، فضّلت عدم تمريره “على الأقل في المرحلة الراهنة” مع التشديد على أن هضبة الجولان “تقع بالفعل تحت سيطرة إسرائيل، وأن هذا الأمر ليس محل خلاف، لذا فإنه من غير المنطقي سنّ تشريع للاعتراف بهذه السيادة، ومن ثم إعطاء زخم لهذا الملف”.

وفي 14 مارس، قال داني دانون، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، إن الظروف أصبحت “مواتية لبقاء مرتفعات الجولان تحت السيادة الإسرائيلية والاعتراف الدولي بذلك”، وفي تصريحات منفصلة ذات صلة تحدث دانون عن أن هناك “توجها إيجابيا في موقف الإدارة الأميركية بشأن هذه المسألة”.

وتدرك الإدارة الأميركية، أن اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان لن تكون له شرعية دولية، وأنه سيهدد استقرار المنطقة، ويتسبب بتداعيات بعيدة المدى غير مأمونة العواقب.

وفي مقابل ذلك، تعي واشنطن أيضا أن أي تسوية سياسية تتضمن الانسحاب من مرتفعات الجولان يعني حرمان إسرائيل من الموارد المائية الوفيرة. ومع حاجتها لمثل هذه الموارد وعدم إمكانية توفير بدائل، فإن ذلك قد يدفع الإدارة الأميركية الحالية أو الإدارات القادمة إلى اتخاذ قرار الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: