نيوزيلندا: آثار خطاب الكراهية
حادث إطلاق النار في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في الجزيرة الجنوبية من نيوزيلندا، أثناء صلاة الجمعة، وما نتج عنه من قتلى وإصابات، كان عملا إرهابيا مرفوضا بكل المقاييس، ولكنه بالمقابل كان نتيجة طبيعية لخطاب الكراهية ضد المسلمين، الذي ساد الإعلام الغربي، وهو ما يجدر الانتباه إليه ووضع علاج له قبل أن يستفحل الأمر وينتشر الإرهاب في الغرب كله.
ارتكب الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت المذبحة ضد المصلين خلال صلاة الجمعة الماضية في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا متذرعا بالانتقام لضحايا هجمات ارتكبها مسلمون ومهاجرون في أوروبا، وقد بدأ تصوير جريمته بمنتهى الهدوء من داخل سيارته، مرتديا دروعا واقية وزيا عسكرياً وخوذة، وقال “دعونا نبدأ هذه الحفلة” ثم سحب واحدة من البنادق الآلية وعددا من خزائن الذخيرة، متوجها مباشرة صوب مسجد النور في المدينة، حيث كانت شعائر صلاة الجمعة قد بدأت للتو.
وقد شاهد الملايين من الناس إطلاق النار الذي لم يتوقف طوال الفيديو الذي امتد لنحو 15 دقيقة، والذي بثه القاتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أطلق النار على كل من قابله، وطارد الفارين من المسجد، ودخل مصلى السيدات، ليسقط ما لا يقل عن 40 قتيلا والعديد من الجرحى، حسب أحدث الإحصائيات.
يعترف القاتل، في بيان أصدره بعنوان “البديل العظيم” أنه استوحى هجومه من أندرس بيهرينغ بريفيك مرتكب هجمات النرويج عام 2011، كما زعم أن جريمته تأتي انتقاما لهجوم بالسويد في أبريل 2017 وأودى بحياة فتاة صغيرة من بين ضحاياه. وقال إنه تأثر بكانديس أوينز، وهي ناشطة مؤيدة بشدة لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب.
ويضيف البيان أن المدة بين أبريل 2017 ومايو من العام نفسه غيرت وجهة نظر القاتل بنحو كبير، وبعد هجوم ستوكهولم في 7 أبريل 2017 “لم يعد بإمكاني أن أدير ظهري للعنف. كان هناك شيء مختلف هذه المرة”، على حد قول القاتل نفسه، الذي زعم أن ارتكاب المذبحة جاء “للانتقام لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب الغزاة في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ وللانتقام لآلاف المستعبدين من الأوروبيين الذين أخذوا من أراضيهم ليستعبدهم المسلمون”.
هذا الزعم لا يختلف عن زعم الإرهابيين الشيعة المرتبطين بإيران عندما يقتلون السنة تحت شعار “يا لثارات الحسين” ووصفهم للسنة بالنواصب الذين يناصبون العداء لأهل البيت، وهم قد رحلوا عن دنيانا قبل 1400 سنة، أو كما وصفهم نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق بجيش الحسين وجيش يزيد، ووصف الإرهابيين من السنة للشيعة بالروافض لأنهم رفضوا بيعة أبي بكر الصديق قبل أكثر 1400 سنة أيضا، مما يشي بأن عقلية الإرهاب واحدة في كل زمان ومكان.
إن المطلوب من المسلمين في العالم كله ضبط النفس حيال هذه المجزرة الإرهابية وتذكر قول الله سبحانه وتعالى “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، فمرتكب المجزرة برينتون تارانت لا يمكن أن يكون مسيحيا ليتحمل المسيحيون وزر ما اقترف، كما أن الإرهابيين الذين يرتكبون جرائمهم باسم الإسلام ليسوا مسلمين، والأوْلى أن يجتمع عقلاء المسلمين والمسيحيين لمقاومة مثل هذه الأعمال التي لا تمت لدينهما ولا للإنسانية بأدنى صلة وتحريمها وتجريمها وفضحها.
ذكر رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون أن هيئات الحكومة الأسترالية تعمل عن كثب مع السلطات النيوزيلندية وهي بصدد اتخاذ إجراءات أخرى لدعم نيوزيلندا إذا طلبت ذلك، كما أصدر مسؤولون بريطانيون وفرنسيون، نهاية الأسبوع الماضي، أوامر بتعزيز التواجد الأمني حول المساجد على خلفية الجريمة، وقال عمدة العاصمة البريطانية لندن، صادق خان، إن “الشرطة ستزيد حضورها الأمني حول المساجد اليوم في العاصمة وستنشر قوات من الرد المسلح”.
لكن ذلك ليس كافيا وسيكون مفعوله مثل مفعول الدواء المسكن، وإنما يتعين على حكومات الغرب وأوروبا أن تجرم قانونيا خطاب الكراهية في وسائل إعلامها ضد المسلمين، وألّا تكتفي بإدانة مثل هذه الجرائم وشجبها واستنكارها، فالدين المسيحي، كما الإسلام، يدعو إلى التسامح والمودة والتعايش، مثلما ينبذ الكراهية والإرهاب.