الأساتذة المغاربة المتعاقدون يمددون الإضراب ووزارة التعليم تلوح بالتوقيف وتتهم «جهات» بالوقوف خلف احتجاجاتهم
دخلت قضية الأساتذة «المتعاقدين» في المغرب مرحلة معقدة بعد فشل الحكومة في إقناعهم بمقترحاتها الأخيرة التي ردوا عليها بتمديد إضراباتهم أسبوعاً ثالثاً تشبثاً بمطلب إدماجهم في النظام الأساسي للوظيفة العمومية في حين اقترحت وزارة التعليم أن يصيروا موظفين تابعين للأكاديميات. وأعلنت وزارة التربية الوطنية ليلة الأحد، أنها «لن تتوانى في اتخاذ جميع الإجراءات الإدراية والقانونية إزاء أي شخص سيقوم بعرقلة السير العادي للدراسة، وكذا تطبيق الإجراءات الجاري بها العمل تجاه المتغيبين عن العمل بدون مبرر»، متهمة جهات لم تفصح عنها بالوقوف خلف الاحتجاجات .
وقالت الوزارة: «ما زالت بعض الجهات تحاول الضغط على هؤلاء الأساتذة من أجل ثنيهم عن الالتحاق بأقسامهم وتأدية واجبهم»، مضيفة في بلاغها الصحفي: «لذا، فالوزارة انطلاقاً من المسؤولية المنوطة بها، ستعمل على توفير الحماية لجميع الأساتذة داخل المؤسسات التعليمية وفي محيطها من أجل السماح لهم بتأدية واجبهم المهني في أحسن الظروف»، داعية إلى تغليب المصلحة الفضلى للتلاميذ والتلميذات. وأعلنت «التنسيقية الوطينة للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد» عن تمديد الإضرابات أسبوعاً آخر، وإضراب وطني آخر ابتداء من أمس الإثنين 18 مارس الجاري إلى غاية 24 منه، مصحوباً بأشكال احتجاجية موازية، وفقاً لما جاء في بلاغ للتنسيقية، حيث أعلنت عن اعتصام يوم السبت المقبل، ومسيرة ليلية بالشموع في اتجاه البرلمان، وهو الاعتصام الذي قالت إنه سيعرف مبيتاً وأنه قابل للتمديد، و23 مارس هي محطة يقوم بتخليدها العديد من الفاعلين الحقوقيين والنشطاء النقابيين والسياسيين سنوياً لارتباطها بذكرى ما يعرف بانتفاضة الدار البيضاء في 23 مارس 1965 والتي كانت شرارتها قراراً حكومياً مرتبطاً بالمدرسة العمومية، وقرر الأساتذة المتعاقدون تخليدها ضمن برنامجهم الاحتجاجي، معلنين في ختام برنامجهم عن تنظيم مسيرة وطنية الأحد المقبل بالرباط، بعدما نظموا مسيرة سابقة في العشرين من فبراير الماضي تزامناً مع الذكرى الثامنة لانطلاق حركة عشرين فبراير، النسخة المغربية للربيع العربي، والتي عرفت مشاركة حاشدة وانتهت بتدخل للسلطات .
ويرقب العديد من الفاعلين الأزمة المتصاعدة بين الحكومة والأساتذة المتعاقدين، وقال أستاذ العلوم السياسية عبد الرحيم العلام، إن «ما يحدث هذه الأيام في قطاع التعليم من احتجاجات لن يُسهِم إلا في هجرة التلاميذ من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وإلا كيف ستواصل الأسر مراقبة أبنائها وهم يعودون كل يوم من مؤسساتهم من دون دراسة، بسبب أن الأساتذة في إضراب متواصل؟ الراجح أن العديد من الأسر ستلجأ إلى الحل الذي يُنهك جيوبها ولا تشتهيه، وستنقل أبناءها إلى المدارس الخصوصية كما تفعل آلاف الأسر التي رغم أن قدرتها الشرائية لا تسمح بتدريس أبنائها في التعلم الخاص، إلا أنها تثقل كاهلها بالديون، وتخفّض من مصاريف أخرى مقابل تسديد فواتير المدارس الخاصة»، محملاً المسؤولية للدولة بالقول في تدوينة نشرها على حائطه في «فايسبوك»: «بطبيعة الحال، الوزارة هي المسؤولة أو بالأحرى «الدولة»، لأنها شرعت في التنزيل العشوائي للتوظيف بالتعاقد دون دراسات مستفيضة للذهنيات المجتمعية ودون تهييء الشروط اللازمة للتعاقدية الوظيفية. وإنما كل ما فعلته هو وضع العربة أمام الحصان، وفرض الأمر الواقع على الشباب الراغبين في التوظيف بأن أغلقت أمامهم إمكانية التوظيف العمومي وفتحت في وجههم العمل بالتعاقد. الأمر الذي قبلوا به بداية ثم ما لبثوا أن رفضوه بعد أن استأنسوا في أنفسهم القدرة على المجابهة، وبعد أن اصطدموا بمشكلات التعاقد، وها هم اليوم بأعدادهم الضخمة يكادون يشلون المؤسسات التعلمية».وأضاف أن «من يعرف عقليات الحركات الاحتجاجية الفئوية، سيعلم أنه من الصعب على المتعاقدين العودة عن الاحتجاجات والإضرابات، وأنهم حتى إذا عادوا اليوم، فإنهم سيخرجون فيما بعد، لأنه كلما كثر عددهم في التعليم وتقلص عدد الموظفين الرسميين، إلا وتشجعوا على الإضراب والاحتجاج، لا سيما وأن جلهم شباب ومسارهم المهني أمامهم وليس خلفهم.
لذلك، يستحسن على الوزارة أن تستجيب لمطالبهم وتتوقف عن التوظيف في التعليم بالتعاقد، فهي لا تستطيع إجبار المتعاقدين على العودة إلى العمل، وليس في مقدورها تعويضهم بآخرين، لأنها إن فعلت ستجد نفسها مرة أخرى أمام احتجاجات هؤلاء، كما أنها إذا فصلت المضربين اليوم وفكرت في توظيف غيرهم توظيفاً رسمياً، فإنها لن تجد أفضل منهم ما داموا قد راكموا تجربة وتلقوا تكوينات صُرفت عليها الكثير من الأموال، إضافة إلى أن طرد أكثر من 50 ألفاً إلى الشارع لن يسفر إلا على مزيد من التأزيم».