إعلاميو الجيل الخامس
ترى هل يمكن أن تنخرط الصحافة وعموم وسائل الإعلام في تحول جذري لأدواتها وبرامجها وشكلها ومضمونها في كل عقد من السنين؟
وبمعنى آخر، هل سوف تستجد وقائع تستوجب مثل هذا التحول حتى يصبح تقليدا عالميا دائما، ومن لا يتجدد فلسوف يشيخ وينتهي.
ربما تبدو هذه فرضية لا علاقة لها بديمومة الصحافة ووسائل الإعلام فكل ضامن مواقعه ولا تعنيه العواصف من حوله ولا المتغيرات.
في الجهة الأخرى هنالك واقع جديد سوف يخرج الصحافة ووسائل الإعلام من تلك الجزيرة المعزولة – إن وجدت – ليزجها في العاصفة.
واقعيا نحن أمام ضجيج هائل يتعلق بموجة الجيل الخامس انطلاقا من شبكات الهاتف المحمول وأجهزة الكومبيوتر والأجهزة اللوحية وصولا إلى ما يعرف بتقنية كل شيء.
تلك الأجهزة المتداولة هي أداة التحكم في كل شيء، يرافق ذلك مثلا تطور لا أظن الصحافة والإعلام سوف يمران عليه مرور الكرام وخلاصته مثلا أن يستخدم ألف جهاز إلكتروني في المتر المربع الواحد وبنفس الكفاءة وفي وقت واحد وتتلقى خدمة إنترنت فائقة السرعة قد تصل إلى سرعة صاروخية مقدارها حوالي 20 جيكا بايت في الثانية.
ذلك يعني باختصار الآنية واللحظية في العمل الصحافي والإعلامي، وذلك يعني تدفقا هائلا للمعلومات والصور، ويعني أيضا حاجة ملحة إلى الذكاء الاصطناعي والخوارزميات لتتدخل مع الصحافي لتدارك ذلك الكم الهائل من البيانات والمعلومات والصور وفرزها وتبويبها. إنهم إعلاميو الجيل الخامس وصحافيوه أيضا، ويصدق عليهم أنهم إعلاميو كل شيء كمثل كومبيوتر الأشياء، فهم قد اتسعت حدقات عيونهم وتفتحت أذهانهم على طوفان غير مسبوق للبيانات والمعلومات.
وكما أشرنا في البداية في ما يتعلق بالتعاقب التكنولوجي الذي انطلق مع الجيل الأول في العام 1981 وصولا إلى الجيل الخامس الذي سيصبح حضوره وثماره ومضاعفاته أمرا واقعا عمليا في خلال العام المقبل، أي أن كل عشرة أعوام كافية لتغيير الكثير من الاعتبارات.
لكن الأجيال الأربعة السابقة من هذه التحولات الرقمية التكنولوجية إن كانت قد مرت بانسيابية وهدوء من دون أن تفرض على الصحافة ووسائل الإعلام أن تغيّر وتتغيّر فإن الجيل الخامس لا شك أنه يزلزل تلك البديهيات ودخول المستجدات الرقمية بالتدريج في صحافة وإعلام السنوات الثلاثين الماضية.
الجمهور الغارق في الحدث بكل أركانه وتشعباته لن ينتظر أن تفتح غرفة الأخبار أبوابها فتجود عليه بما جمعته من أخبار، ولهذا سينطبق على غرفة أخبار الجيل الخامس أنها مع الحدث وقبل الحدث وبعده، أي أنها من الديناميكية وانسيابية الأدوات ما يجعلها وسيطا تداوليا رقميا نشيطا كما تقول الباحثة أليسا فليك في مقاربتها المستقبلية للجيل الخامس.
على صعيد نطاق الطيف الترددي يذكر العلماء المتخصصون على سبيل المقارنة مثلا أن هذا الطيف كان أقل من 6 جيكا هيرتز في مرحلة الجيل الرابع ولكنه سوف يتحول إلى مدى يتراوح ما بين 30 و300 جيكا هيرتز.
من جهة أخرى فإن شبكات الجيل الخامس سوف تكون أسرع استجابة للمتطلبات الصورية والصوتية والمكتوبة بمئات المرات مما كانت عليه إبان حقبة الجيل الرابع.
وعلى وفق هذا التدفق فإن الذكاء الاصطناعي سوف يجتاح مفاصل الإعلام والصحافة بشكل عملي ومنسق ومنتظم وسوف يوظف خوارزميات سوف تكون برسم الصحافي والإعلامي، الخوارزميات الضرورية جدا تلك التي توجد حلولا على كافة أصعدة البحث وتقصي المعلومات والبيانات وهو ما تؤكده الباحثة جاسمين جارنيكان في تتبعها للظاهرة.
الذكاء الاصطناعي سوف يفرض أجندته بقوة على عموم الوسط الإعلامي والصحافي وسوف يستوعب تلك الهزات غير المتوقعة التي سوف تضرب الصحافة والإعلام مع دخول الجيل الخامس بوسائطه وأدواته وضجيجه وقواعد بياناته الضخمة التي عليك تصنيفها وتنقيتها وتقييمها وفهرستها فكيف وهي متشعبة وتعطيك الآلاف من الاختيارات؟