معضلات الإرهاب.. التبرير وازدواجية المعايير
تجنّب وسائل إعلام غربية وصف سفاح نيوزيلندا بالإرهابي ليس بجديد، ولو ضمنت هذه الوسائل عدم المساءلة القانونية لها لكانت شكرت الأسترالي برينتون تارانت على قتل خمسين مسلما في مسجدين بمدينة كرايستشيرش النيوزيلندية.
ما يسمح لوسائل إعلام غربية وحتى عربية، بإسقاط صفة الإرهابي عن سفاح نيوزيلندا هو غياب التعريف الدولي الواضح للإرهاب، تعريف يفك متلازمة الإرهاب والإسلام ويصنف الجرم والمجرم بمحددات لا تقبل التبرير أو التأويل.
تبرير إرهاب المتطرفين غير المسلمين في الغرب بدافع الجنون أو المرض هو ما اعتدنا عليه من قبل وسائل الإعلام الناطقة باسم اليمين المتطرف، وهي في هذا تحاول تصوير الجرم كفعل فردي لا توجد له بيئة حاضنة في المجتمع.
جرم السفاح الأسترالي قد صنف عملا إرهابيا من قبل حكومة نيوزيلندا نفسها، فلماذا التفريق بين المسلمين وغير المسلمين في جرائم الإرهاب؟ ما حجة مسؤول أوروبي مثل وزير الداخلية الإيطالي عندما يعقّب على مجزرة مسجدي نيوزيلندا بالقول إن التطرف الإسلامي لا يزال هو الخطر الأكبر على القارة العجوز، ولماذا يلقي نائب أسترالي باللوم على المسلمين في ما حدث في نيوزيلندا؟
الإرهاب ليس “حرفا قرمزيا” يولد به المسلمون، وإنما هو عار يوصم به كل من يمارس الإرهاب قولا أو فعلا، وكل من يدعم الإرهاب بالمال أو بالكلمة، ولا تختلف أبدا المنصات الإعلامية التي تروّج لأفكار الإرهاب عن تلك التي تنزع صفة الإرهابي عن المجرم الذي يرتكب فعل الإرهاب فقط لأنه غير مسلم.
للتطرف اليميني كما للتطرف الإسلامي جماعات منظمة وذئاب منفردة، حتى أن للتطرف اليميني أحزابا سياسية باتت ممثلة في برلمانات وحكومات دول أوروبية، وما الصعود الملحوظ لهذه الأحزاب خلال السنوات الأخيرة سوى دليل على اتساع شعبيتها وتزايد عدد المؤيدين لأفكارها ونظرياتها المتطرفة.
الأمثلة كثيرة والأرقام تعبّر بوضوح عن اتساع رقعة اليمين المتطرف في الغرب، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر، أكثر من نصف ضحايا جرائم الكراهية في بريطانيا من المسلمين وأكثر من مئة جماعة معادية للمسلمين في الولايات المتحدة، وساسة يرفضون بناء مساجد في فرنسا كادوا أن يتربعوا على رأس السلطة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
صحيح أن التطرف الإسلامي لا يزال أوسع انتشارا من التطرف اليميني في الغرب والعالم ككل، ولكن الأخطاء التي ارتكبت وسمحت للمتشددين الإسلاميين بالتزايد يجب أن تتجنّبها الحكومات الغربية عند التعامل مع التشدد اليميني، وما إسقاط صفة الإرهابي عن اليمينيين المتطرفين إلا هروب من المشكلة وليس احتواء لها كما يظن البعض.
هناك من يقرأ الإرهاب اليميني في سياق رد فعل مشروع لأبناء دول تعرضت لإرهاب مهاجرين مسلمين أفسدوا صفاء الحياة فيها، ولكن إذا تبنى الغرب مبدأ القصاص من جنس العمل فإنه سيعود إلى مرحلة ما قبل دولة القانون وثقافة التسامح ومواطن الحريات والتعددية الفكرية والدينية والسياسية والثقافية.
إن تبرير جرائم اليمين المتطرف بحق المسلمين في الغرب بدافع ردة الفعل على “تخريب إسلامي” للمجتمعات الديمقراطية الحضارية، يقتضي قبول التطرف الإسلامي بوصفه رد فعل على احتلال دول الغرب للعالم العربي لعقود من الزمن، والمحصلة دوامة لا تنتهي من الانتقام ستلفّ حياتنا إلى الأبد.
ثمة نقطة ضعف أخرى في نظرية الفعل ورد الفعل لتبرير الإرهاب اليميني، وهي لا واقعية التعامل مع المسلمين في الغرب كحفنة لاجئين ومهاجرين يجب إعادتهم إلى بلدانهم، فأبناء الجيل الثالث والرابع والخامس من المسلمين في هذه الدول باتوا مواطنين ومن بينهم ساسة ومسؤولون وقادة فكر ورأي واقتصاد.
تهديد المسلمين في الغرب بإعادتهم إلى بلدانهم أو سحب جنسياتهم يخالف مبادئ حقوق الإنسان، ومن يطالب بتجريم دعاة ودعوات “الحرب على الكفار” يجب عليه أن يتوقف عن نكران حقيقة أن المسلمين باتوا مكونا من مكونات المجتمعات الغربية، لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما يحدده القانون فقط.
صحيح أن المسلمين في الغرب كثيرا ما يعيشون في غيتوهات مغلقة تشكل بيئة حاضنة لأفكار التطرف، ولكن أنصار اليمين المتطرف يعيشون داخل أفكار مغلقة تؤدي إلى ذات الإرهاب، وكل من الظاهرتين يحتاج إلى حراك حكومي من جهة، ويقظة من وسائل الإعلام الدولية والعالمية من جهة أخرى.
وبغض النظر عن مصدر الأفكار المتطرفة لدى الفريقين، فإن حالة الخوف من الآخر ورفضه هي القاسم المشترك بينهما.
وبتعبير آخر نقول إن قتل المسيحيين أينما كانوا بحجة الجهاد أو قتل المسلمين في الغرب سعيا وراء نقاء المجتمع المسيحي، كلاهما إرهاب لا يجب أن يبرّر ولا يحتمل ازدواجية في المعايير.