لقاء فكري مغربي بدوسلدورف يبحث دور المساجد في نشر قيم التسامح

شكّل دور المساجد والأئمة في نشر قيم التسامح والانسجام الاجتماعي، محور ندوة نظمتها الأحد الماضي، قنصلية المملكة المغربية بمدينة دوسلدورف الألمانية، بتنسيق ودعم من الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة.

واجتمع عدد من الأئمة والقيمين الدينيين لمناقشة دور المساجد والأئمة في ترسيخ قيم التسامح والانسجام الاجتماعي، حيث أكدوا على ضرورة الاهتمام بالمشتغلين في الحقل الديني والاستثمار فيهم لما لهم من دور كبير في تأطير الجالية المغربية والمسلمين عموما.

وأكد المتدخلون في هذا اللقاء على أهمية دور القيّمين الدينيين في تأطير وتحصين أبناء الجالية المقيمة في ألمانيا من التعصب وترسیخ قیم التسامح والانفتاح على الآخر ومحاربة التطرف، في ظرفية عالمية تتسم بتصاعد اليمين المتطرف وانتشار مشاعر كراهية المسلمين.

وألقى جمال شعيبي القنصل العام للمملكة المغربية بدوسلدورف، كلمة شدد خلالها على أن قضية “دور المساجد والأئمة في ترسيخ قيم التسامح والانسجام الاجتماعي” أصبحت قضية ملحة في سياق التحولات التي تعرفها ألمانيا، سواء من حيث البعد الديموغرافي بعد حملات الهجرة التي عرفتها في السنوات الأخيرة، أو من حيث تداعيات هذه الموجة على الحقل الديني بالنظر إلى الانتماءات والتيارات المختلفة عقائديا للوافدين الجدد، والتي أصبحت تشكل خطرا وتحديا على الأمن الداخلي والانسجام الاجتماعي.

وأكد القنصل المغربي على أن هذه المستجدات أصبحت تشكل تحديا كبيرا تستلزم مواجهته تكثيف الجهود لقطع الطريق على كل محاولات الاختراق والهيمنة، “الشيء الذي لا يتأتى إلا بتوحيد المساجد والمراكز الدينية المغربية وتحصينها من كل التيارات الدخيلة التي تروج لأفكار عدمية ظلامية متشددة وتكفيرية، والعمل بالمقابل على تسويق أمثل للنموذج المغربي الذي أصبحت نجاعته ووسطيته واعتداله تحظى بجاذبية كبيرة دوليا”.

ودعا جمال شعيبي مساجد الجالية والقيمين على شؤونها والأئمة إلى بذل قصارى الجهود من أجل تحصين الجالية المغربية وحمايتها من جميع أنواع الانحراف والأفكار العدمية والظلامية، والعمل على غرس قيم الوطنية والانتماء وشحذ الهمم للدفاع عن المقدسات والثوابت الوطنية.

المملكة المغربية أصبحت واحة تسامح تستوعب الإنسان، أيا كانت ملته أو عقيدته، “يجد فيها الطمأنينة والأمان والمساحة الكافية لممارسة شعائره

وفي مداخلة حملت عنوان “دور الإمام في نشر ثقافة القيم المشتركة بين الناس”، شدد ميلود الحسيني، عضو المجلس العلمي المغربي بأوروبا ورئيس اتحاد الأئمة المغاربة بولاية هيسن على أن البعض يريد الإمام داخل المسجد فقط وليس خارجه، وتساءل “كيف يمكن للإمام أن يلعب الأدوار المستقبلية في ترسيخ قيم التسامح والسلم بين أبنائنا؟”، مؤكدا على ضرورة تعليمهم لغة بلد الاستقرار ليتمكنوا من فهم ما يدور حولهم وهو ما ييسر تفاعلهم مع الأوضاع في بلد الإقامة، ومن ثمة يسهل اندماجهم. ودعا الحسيني إلى ضرورة الاستثمار في الإمام والنظر إليه كمشروع لابد من دفعه إلى الأمام.

ودعا رئيس اتحاد الأئمة المغاربة بولاية هيسن أبناء المغاربة بألمانيا وأولياء الأمور إلى زرع حب المغرب في نفوس الأبناء والاعتزاز به والارتباط به، “لأن من لا وطن له ولا تاريخ له يسهل اقتناصه”، محذرا من بناء جسور وهمية بين الأبناء والمجتمع الذي يعيشون فيه، وداعيا إلى “الانفتاح على الغير ومد جسور التواصل حتى مع من يخالفوننا في الدين لأن هناك قيما كونية تجمعنا بهم”.

واعتبر علال أوديع، الباحث في العلوم الإسلامية، في مداخلته التي خصصها لقضية “الأبعاد الحضارية لقيم التسامح والانسجام الاجتماعي”، أن الإمام لابد أن تتوفر لديه قناعات ينطلق منها لينجح في عمله، وأن يتوفر على أساليب حكيمة حتى يتمكن من تقديم مشروعه الإنساني الحضاري، مؤكدا على صعوبة مهمته لأنها تتعلق ببناء الإنسان.

وأوضح أن النهوض الحضاري في المجتمعات الأوروبية ركّز على الحرية والمساواة والإخاء والعدل وغيرها من القيم. مشددا على أن أي نهوض حضاري يحاول أن يبعد هذه القيم لن ينجح. وأضاف أن “الشريعة الإسلامية كانت سباقة لترسيخ هذه القيم التي يتجلى من خلالها بعد حضاري هام هو حرية الاعتقاد وحرية التفكير”، مؤكدا أنها من صميم الدين الإسلامي والشريعة، فلا إكراه في الدين.

ودعا إلى فتح جسور التواصل وإلغاء التمييز العنصري، مؤكدا على أن المجتمع يجب أن يكون متعاونا ومتكافلا. وأضاف “لابد أيضا من التعايش السلمي المشترك، يجب أن نعيش مع غير المسلمين في جو من الأمن والسلم والاحترام، وأن لا يحتكر أحد الحق”. وختم علال أوديع كلمته بالدعوة إلى العمل على تصحيح صورة الإسلام ومحاربة كل مظاهر الإسلاموفوبيا عبر التشبث بالقيم الحضارية التي يحملها الإسلام.

ومن جهته أكدّ مسير الندوة محمد عسيلة، المستشار في شؤون الاندماج وأستاذ اللغة العربية والحضارة المغربية بألمانيا، أن موضوع اللقاء يأتي في وقت يتم فيه التأكيد على خلق أحلاف للسلم والسلام، وتتنامى فيه موجات العداء تجاه المسلمين، وفي وقت تتم فيه معالجة العلاقات بين الشرق والغرب وأسباب نزوج اللاجئين، ويتم التأكيد فيه على ضرورة إعادة تأهيل الأئمة وبناء الخطاب المسجدي ليكون دعامة قوية في ترسيخ قيم التعايش.

وأبرز الأكاديمي المغربي أن إمارة المؤمنين بالمغرب ليست مقتصرة على المسلمين فقط، بل هي نظام يحفظ حرية أداء الشعائر الدينية لمختلف المؤمنين من يهود ونصارى، مؤكدا أن المملكة المغربية أصبحت واحة تسامح تستوعب الإنسان، أيا كانت ملته أو عقيدته، “يجد فيها الطمأنينة والأمان والمساحة الكافية لممارسة شعائره”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: