أكبر احتجاجات في تاريخ الجزائر رفضا لتمديد الولاية الرابعة
أغلق الجزائريون جميع أبواب البقاء أمام السلطة، ولم تُبق المسيرة المليونية الضخمة التي انتظمت أمس الجمعة، في العاصمة وفي مختلف مدن ومحافظات البلاد، إلا باب الرحيل، بعد تجديد رفضهم للخارطة السياسية التي قدمها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، رغم التدابير التي اتخذتها الحكومة، من أجل التخفيف من الزخم الشعبي.
اجتاحت سيول بشرية ساحات العاصمة وشوارعها الكبرى، للانضمام إلى أضخم مسيرة شعبية تعرفها البلاد في تاريخها، حسب تقديرات مخضرمين عايشوا مختلف المراحل السياسية التي عرفتها البلاد منذ الحصول على الاستقلال الوطني في الخامس من يوليو 1962.
ولم تمنع الحواجز التي أقامتها وحدات الدرك الوطني (جهاز عسكري)، على تخوم العاصمة من أجل منع مركبات النقل الجماعي من الدخول، ولا قرارات وقف نشاط الميترو والقطارات، من تدفق حشود بشرية من مختلف ضواحي العاصمة والمدن المجاورة لها كالبليدة وبومرداس وتيبازة.
وذكر صالح رجدال (78 عاما) ردا على سؤال حول المسيرة الحاشدة “لم أر في حياتي جحافل بشرية تغزو العاصمة، كما أراها الآن، لقد عشت مختلف المراحل والمحطات السياسية للبلاد منذ 1962، ولم أحضر للذي أعشيه الآن”.
وأفادت تسجيلات صوتية من مدينتي بجاية، وتلمسان في أقصى الحدود الغربية، بأن “عناصر من الشرطة انضمت بزيها الرسمي إلى جموع المتظاهرين في المدينة “، ليكون بذلك أول انحياز علني لقوات الأمن إلى جانب الحراك الشعبي.
وسبق لناشطين ومعارضين سياسيين مستقلين، أن أعلنوا عشية المسيرة المليونية، على شبكات التواصل الاجتماعي، أن “المظاهرات الشعبية ستتعزز يوم الجمعة، بعناصر من الأمن وحتى من الجيش بزي مدني وحتى بزي رسمي مهني”.
وكان ضابط سام في جهاز الجمارك (الديوانة)، قد أعلن في تسجيل صوتي عن “انضمامه إلى الحراك الشعبي، والانخراط في المحتوى السياسي المعبر عنه من طرف الشارع منذ الـ22 من فبراير الماضي، الداعي إلى إجهاض أجندة التمديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ووجه انتقادات لاذعة للحكومة، وعلى رأسها رئيس الوزراء الحالي نورالدين بدوي”.
وتعالت دعوات رحيل حزب جبهة التحرير الوطني، والسلطة، والرموز الحاكمة وحتى تلك التي استقدمت لتلميع صورة النظام الحاكم، في الساحات العمومية والشوارع الكبرى في العاصمة، كالبريد المركزي وأول مايو وحسيبة بن بوعلي وعميروش، وغيرها.
وصمم المتظاهرون الذين خرجوا من مختلف الفئات الاجتماعية والأعمار والنساء -ولوحظت عائلات بأطفالها الرضع- على الطابع السلمي للحراك الشعبي، وعلى تلاحم الشعب وأجهزة الأمن والجيش، وطغت صيحات “جيش، شعب خاوة خاوة (إخوة، إخوة)”، على رأس الشعارات، إلى جانب “الشعب يريد رحيل النظام”.
وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي، عشية المسيرة المليونية، إلى ساحة معركة حقيقية بين نشطاء الحراك الشعبي، وبين ما وصف بـ”الجيش الإلكتروني للسلطة”، بعد إطلاق العديد من الشائعات والأخبار المغلوطة من أجل الحيلولة دون خروج المتظاهرين إلى الشوارع.
الجيش الإلكتروني للسلطة يطلق العديد من الشائعات والأخبار المغلوطة للحيلولة دون خروج المتظاهرين إلى الشارع
وتحدثت العديد من الرسائل النصية والصوتية عن مخطط لزرع قوات الجيش لعناصر مدنية من منتسبيها في صفوف المتظاهرين وإطلاق النار على الشرطة، لإشعال فتنة بين المحتجين وقوات الأمن، والدفع بالوضع إلى الفوضى والعنف.
وانضمت العديد من الشخصيات السياسية والتاريخية إلى مسيرات أمس، في العاصمة، على غرار شقيقة المناضلين التاريخيين والمنظرين لثورة التحرير الجزائرية العربي بن مهيدي، وجميلة بوحيرد، وزوجة المناضل التاريخي الراحل حسين آيت أحمد، فضلا عن رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، ونشطاء وأكاديميين بارزين.
وتصدرت الزلة التي ارتكبها الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق الأخضر الإبراهيمي، في التصريحات الصحافية التي أدلى بها مساء الخميس، حول “عدم التقائه بالرئيس بوتفليقة منذ عامين أو عام ونصف العام”، تعاليق إعلاميين وسياسيين وناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، حول سيناريو فبركة الصور التي سربتها السلطة، عن لقاءات جمعت بوتفليقة بمسؤولين كبار في الدولة.
ورغم تشديد وزارة الطاقة وإدارة شركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام، على ضرورة الحفاظ على الاستقرار داخل الشركة لضمان نشاط الإنتاج والتصدير النفطي، فقد أفادت مصادر من حقلي حاسي مسعود وحاسي الرمل بجنوب البلاد، بخروج عمال وكوادر الشركة في مظاهرات واحتجاجات للتنديد بالسلطة، ورفعوا شعار “ترحلوا يعني ترحلوا”.
وكان قيادي في نقابة الشركة قد قال لـعمال وفنيو شركة سوناطراك هم جزء من الشعب الجزائري، وهم جزء من الحراك الشعبي، ومطلبهم هو مطلب الشعب، وسيعبرون عن ذلك في وقفاتهم واحتجاجاتهم، مع عدم المساس بعملية الإنتاج أو التصدير، لأن ذلك يضر بالاقتصاد الوطني ومداخيل الخزينة العمومية”.
وشن عمال ميناء بجاية بشرق العاصمة، والذي يعد من أكبر موانئ البلاد، إضرابا عن العمل، شل مختلف خطوط العمل في الشحن والتفريغ، كتضامن منهم مع فعاليات الحراك الشعبي.
وحظيت مقار المؤسسات السيادية، كقصر الرئاسة (المرادية)، والحكومة، بتعزيزات أمنية مشددة، حيث أحيطت بعوازل من أفراد الأمن والآليات، تفاديا لأي زحف شعبي نحوها، كما أغلقت الشوارع والمقاطع المؤدية إليها، تلافيا للاحتكاكات التي وقعت خلال مسيرات الثامن والفاتح من شهر مارس الجاري.