الأطفال يحرجون قادة العالم: لا تلوثوا مستقبلنا
تتصاعد المخاوف والاحتجاجات بشأن التغيّرات المناخية مع تزايد تحذيرات الباحثين من ارتفاع درجة الحرارة التي أصبحت تهدد كل الكائنات الحية على الأرض وفي قلب المحيطات، ووصل الوعي لدى أطفال المدارس بهذا الخطر إلى تنظيم احتجاجات للضغط على قادة العالم الذين لا يأبهون بقضية المناخ.
أعلن منظمون أنه من المقرر أن تكون هناك احتجاجات مدرسية، للمطالبة باتخاذ إجراء لمكافحة تغير المناخ في أكثر من ألف مدينة وبلدة في 89 دولة الجمعة المقبل.
ويحذّر الباحثون من خطر موجة الحرارة التي ارتفعت بأكثر من 50 بالمئة خلال العقود الثلاثة الماضية، مقارنة بمنتصف القرن العشرين.
وتعتبر الفتاة السويدية المدافعة عن البيئة غريتا ثونبرغ دافعا وراء الاحتجاجات العالمية التي سوف تتم في 15 مارس، حيث اكتسبت الحركة الدولية بالفعل زخما في بلدان مثل ألمانيا وكندا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا.
وكتبت ثورنبرغ الاثنين على تويتر “هذا الصباح، 89 دولة و1057 مكانا! هل يمكننا أن نصل إلى مئة دولة بحلول الجمعة؟”.
وألهمت الفتاة لتي تغيب عن المدرسة كل يوم جمعة للتظاهر أمام البرلمان السويدي، الأطفال فكرة التغيب أياما بعينها عن المدارس للدعوة إلى اتخاذ إجراءات بشأن التغيّر المناخي. وتجري الاحتجاجات أمام المجالس البلدية والبرلمانات في دول تمتد من أستراليا إلى أوروغواي.
وحتى الاثنين، هناك خطط لتنظيم 141 احتجاجا في ألمانيا و117 في الولايات المتحدة و109 في إيطاليا و95 في السويد و81 في بريطانيا.
وتنظم ثونبرغ احتجاجات أسبوعية منذ أغسطس 2018، والتي اتسع نطاقها وأصبحت مصدر إلهام لاحتجاجات طلابية تدعو إلى اتخاذ إجراء من أجل المناخ على مستوى العالم تحت هاشتاغ “أيام الجمعة للمستقبل”.
وجاء في تعليق نشر على فيسبوك “لماذا ندرس من أجل مستقبل يحتمل ألاّ يكون موجودا قريبا، بينما ليس هناك من يفعل أي شيء لإنقاذ هذا المستقبل؟ وما هو المغزى من تعلّم الحقائق إذا كانت الحقائق الأكثر أهمية لا تعني أي شيء لمجتمعنا بوضوح؟”. وأضاف التعليق “نحن نحتجّ لحث حكوماتنا على أداء واجبها”.
وقالت ثونبرغ التي فازت بلقب “امرأة العام في السويد”، وفقا لاستطلاع أُجري بمناسبة اليوم العالمي للمرأة “أنا أفعل هذا لأن لا أحد آخر يفعل أي شيء”، وأضافت “أريد من السياسيين أن يعطوا الأولوية لمسألة المناخ، وأن يركزوا على المناخ وأن يتعاملوا معه كأزمة”.
وأضافت للصحافيين، أنها تريد من المسؤولين عن التغير المناخي أن “يشعروا بذعر”، وأن “يحسوا بالخوف الذي تشعر به كل يوم”، وحثتهم على العمل لوضع سياسات تحافظ على البيئة.
وقالت كريستينا فيغيريس، الأمين التنفيذي السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إن غريتا عبّرت عن “الغضب” الذي يشعر به كثيرون.
وحذّر الباحثون من أن العواقب الوخيمة لموجات الحرارة على الأنظمة البيئية للأرض، حسبما جاء في دراسة شاملة نشرت في العدد الأخير من مجلة “نيتشر كلايمت تشينج” المعنية بأبحاث التغير المناخي.
وأكد الباحثون أن هذه الموجات الحارة تمثّل خطرا على العديد من المناطق التي تتميّز بالتنوّع البيئي في المحيط الهادي والأطلسي والهندي.
وقال الباحثون إن الكثير من الأنواع الحية في هذه المناطق تعيش بالفعل في ظل أقصى ما تستطيع تحمله من درجات الحرارة المرتفعة، وإنها لا تحتمل أي ارتفاع آخر في درجة الحرارة. كما حذّر الباحثون في دراستهم من أن الأنظمة الطبيعية في هذه المناطق تعاني أيضا من تأثيرات بشرية أخرى، مثل الصيد الجائر أو التلوث.
من المعروف للعلماء منذ فترة طويلة أن هناك موجات حر، ليس على اليابسة فحسب، بل في البحار أيضا، حيث ذكر باحثون تحت إشراف اريك أوليفر من جامعة دالهوسي بمدينة هاليفاكس في كندا، في دراستهم التي نشروها العام الماضي، أن وتيرة وقوع موجات الحر ازدادت منذ عام 1925 بنسبة 34 بالمئة.
وأكد معدّو الدراسة أن عدد الأيام التي تحسب ضمن أيام الموجات الحارة ارتفع بنسبة 54 بالمئة.
ويعرف الباحثون موجة الحر بأنها الفترة الزمنية التي تتجاوز فيها درجة حرارة السطح القيمة المعروفة لهذه المنطقة بقدر معيّن، وذلك على مدى خمسة أيام متتالية على الأقل.
وتأكدت هذه البيانات من خلال الدراسة الحالية التي أعدّها الفريق الدولي للباحثين تحت إشراف دان سمول، من جمعية مارينا بايولوجيكال أسوسيشن البريطانية.
وحسب الدراسة الحالية فإن نسبة الأيام التي شهدت موجات حر في الفترة بين عامي 1987 و2016 ارتفعت بنسبة 54 بالمئة تقريبا، مقارنة بأيام موجات الحر في الفترة بين عامي 1925 و1954.
وحاول الباحثون في تحليلات أخرى معرفة تداعيات ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل دقيق، حيث عرفوا على سبيل المثال المناطق التي ترتفع فيها نسبة أيام موجات الحر، خاصة في المناطق ذات التنوّع الغنيّ، تبيّن لهم أن ذلك يحدث بشكل خاص في جنوب أستراليا وفي الكاريبي وفي النطاق الساحلي لمنطقة وسط المحيط الهادي وشرقه.
ففي مناطق جنوب غرب المحيط الهادي طالت موجات الحر مناطق توجد فيها أنواع كثيرة تعيش بالفعل عند أقصى درجة حرارة محتملة بالنسبة لها.
وفي مناطق شمال شرق المحيط الهادي ووسطه وغربه، وكذلك شمال غرب المحيط الهادي، طالت الموجات مناطق تعاني بالفعل من الصيد الجائر والتلوث ممّا يهدّد الأنظمة البيئية هناك بشكل شديد.
وأوضحت دراسات أخرى عن موجات الحر التي وقعت في السنوات الماضية مدى العواقب البيئية بعيدة المدى لهذه الموجات، حيث تبيّن للباحثين من خلال هذه الدراسات مدى الخطر الذي تتعرّض له الطيور جرّاء هذه الموجات، وذلك بسبب عدم توفر الصيد الذي تعيش عليه بالشكل الأمثل الذي كان متوفرا في الماضي.
كما تبيّن للباحثين أن الشعاب المرجانية تتأثر هي الأخرى جرّاء هذه الموجات، وذلك لأن الحرارة المرتفعة تزيد من احتمال اصفرار هذه الشعاب. كما أكدت بيانات بعيدة المدى إضافة إلى ذلك أن تزايد الأيام التي تشهد موجات حر يخفف من كثافة أعشاب البحر والكتل البيولوجية.
قال معدّو الدراسة الحالية إن الباحثين الذين درسوا في السابق آثار ارتفاع درجة حرارة الأرض على النظام البيئي لها كانوا يركزون على التوجهات السائدة، خاصة في ما يتعلق بالمعدلات السائدة لهذه الموجات.
غير أن الباحثين أكدوا ضرورة أخذ النتائج المؤقتة للأحداث القارية أيضا في عين الاعتبار، لأنها يمكن أن تغيّر بنية الأنظمة الحيوية ووظيفتها بشكل مفاجئ ومأسوي.
وقالت ثونبرغ الصغيرة “بما أن قادتنا يتصرفون كالأطفال، فسوف نضطر إلى تحمّل المسؤولية التي كان يجب أن نتحمّلها منذ فترة طويلة، وعلينا أن نوضّح لهم ما هي الفوضى التي خلقوها والتي يجب علينا تنظيفها والعيش معها، وذلك من خلال جعل أصواتنا مسموعة”.
وتابعت “على مدار سنوات طويلة، حضر عدد لا يحصى من الناس إلى مؤتمرات الأمم المتحدة حول المناخ متوسلين قادة العالم لوقف الانبعاثات، لكن من الواضح أن ذلك لم ينجح مع استمرار ارتفاعها، لذا لن أتوسل لهم ليهتموا بمستقبلنا وسأخبرهم بأن التغيير سيأتي سواء أحبوا ذلك أم لا”.