بوينغ 737 ماكس 8.. سقوط مدو للطائرة الأكثر مبيعا
أثار حادث تحطم طائرة جديدة تابعة لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية، من طراز بوينغ 737 ماكس بعد دقائق من إقلاعها من أديس أبابا متجهة إلى نيروبي، جدلا دوليا بشأن كفاءة الطائرة الأكثر مبيعا منذ ظهورها لأول مرة في عام 2017. ويأتي هذا الجدل نظرا لأن حادث طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية وقع بعد أقل من أربعة أشهر من تحطم طائرة من نفس الطراز تابعة لشركة لايون إير الإندونيسية. وبعد يوم من الحادث، أوقفت شركات طيران عالمية استخدام هذه الطائرات، في خطوة تثير مخاوف بشأن مستقبل الشركة الأميركية لسنوات عديدة، كما تطرح أسئلة تعبر عن القلق في أوساط عالم الملاحة الجوية، وذلك لأن المسؤولين في هذه الأوساط يجدون صعوبة في الإيمان بالصدف.
عادة ما كانت حوادث تحطم الطائرات في الدول النامية لا تتخذ زخما كبيرا أو تفتح جدلا دوليا واسعا حيث يقتصر الأمر على متابعة حصيلة الخسائر وعدد الضحايا أو البحث عن أسباب الحادث عبر الصندوق الأسود للطائرة، لكن حادثة تحطم الطائرة بوينغ 737 ماكس 8 التي كانت متجهة من أديس أبابا إلى نيروبي والتي راح ضحيتها 157 شخصا، تحوّلت إلى حديث الساعة.
فتحت الحادثة نقاشا دوليا واسعا كان متبوعا بعدة تساؤلات حول تكرر حوادث طائرات الرحلات المتوسطة لشركة بوينع الأميركية، وتحديدا الرحلات المسيرة لطائرات بوينغ 737 ماكس 8. فعندما تسقط طائرتان جديدتان تقريبا من نفس الطراز، في وقت قصير نسبيا، وفي وقت طيران مشابه، فإن نواقيس الخطر تدق بشكل صاخب.
كان لافتا سرعة وعدد شركات الطيران وشركات السياحة التي أعلنت أنها أوقفت تسيير رحلات على متن طائرات بوينغ 737 ماكس 8. وأوقفت شركات الخطوط الجوية في إثيوبيا والمكسيك والصين والبرازيل والأرجنتين وإندونيسيا وغيرها تشغيل طائراتها من طراز ماكس 8، بالإضافة إلى شركات طيران مثل كايمان إيرويز، وكوم إير في جنوب أفريقيا وشركة الخطوط الملكية المغربية وشركة إير شاتل النرويجية للطيران منخفض التكلفة.
وقررت شركة توي، أكبر شركة سياحية في العالم، تعليق استخدام طائرات بوينغ 737 ماكس 8، وذلك في أعقاب إعلان بريطانيا تعليق استخدام هذا الطراز من الطائرات. وقال متحدث باسم توي، في مدينة هانوفر الألمانية إن هذه الخطوة تشمل جميع الشركات التابعة لها. وأظهر موقع فلايت غلوبال الإلكتروني أن هناك قرارات بمنع تحليق قرابة 40 بالمئة من بين 371 طائرة بوينغ 737 ماكس في الخدمة على مستوى العالم ومن بينها 97 طائرة في الصين.
وذهبت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى حد الإعلان عن حظر استخدام طائرات من طراز بوينغ 737 ماكس من “الوصول والمغادرة أو التحليق في المجال الجوي التابع لها”.
هذه الخطوة كانت محدّدة لتوجهات العديد من المؤسسات والفاعلين المرتبطين عضويا بمسألة الطيران، حيث قررت شركة توي، أكبر شركة سياحية في العالم، تعليق استخدام طائرات بوينغ 737 ماكس 8، وذلك في أعقاب إعلان بريطانيا تعليق استخدام هذا الطراز من الطائرات المثيرة للجدل.
كما ألقت هذه الأزمة بظلالها أيضا على بعض الدول العربية التي اختارت تعليق العمل بالطائرات المذكورة ومنها المملكة المغربية وكذلك سلطنة عمان بعد إعلانهما عن تعليق تشغيل طائرات بوينغ 737 ماكس، فيما قالت الهيئة العامة للطيران المدني بالإمارات إنها انضمت إلى التحقيق في حادث تحطم الطائرة الإثيوبية.
ووفقا لبيان نشرته وكالة أنباء الإمارات (وام)، ستجمع هيئة الطيران المدني بيانات مع إدارة الطيران الاتحادية الأميركية وشركة بوينغ لصناعة الطائرات. وشددت الهيئة على أنها “لن تتردد في منع أسطول بوينغ 737 ماكس الإماراتي، إذا لزم الأمر من أجل ضمان تحقيق أعلى معايير أمان الطيران”.
تعد بوينغ 737 ماكس 8 أحدث إصدار من طائرات 737، وهي الطائرة الأكثر مبيعا على الإطلاق منذ ظهورها لأول مرة في عام 2017، حيث سلمت شركة بوينغ أكثر من 350 منها في عديد من الإصدارات التي اختلفت حسب الحجم. اعتمدت العشرات من شركات الطيران حول العالم على هذه الطائرة لاقتصادها في استهلاك الوقود ولكفاءتها في الرحلات القصيرة والمتوسطة.
وحصلت بوينغ على أكثر من 5000 طلب شراء لمختلف إصدارات ماكس، وهي تمثل الحصة الأكبر من الطلبات التي تلقتها الشركة لحوالي 5900 طائرة. وتتراوح أسعار الطائرات بين 100 مليون دولار و135 مليون دولار، وتحصل شركات الطيران على تخفيضات كبيرة بشكل دوري.
أول حادث
وقع أول حادث مميت للطائرة في أكتوبر، عندما سقطت طائرة من طراز بوينغ 737 ماكس 8 تابعة لشركة “ليون إير” الإندونيسية في بحر جافا، مما أسفر عن مقتل 189 راكبا. ومع ذلك، تجاوزت شركة بوينغ هذه الكارثة، ولم تتأثر الطلبات الجديدة على إصداراتها.
على عكس ذلك، قد يكون الحادث المميت الثاني في إثيوبيا، أكثر ضررا إذا وجد المحققون خطأ في تصميم شركة بوينغ وإذا فقد الركاب الثقة في الطائرة. ويوقظ هذا الحادث ذكريات سيئة تعود إلى عام 2013، عندما فرضت سلطات الطيران في عدة دول من بينها الولايات المتحدة، حظر طيران على طائرة بوينغ 787 دريملاينر حديثة الصنع، لأن بطاريات ليثيوم أيون الخاصة بالطائرة المتقدمة، قد احترقت أكثر من مرة.
وظلت طائرات دريملاينر لا تبرح المطارات على مستوى العالم على مدى ثلاثة أشهر، وهو ما ألحق ضررا بالغا بسمعة الشركة. وتكدست الطائرات أمام صالات تصنيع بوينغ لأنه لم يكن مسموحا في هذا الوقت للشركة المصنعة بأن تسلم طائرات جديدة.
أما في حالة الطائرة ماكس فربما كان التكدس في الطائرات التي لن يتم تسليمها أضعافا، وذلك بينما سلمت بوينغ في تلك السنة العجاف 65 طائرة “طائرة دريملاينر” فإن عدد الطائرات من سلسلة ماكس يبلغ عشرة أضعاف هذا العدد، الأمر الذي سيؤدي إلى تكدس أعداد كبيرة في ساحة الشركة المخصصة للطائرات المجهزة للتسليم.
ولم يتضح بعد ما إذا كان منظم الطيران الأميركي، إدارة الطيران الفيدرالية، سيفعل الشيء نفسه كما حدث مع بوينغ 787 دريملاينر.
وقالت وزيرة النقل إلين تشاو إن إدارتها التي تضم إدارة الطيران الفيدرالية “تشعر بقلق شديد” وتراقب التطورات حول تحطم الطائرة الأخير. وأضافت أنها التقت مع القائم بأعمال مدير إدارة الطيران الفيدرالية دان إلويل لمناقشة الوضع “المسارات الممكنة للمضي قدما”. قالت شركة بوينغ إن لديها “ثقة تامة” في سلامة أسطول طائراتها من طراز 737 ماكس. وأضافت “ندرك أن الهيئات التنظيمية والزبائن اتخذوا قرارات اعتقادا منهم بأنها الأكثر ملاءمة لأسواقهم الداخلية”، مضيفة أن إدارة الطيران الاتحادي الأميركية “لم تتخذ أي إجراء إضافي في هذا التوقيت وإنه بناء على المعلومات المتاحة حاليا فليس لدينا ما يدعو إلى إصدار توجيهات جديدة”.
وتعد طائرات ماكس بمثابة تطوير لطائرة بوينغ 737 للمسافات المتوسطة، والتي بدأ تصنيعها في الستينات، تلك الطائرة التي لم تصنع طائرات أكثر منها حتى الآن، على مستوى العالم. وتعتبر الطائرة 737 موضع ثقة لأقصى حد ممكن. ولكن هذه الطائرة شهدت الكثير من التطوير والتحديث مع مرور السنوات لمجاراة متطلبات عالم الطيران المتزايدة. كما حاولت بوينغ تحت ضغط الشركات المنافسة أيضا الوصول بالنموذج المتوفر من هذه الطائرة إلى أقصى درجة ممكنة من التطوير.
وعلى ذلك عملت الشركة على صناعة محركات أكبر حجما وأقل استهلاكا للوقود، من خلال طائرات ماكس، وذلك على غرار طائرات منافستها أيرباص، وطائرتها أيه 320 الجديدة، غير أن هذه المحركات تبرز لدى طائرات بوينغ نحو الأمام أكثر مما هو الحال لدى الطائرات الأخرى، مما يصعب على الطيارين السيطرة على الطائرة في بعض أوضاع الطيران.
لذلك فقد عمدت الشركة إلى تطوير برنامج حاسوبي لتوجيه الطائرة، وأصبح هذا البرنامج يتدخل أكثر في قيادة الطائرة. ومنذ حادث طائرة لايون إير الإندونيسية أصبحت أصابع الاتهام تشير إلى هذا البرنامج، على أنه المسؤول على الأقل في جزء من سلسلة الحوادث. وسيبين تحليل الصندوق الأسود للطائرة الذي عثر عليه، ما إذا كان ذلك ينسحب أيضا على الحادث الأخير.
ولكن الخبير الألماني في حوادث الطائرات ريشتر يرى الآن بالفعل أن الإشارة المتداولة داخل المنتديات المتخصصة، إلى طيار يقول إنه سمع آخر المحادثات اللاسلكية مع الطائرة بوينغ المنكوبة، هي إشارة مثيرة للقلق “حيث إن قائد الطائرة المنكوبة أبلغ وفقا لهذا الطيار عن وجود مشاكل بالنسبة لسرعة الطائرة، وهو ما يبين وجود أوجه تشابه مع طائرة ليون إير الإندونيسية”.
وتشير البيانات التي أصدرها المحققون الإندونيسيون إلى أن الطيارين كافحوا دون جدوى لمواجهة البرنامج الذي وجّه اتجاه أنف الطائرة للأسفل.
وحثّت مجموعة مستهلكين فلايرز رايتس، إدارة الطيران الفيدرالية على تعليق بوينغ 737 ماكس 8. وقال بول هدسون، رئيس المجموعة، “يهدد هذا الانتظار والترقب الأرواح”. لكن كررت شركات الطيران الأميركية وثوقها بأن الطائرة آمنة. ودعا العضوان بمجلس الشيوخ الأميركي ميت رومني وإليزابيث وارن إدارة الطيران الاتحادية الأميركية إلى تعليق استخدام الطائرة. لكن، قالت الخطوط الجوية الأميركية، التي تشغل 24 طائرة من طراز ماكس 8، إنها تبني حكمها على بيانات جمعتها من تجربتها الخاصة مع هذه الإصدارات، فيما أكد جيل سورديك، نائب رئيس شركة الخطوط الجوية الأميركية، في مذكرة للموظفين “لدينا ثقة تامة في الطائرة وأعضاء طاقمنا”.
وفي مسعى من الولايات المتحدة لتقليل أي محاولة توظيف لهذه الحادثة لإحراج اقتصادها من قبل الدول المنافسة خاصة في مجال تصنيع الطائرات، فرضت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية على شركة بوينغ تعديل طائراتها من طراز 737 ماكس 8 و737 ماكس 9، وذلك في غضون مهلة أقصاها شهر أبريل.
لكن، ريتشارد أبوالعافية، نائب رئيس شركة تيل غروب ومستشار الطيران فيها، قال إن معالجة تداعيات الحادثة ستكون عملية باهظة الثمن. تاريخيا، تلغي شركات الطيران الطلبات بسبب استهلاك الوقود، أو لأن شركة أخرى منحتها خصما، وليس بسبب السلامة.
تداعيات الكارثة
يجمع العديد من خبراء الاقتصاد على أن تداعيات هذه الكارثة التي عصفت بإحدى أشهر الشركات الأميركية المصنعة للطائرات ستنعكس بصفة مباشرة على الاقتصاد الأميركي برمته بل وسيتم توظيفها بشكل مباشر في الحروب التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الدول المنافسة له كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
وتشي الخطوة السريعة التي أقدمت عليها بكين وهي من أولى العواصم التي علقت استخدام طراز 737 ماكس 8 التابعة لبوينغ بأن الصين لا تريد ترك الفرصة تمر دون انتهازها لإدراكها أن الطراز المذكور لشركة بوينغ هو أكثر الطائرات تسويقا ولذلك ستدفع بكل قوة لتوظيف الحادثة لفائدتها خاصة أن ذلك يتزامن مع قيامها بعمليات تجريبية على طائرات جديدة منذ فترة.
وبنفس الطريقة أيضا تراهن شركة أيرباص الفرنسية من أجل إعادة التموقع بشكل جيّد في قلب هذه الأزمة خاصة أن جل الخبراء يجمعون على أن الطائرة الفرنسية هي الأقل تكلفة واستهلاكا للوقود، مما قد يؤهلها لتحل مكان شركة بوينغ.
لا يوجد قطاع تقريبا يولي قضية الأمان والسلامة وزنا أكثر مما يوليه قطاع الملاحة الجوية، حيث إن “السلامة أولا” هو شعار الملاحة الجوية حسبما أوضح جان أرويد ريشتر، من مركز تقييم أعطال الطائرات النفاثة في مدينة هامبورغ الألمانية.
ويرى ريشتر أنه وعلى الرغم من أن البدء الآن في تقييم الأسباب المحتملة لسقوط الطائرة قد يكون مجرد تكهن “لكن وفي ضوء حقيقة أن أكثر من 350 شخصا لقوا حتفهم خلال أربعة أشهر فقط بنفس الطراز من الطائرة، فإنه قد آن الأوان بالفعل للحصول في أسرع وقت ممكن على معلومات دقيقة بشأن ما إذا كان السبب يكمن في التقنية”.
ترامب: لا أريد أن يكون قائد طائرتي أينشتاين
واشنطن – أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حنينه لتكنولوجيا طائرات الجيل السابق، قائلا “غالبا ما تكون قديمة وأبسط من ذلك بكثير”.
وجاءت تصريحات ترامب في الوقت الذي تقوم فيه العديد من الهيئات الرقابية حول العالم بتعليق استخدام طائرات بوينغ 737 ماكس 8، وذلك في أعقاب إعلان بريطانيا عن تعليق استخدام هذا الطراز من الطائرات التي أصبحت مثار جدل واسع عقب سقوط الطائرة الإثيوبية قبل بضعة أيام ووفاة جميع من كانوا على متنها.
وقال ترامب، في سلسلة تغريدات على تويتر، أشاد فيها أيضا بالطيارين المحترفين، “أصبحت الطائرات أكثر تعقيدا بحيث بات من الصعوبة بمكان تشغيلها.. لم تعد هناك حاجة إلى طيارين بل لعلماء كمبيوتر من معهد ماساتشوستس”. وأضاف “هناك حاجة لقرارات في أجزاء من الثانية، والتعقيد يخلق خطرا. كل هذا أصبحت تكلفته كبيرة ولكن مع القليل من المكاسب. لا أعرف الكثير عنكم، لكنني لا أريد أن يكون ألبرت أينشتاين الطيار الذي يقود طائرتي. أريد مهنيين في الطيران بحيث يمكنهم بسهولة وبسرعة السيطرة على الطائرة”.