ضغوط الشارع تدفع السلطة الجزائرية للتراجع عن الولاية الخامسة لبوتفليقة
استجابت السلطة الجزائرية لضغوط الشارع بالتراجع عن الولاية الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المزمع إجراؤها في الشهر القادم، وذلك بعد يوم من عودة بوتفليقة من رحلته العلاجية في جنيف.
أعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الاثنين عدوله عن الترشح لولاية خامسة، وفي الوقت نفسه إرجاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أبريل، بحسب ما جاء في نص كلمة نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية.
وقال بوتفليقة “لن تجرى انتخابات رئاسية يوم 18 من أبريل المقبل. والغرض هو الاستجابة للطلب الملّح الذي وجهتموه إليّ”، في إشارة إلى المتظاهرين ضد ترشحه. وأضاف “لا محلّ لعهدة خامسة”، مشيرا إلى أنه سيتم تشكيل “ندوة وطنية” تقرّ إصلاحات وتحدد موعد إجراء انتخاب “لن أترشح له بأي حال من الأحوال”.
وأعقب قرار بوتفليقة إعلان استقالة رئيس الوزراء أحمد أويحيى من منصبه وتعيين وزير الداخلية نورالدين بدوي خلفا له.
وجاء قرار بوتفليقة بعد انخراط القضاة في مسار الحراك الشعبي بالجزائر الرافض لترشيحه وللسلطة الحاكمة، وهو ما أحدث تطورا نوعيا زاد من عزلة أنصار الولاية الخامسة والموالاة السياسية، بما يشكله من تهديد عملي للعملية الانتخابية، التي يشرف عليها هؤلاء بموجب بنود الدستور.
وقرر القضاة الذين خرجوا الاثنين في مسيرات ووقفات احتجاجية ضد ترشيح بوتفليقة، في عدد من المدن الجزائرية، التعبير عن انسحابهم من مهمة الإشراف القضائي على عملية الاقتراع، إذا تأكد ترشيح الرجل للانتخابات الرئاسية المقررة في الـ18 من الشهر الداخل، وهو ما يهدد دستورية العملية الانتخابية برمتها.
وشدد البيان، الذي تمت تلاوته أم مجلس قضاء محافظة بجاية، على أن “القضاة يتوجهون إلى إنشاء تنظيم مهني جديد يهتم بانشغالاتهم، وأن أكثر من ألف قاض سيقاطعون عملية الاقتراع إذا ترشح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية القادمة”.
انتقادات طالت خطباء المساجد بعدما تحولوا بإيعاز من الحكومة، إلى آلة دعائية تحذر من الاحتجاجات وتروج لخطاب السلطة
وأضاف “القضاة المحتجون يطالبون باحترام الدستور ورأي وإرادة الشعب الذي يصدرون الأحكام باسمه”. وهو ما ردّ عليه وزير العدل طيب لوح سريعا، بدعوته لهم بالبقاء على “الحياد، والالتزام بواجب التحفظ واتقاء الشبهات”.
وتوقع الشارع هذه الخطوة من قبل السلطة مع نهاية مهلة دراسة المجلس الدستوري لملفات المترشحين لخوض الاستحقاق الرئاسي غدا الأربعاء. وتحدثت تسريبات من دوائر مقربة من السلطة، عن إمكانية الذهاب إلى إلغاء الموعد الانتخابي، تحت طائلة تفعيل البند الـ102 من الدستور، المعالج لشغور منصب رئيس الجمهورية بسبب العجز الصحي، أو رفض المجلس الدستوري لجميع ملفات المترشحين المودعة لديه، مع تكليف الأخضر الإبراهيمي بإدارة مرحلة انتقالية والندوة الوطنية، في حين يضطلع رمطان لعمامرة، برئاسة حكومة وفاق وطني.
إلا أن ردود فعل أولية من ناشطين في الحراك الشعبي، عبّرت عن رفضها لأي التفاف على المطالب المرفوعة، عبر تبادل الأدوار والمواقع بين رموز السلطة، ودعا الأكاديمي والباحث الجامعي إسماعيل معراف، في تسجيل له، إلى “مواصلة الضغط على السلطة، وعلى بلورة أفكار وتصورات تحسبا للمرحلة القادمة، بعيدا عن السلطة”. ودعا رئيس حزب جيل جديد ومنسق حركة مواطنة المعارضة جيلالي سفيان، إلى “ضرورة حل البرلمان والمجالس المحلية، وتعيين شخصية توافقية أو لجنة عقلاء، تتكفل بتشكيل حكومة محايدة، وبإدارة مرحلة انتقالية محدودة المدة والمهام، من أجل وضع دستور جديد وتنظيم انتخابات جديدة”.
وبالموازاة مع ذلك، أقدمت الاثنين، ست كتل برلمانية بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان )، وهي حركة مجتمع السلم، العمال، كتلة الاتحاد من أجل النهضة العدالة والبناء، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة المستقبل، وجبهة القوى الاشتراكية، على مقاطعة أشغال المجلس، للتعبير عن دعمها للحراك الشعبي، داعية السلطة إلى الرحيل. وعلى الصعيد الميداني، انضم إلى احتجاجات القضاة، محامون ومحضرون قضائيون (كتاب العدل) للتعبير عن رفض منتسبي الجهاز القضائي، للأجندة السياسية التي ينطوي عليها ترشح بوتفليقة، وعن دعمهم المطلق لمطالب الحراك الشعبي الذي دخل أسبوعه الثالث.
ورفع تنظيم نقابي مستقل لأئمة المساجد وموظفي الشؤون الدينية، صوتهم الرافض للضغوط المستمرة عليهم من طرف وزارة الشؤون الدينية، وتحويلهم إلى ناطقين باسم الأجندة السياسية للحكومة.
وطالب بيان صادر عن النقابة بـ”عدم إقحام المساجد والأئمة في القضايا المختلف فيها عن طريق التعليمات الإدارية، التي أدت إلى المساس بقدسية المسجد ومكانة الإمام”.
ودعا المسؤولين إلى “الحرص الجاد على معرفة الأسباب الحقيقية للحراك الشعبي المتزايد، والإصغاء لمطالبه المشروعة واجتناب سياسة الهروب للأمام”. وجاءت خطوة الأئمة وموظفي الشؤون الدينية، في خضم الانتقادات الشديدة التي طالت خطباء المساجد من طرف الشارع الجزائري، بعدما تحولوا بإيعاز من الحكومة، إلى آلة دعائية تحذر من الحراك الشعبي، وتروّج لخطاب السلطة.
وبالموازاة مع انسحاب الرجل القوي من المركزية النقابية (الاتحاد العام للعمال الجزائريين) عبدالمجيد سيدي سعيد، يستمر النزيف في أكبر التنظيمات النقابية بالبلاد، حيث أعلن نحو 30 فرعا في مختلف القطاعات، بما فيها التي كانت توصف بـ”قلاع الاحتجاجات العمالية”، في المنطقة الصناعية بالرويبة شرقي العاصمة، عن تمردها على قيادة النقابة المركزية. وشكل انسحاب عبدالمجيد سيدي سعيد، ضربة قاصمة لأنصار الولاية الخامسة لبوتفليقة.
وأوضح القيادي النقابي في نقابة شركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام أحمد بغدادي، أن “نقابة منتسبي الشركة يلبون نداء الوطن ويعربون عن مساندتهم لمطالب الحراك الشعبي، وأن عملية الإنتاج ستبقى مستمرة خدمة لمصالح الدولة وللاقتصاد الوطني”.