الجزائر تستعد لما بعد مرحلة بوتفليقة

كشفت ضخامة التظاهرات أن مرحلة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أوشكت على الانتهاء وأن القوى السياسية والحزب الحاكم ومؤسسة الجيش صارت على قناعة واقعية بالبحث عن تهيئة الظروف لمرحلة ما بعد بوتفليقة.

وتحدى مئات الآلاف من الجزائريين في جمعة الحراك الثالثة، وخرجوا إلى شوارع وساحات العاصمة وجميع مدن ومحافظات البلاد، لتجديد مطالبهم برفض ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، والمطالبة برحيل السلطة القائمة.

وهذه هي أكبر مظاهرات منذ انتفاضات الربيع العربي في 2011 وتمثل أكبر تحد للرئيس الذي يخوض الانتخابات في 18 أبريل سعيا للفوز بولاية جديدة.

ولم يمنع قرار تعطيل حركة القطارات في الأنفاق وعلى الأرض، ووسائل النقل الجماعي وتكثيف الحواجز الأمنية، وقطع شبكة الإنترنت، من التحاق أعداد كبيرة بشوارع وساحات وسط العاصمة، خاصة وأنها تزامنت مع احتفالات المرأة بيومها العالمي، حيث كان حضور المرأة لافتا في مظاهرات العاصمة.

وذكرت الكاتبة والإعلامية فتيحة بوروينة، في تسجيلات صوتية خلال حضورها في مسيرة نسوية أن “خروج المرأة الجزائرية في مسيرات الحراك الشعبي المناهض للعهدة الخامسة وللسلطة، هو رسالة لانخراط جميع مكونات المجتمع في لحظة الإجماع الوطني على كتابة تاريخ جديد للجزائر”.

وتناقلت تسجيلات تداولتها شبكات التواصل الاجتماعي، انسحاب عناصر وآليات الشرطة من ساحات الجماهير المحتشدة في شوارع بالعاصمة، ولم يتم التأكد من مصدر القرار، إن كان بتعليمات فوقية يلمح إلى تحول ما في هرم المؤسسة الأمنية، أم مبادرة من الفرق التي قامت بالانسحاب.

وعلى غير المعتاد لم يدع أحد أكثر الأئمة شعبية للرئيس بوتفليقة في خطبة الجمعة كما جرت العادة وقصر الدعاء على ما فيه الخير للجزائر وشعبها.

وذكر شهود عيان  أن “قوات الأمن اختفت بشكل مفاجئ من ساحة البريد المركزي، والشوارع المؤدية إلى ساحة أول مايو، وسط هتافات المتظاهرين المرددين لشعارات رفض العهدة الخامسة ورحيل السلطة”.

وفيما تعرض المرشح المستقل الجنرال المتقاعد علي غديري، إلى الطرد من طرف المتظاهرين، بعد نزوله للمشاركة في المسيرات الشعبية، تعزز الحراك بحضور شخصيات تاريخية ورمزية على غرار المناضلة جميلة بوحيرد، ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، فضلا عن سياسيين ورؤساء أحزاب.

وتصاعدت الدعوات في الآونة الأخيرة للمرشح علي غديري، داعية إياه إلى الانسحاب من سباق الانتخابات، وعدم تقديم خدمة سياسية لمرشح النظام، خاصة بعدما انفض عنه المقربون منه، على غرار مدير حملته الانتخابية المحامي مقران آيت العربي، ورئيسة حزب الاتحاد من أجل الحرية والتغيير زبيدة عسول، وشخصيات أخرى، أعلنت عن سحب دعمها له.

وما زالت السلطة والقوى السياسية الموالية تتجاهل مطالب الشارع الجزائري، وتحاول تسويق خطاب يتراوح بين الاستفزاز والالتفاف، الأمر الذي فاقم غضب الحراك الشعبي، حيث أكد النائب البرلماني عن حزب تاج الموالي للسلطة حميد نواسة، أن “التعبير الحر مكفول للجميع وينبغي احترام موقف ورأي الأغلبية المساندة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة”.

وعرض الرئيس الجزائري تقليص مدة رئاسته بعد الانتخابات، وحتى تغيير “النظام” الذي يدير البلاد، لكن مواطنين ينتمون إلى فئات مختلفة من المجتمع بينهم طلاب وأسر شابة ما زالوا في الشوارع.

وعبر حلفاء قدامى للرئيس من بينهم أعضاء في الحزب الحاكم عن دعمهم للاحتجاجات مما سلط الضوء على انقسامات داخل النخبة الحاكمة التي كانت تعتبر من قبل تكتلا منيعا.

وأفاد مصدر من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لـ”العرب”، بأن “الأيام المقبلة ستشهد المزيد من الانسحابات للنواب والقياديين والقواعد النضالية، وأن جهودا واتصالات جارية من أجل بلورة موقف نهائي يسحب الحزب تماما من السلطة، وإعادته إلى وعائه وقواعده الشعبية”.

وأضاف “النزيف سيستمر ولا يمكن رهن الحزب التاريخي في أيادي ودوائر السلطة، ومن غير المعقول أن تكون رئاسة الجمهورية حاضرة دائما في الهياكل العليا للحزب”، في إشارة إلى تسمية مستشار الرئاسة حبة العقبي، ضمن الفريق الموسع لقيادة الحزب المنصبة مؤخرا.

وتتداول شبكات التواصل الاجتماعي دعوات إلى شن عصيان مدني بداية من الأسبوع المقبل، لإجبار السلطة على الإذعان للأمر الواقع، في وقت تزايد فيه الإقبال الواسع من المواطنين في بعض المراكز التجارية والمحلات الكبرى، على اقتناء مخزون من المواد الغذائية والتموينية تحسبا لأي تطورات قريبة.

وجددت المؤسسة العسكرية التأكيد على تعديل خطابها تجاه الحراك الشعبي، خلال افتتاحية العدد الأخير من مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة)، الصادر هذا الخميس، حيث تضمنت إشارات إلى “التلاحم والتضامن بين الجيش والشعب”، وإلى “التزام المؤسسة العسكرية بالمهام الدستورية”، مما يوحي بأن الجيش لا يريد التخندق في موقف معاد للحراك الشعبي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: