الرسائل المنسوبة إلى بوتفليقة تقوض مصداقية السلطة
باتت الرسائل التي تنسب إلى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، والموجهة إلى الحراك الشعبي، تقوض مصداقية السلطة أكثر من قدرتها على الاقتراب من المحتجين وإظهار تفهم لمطالبهم، مثلما عكسته رسالة الرئيس المختفي عن الأنظار بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
وأشاد بوتفليقة في رسالة منسوبة إليه، تلتها وزيرة البريد وتكنولوجيا الاتصال هدى إيمان فرعون، بالوعي السلمي وبالنضج الذي بلغه الشباب الجزائري خلال التعبير عن آرائه ومواقفه السياسية، في كنف الديمقراطية وحرية التعبير.
لكنه حذر المتظاهرين ضد ترشحه لولاية خامسة من “الفتنة” و”الفوضى” وذلك عشية تظاهرة جديدة رافضة لبقائه في الحكم. وقالت الرسالة إن نضج المحتجين “لا يعفينا من الدعوة إلى الحذر والحيطة من اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أي فئة غادرة داخلية أو أجنبية (…) قد تؤدي إلى إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وما ينجر عنها من أزمات وويلات”.
ويتهيأ الحراك الشعبي المناهض للسلطة لتنظيم مسيرات مليونية اليوم الجمعة في العاصمة ومختلف مدن ومحافظات البلاد، للتعبير عن رفض ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وقد تصاعدت وتيرة التعبئة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل مشاركة قياسية للمرأة الجزائرية في الحراك، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
وشدد الناشط السياسي والحقوقي مصطفى بوشاشي، في تسجيل صوتي، على “ضرورة استمرار الضغط على السلطة عبر المسيرات والمظاهرات الشعبية، وعلى الطابع السلمي والهادئ وتلافي الاحتكاك بقوات الأمن أو الاستجابة للاستفزازات المحتملة، فضلا عن تفادي التظاهر في الليل الذي قد يحوله البلطجية إلى انفلات وشغب يشوهان صورة وسمعة الحراك الشعبي”.
ولا تزال رسائل بوتفليقة الموجهة للرأي العام تثير شكوك الشارع الجزائري، خاصة في ظل الأوضاع الصحية المتدهورة للرجل، حيث قضى إلى غاية ليل الخميس أكثر من أسبوع في مستشفى سويسري، قبل أن يتم نقله إلى وجهة مجهولة، دون أن تعلق مؤسسة الرئاسة إلى حد الآن عن الجدل المثار حول وضعه الصحي.
وأعلن التلفزيون السويسري ليل الخميس، عن مغادرة بوتفليقة للمستشفى الجامعي بجنيف إلى وجهة غير معلومة، بعد ضغط عاشه المستشفى خلال الساعات الأخيرة من قبل جزائريين نظموا وقفة أمام المستشفى، واتصالات مكثفة للاستفسار عن صحة الرئيس المختفي.
وقال مصدر من المستشفى السويسري إن “عدد المتصلين بالمستشفى تضاعف خلال اليومين الأخيرين، فبعدما كان المحول يستقبل حوالي ثلاثة آلاف اتصال هاتفي، صار يستقبل ستة آلاف اتصال، مما استدعى تعزيز المحول بطاقم بشري وتجهيزات إضافية، وأن أغلبها يأتي من الجزائر”.
ونفذ المحامون مسيرة إلى مبنى المجلس الدستوري (أعلى هيئة قضائية)، أمس الخميس، من أجل تبليغ رئيس المجلس طيب بلعيز، رسالة التحذير من اختراق دستور البلاد في دراسة ملفات المرشحين للانتخابات الرئاسية، في إشارة إلى ملف بوتفليقة، خاصة في ما يتعلق بشهادة الأهلية الصحية.
ورفض رئيس المجلس استقبال موفدي مسيرة المحامين، كما رفض الأربعاء، استلام بيان نقابة المحامين التي انتقلت إلى مقر المجلس لتبليغه رسالة تدعو المجلس إلى تطبيق التشريعات وبنود الدستور.
ومن جهة أخرى، يستمر النزيف الذي يضرب فعاليات سياسية ونقابية وأهلية موالية للسلطة، حيث أعلن الخميس القيادي البارز في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عبدالكريم عبادة الانسحاب مما سمي بـ”الهيئة الموسعة” لقيادة الحزب، وتأييده لمطالب الحراك الشعبي.
وجاءت الخطوة لتضاف إلى قرار حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض، بسحب نوابه الـ13 من غرفتي البرلمان كتعبير عن تنديد الحزب بخيارات السلطة وتضامنه مع الحراك الشعبي.
ولا شك أن أكبر ضربة تلقتها السلطة كانت البيانات الصادرة عن منظمة المجاهدين (قدماء المحاربين)، وجمعية منتسبي جهاز الاستخبارات، فالأولى ظلت طيلة العقود الماضية إحدى الأذرع الرمزية للسلطة، أما الثانية فيرأسها دحو ولد قابلية، الذي شغل لسنوات منصب وزير الداخلية في حكومات بوتفليقة المتعاقبة.