أربعة صحافيين مغاربة يواجهون السجن لتصفية حسابات السياسيين
يواجه أربعة صحافيين محاكمة قد تتسبب في سجنهم خمسة أعوام بتهمة نشر أخبار سرية، فيما ترفض نقابة الصحافيين هذه المحاكمة مؤكدة أن هؤلاء الصحافيين مارسوا التحري ونشروا خبرا صحيحا، والقانون لا يعاقب على التسريب وإنما يعاقب على نشر الأخبار الزائفة.
استنكر الوسط الصحافي المغربي محاكمة أربعة صحافيين، على خلفية شكوى رفعها ضدهم رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماس، يتهمهم فيها بنشر وتسريب معطيات سرية.
وطالبت النيابة العامة في المحكمة الابتدائية بالرباط بتطبيق إجراءات المتابعة المتعلقة بالقانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق، والتي تصل عقوبتها إلى 5 سنوات سجنا في حالة نشر معلومات تتعلق بلجان تقصي الحقائق.
واعتبرت النيابة العامة أن النشر بالنسبة للصحافيين الأربعة محمد أحداد (يومية المساء) وعبدالحق بلشكر (يومية أخبار اليوم) وكوثر زاكي وعبدالإله ساخير (موقع الجريدة 24)، يعتبر إثباتا للجريمة ولا تحتاج إلى إثبات آخر، وأكدت أن القضية لا يمكن أن تحتكم إلى قانون الصحافة والنشر، كما شددت النيابة العامة على أن المستشار البرلماني حيسان عبد الحق يواجه تهمة إفشاء السر المهني والمشاركة في النشر.
واستهجنت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قرار رئيس مجلس المستشارين القاضي بمتابعة صحافيين بتهمة نشر أخبار صحيحة رغم الجهود التي بذلتها النقابة لإقناعه بعدم جدوى هذه المتابعة، وأن الأمر يتعلق بالتضييق على حرية الصحافة، وأكدت النقابة في تعليق على هذه القضية أن المطلوب والمأمول من مجلس المستشارين كمؤسسة دستورية منتخبة الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير في البلاد، وحماية الصحافيين، وإصدار تشريعات متطورة في هذا المجال، وليس السعي إلى سجن الصحافيين وتكميم أفواههم والتضييق على حرية الصحافة والتعبير في البلاد.
وانتقد عبدالله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قرار النيابة العامة، في ضوء ملتمسها بإدانة أربعة صحافيين في القضية، مؤكدا أن هؤلاء الصحافيين مارسوا التحري ونشروا خبرا صحيحا، والقانون لا يعاقب على التسريب وإنما يعاقب على نشر الأخبار الزائفة.
الصحافي بوشعيب البازي : القضية سياسية، ذلك أن حزب الأصالة والمعاصرة، ممثلا في أمينه العام حكيم بنشماش رئيس مجلس المستشارين، وعزيز بنعزوز القيادي بالحزب نفسه، كان يستهدف عبدالإله بن كيران
وعبرت النقابة في بيان لها، الثلاثاء، عن أملها في أن لا تأخذ هيئة المحكمة بعين الاعتبار ما طالبت به النيابة العامة التي نصبت نفسها في هذه القضية طرفا منحازا، حيث عارضت جميع المبررات التي تقدمت بها هيئة الدفاع بما في ذلك ما يتعلق بضمان شروط المحاكمة العادلة.
وتعود تفاصيل القضية إلى بداية عام 2017، حين تناولت الصحافة المغربية موضوعا عن لجنة تقصي الحقائق التي شكلت للنظر في ملف التقاعد في المغرب ومثول رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بن كيران، أمام اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق، التي شكّلها مجلس المستشارين من أجل بحث الاختلالات التي أوصلت الصندوق المغربي للتقاعد إلى حالة من الإفلاس.
وقد أحال عزيز بنعزوز رئيس اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد، تقريرا إلى رئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش حول موضوع تسريب مداولات تتعلق باللجنة المحكوم عملها بالسرية حسب منطوق القانون، وبدوره أحاله رئيس مجلس المستشارين، إلى مصطفى الرميد وزير العدل والحريات آنذاك من أجل فتح تحقيق في الموضوع.
وقال الصحافي محمد أحداد، من يومية المساء، في تصريح لـه إن هذه المحاكمة هي لحرية الصحافة والتعبير قبل كل شيء، ولا يمكن فصل هذه المتابعة القضائية عن الجو العام المضيق على الصحافة، والشكوى التي تتم من خلالها متابعة الصحافيين لا تتعلق فقط بمجلس المستشارين متمثلا في رئيسه حكيم بنشماس، بقدر ما أصبحت النيابة العامة في شخص ممثلها طرفا منحازا حينما طالبت بسجن الصحافيين عوض مساندتهم ضد صراعات سياسية داخل مجلس المستشارين.
وأكد أحداد أن القضية سياسية، ذلك أن حزب الأصالة والمعاصرة، ممثلا في أمينه العام حكيم بنشماش رئيس مجلس المستشارين، وعزيز بنعزوز القيادي بالحزب نفسه، كان يستهدف عبدالإله بن كيران رئيس الحكومة السابق.
وتابع المتحدث أن هذا المقلب فشل، وبعدما تبين عدم الإطاحة بخصمهم رئيس الحكومة السابق تم الزج بالصحافيين في هذه القضية وأضحوا “كبش فداء”، على الرغم من أن رؤساء الفرق بمجلس المستشارين تقدموا بتوقيعات من أجل سحب الدعوى.
وفي هذا الصدد أكد يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة، أَن الترسانة القانونية الموجودة والمتعلقة بقانون الصحافة والنشر أصحبت متجاوزة، لافتا انتباه الصحافيين إلى وجود قوانين أخرى لا تخطر على بال، والتي يمكن توظيفها ضدهم.
من جهته، اعتبر عزيز ماكري رئيس تحرير يومية “المساء”، في تصريح لـه ، أن المحاكمة ككل منذ البداية تعد غريبة الأطوار، خصوصا أن الشكوى التي تقدمت بها جهة دستورية يفترض فيها حماية وتحصين حق الصحافيين في التعبير والوصول إلى المعلومة لا التضييق عليهم وحجب المعطيات.
وأكد ماكري، أن الشكوى تأسست بناء على أن الصحافيين المعنيين نشروا أخبارا صحيحة، ولم يختلقوا أو يفتروا شيئا من عندهم، كما أن المعطيات التي يتهمون جهة ما بتسريبها إليهم ليست سرية، بل تقريبا معروفة من قبل كافة المهتمين بالموضوع.
ويعتقد ماكري أن الاستمرار في هذه المحاكمة إمعان في الإساءة إلى الصورة الحقوقية للبلاد، وتسويد لصفحات أخرى تملأ بها المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة تقاريرها، متمنيا أن يتغلب صوت العقل والحكمة وينتهي هذا المسلسل بالانتصار لحرية الصحافة والتعبير.
وفي ذات السياق أكد عبدالله البقالي أن “هناك حسابات سياسية غامضة يقدم فيها الصحافيون أكباش فداء”، ليحمل مكتب المجلس مسؤولية اتخاذ قرار مقاضاة الصحافيين الأربعة، مضيفا “أننا نريد مغرب الحريات والتجمع والاستقلالية، ونأمل أن تعيد السلطة القضائية الأمر إلى نصابه”.
ومن المنتظر أن يقوم الصحافيون بتنظيم وقفة احتجاجية قرب المحكمة الابتدائية بالرباط يوم المحاكمة، مع حمل الشارة الحمراء داخل جميع المؤسسات الإعلامية احتجاجا على محاكمة الصحافيين، إلى جانب مراسلة جميع فرق مجلس المستشارين وتحميلها المسؤولية عن شكاية بنشماش، مع التفكير في خطوات نضالية جديدة ضد المحاكمة.