لماذا نطقت الأغلبية الصامتة في الجزائر
متهافتة تلك الفكرة السائدة عن سلبية الشعب الجزائري إزاء ما حدث في بلده من خراب وتلاعب بمصيره تحت حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وحاشيته ثم عائلته.
في الحقيقة لم يتوقف الشباب الجزائري عن الاحتجاج على الإطلاق وكان ذلك بطرق متعددة ابتداء من التظاهر السلمي مرورا بقطع الطرق ووصولا إلى مقاطعة الانتخابات في كل مرة. ولم ترضخ أغلبية الشعب رغم المحاصرة البوليسية والمعنوية والإغرائية التي مارسها هذا النظام.
وقد عرف البلد سلسلة من الاحتجاجات ذات طابع مهني وسياسي أظهرت مقاومة شرسة لسياسات العصبة الحاكمة كحركة البطالين في الجنوب والانتفاضة ضد محاولات السلطة البدء في استغلال الغاز الصخري في الصحراء. دون أن ننسى إضرابات المعلمين والأساتذة والأطباء وحركة العروش بمنطقة القبائل التي راح ضحيتها 123 شابا. لا يمر أسبوع في الجزائر دون أن ينتفض حي أو قرية. تحصي بعض الدراسات حوالي 10000 احتجاج في السنة. وحتى وإن كانت تلك المقاومات العديدة محدودة في الزمن ومتناثرة في كل ربوع الجزائر، فقد استطاعت أن تكون رصيدا نضاليا أهم نتائجه هو الوعي بخطورة الوضع الاقتصادي والحقوقي والسياسي الذي وصلت إليه البلاد تحت حكم بوتفليقة وعائلته.
منذ منتصف العهدة الثانية والشرخ يتسع بين هذا النظام والشعب، وخاصة حينما بدأ بوتفليقة يعبث بالدستور سنة 2008 ليبقى في الحكم إلى آخر أيامه. ولئن استغل بوتفليقة توجس الجزائريين من كل تغيير قد يعيدهم إلى أيام الدم ليتخطى الربيع العربي سنة 2011، فإنه لم يستطع رغم الترهيب أن يخمد روح المقاومة في وجدان الشعب الجزائري ضد الظلم والنهب ودولة الموز الهشة.
باستفزاز العهدة الخامسة واستهتاره بكل القوانين والأعراف السياسية والأخلاقية دفع بوتفليقة بالشعب الجزائري إلى الوحدة وتحولت الاحتجاجات المتفرقة إلى رفض وطني شامل ليس لعهدته الزائدة وإنما لشخصه ونظامه. لقد وحّد الجزائريين بعنجهيته فخرجوا في مظاهرات عارمة في كل المدن الجزائرية ومع ذلك لم يفهم أو بالأحرى لم يفهم مستخدموه رسالة الشعب وقدّم ملفه مدير حملته للمجلس الدستوري. وبعد مظاهرتين حاشدتين في جمعتين متتاليتين، يأتي يوم 3 مارس ليشحذ متوسلا من الجزائريين خامس عهدة لينظم انتخابات مسبقة بعد نجاحه لا يشارك فيها كما يقول في رسالته. ويعد بإصلاحات لا تنطلي على أحد. ويحاول استغباء أبناء الجزائر في رسالته مقدما فكرة سريالية “انتخبوني لأنظم لكم انتخابات مسبقة”، وهو ما أجّج غضب الجزائريين فخرجوا يجوبون الشوارع ليلا معبرين عن رفضهم لاقتراحه الذي يحاول من ورائه خداعهم.
ماذا حقق هذا الرئيس؟ سيترك بعد رحيله أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة لم تعرفها الجزائر من قبل، خزينة فارغة وجزائر مضطرة للاستدانة بعد أقل من سنتين، دينار في انخفاض مستمر، قدرة شرائية هزيلة، بطالة في ارتفاع مرعب، مؤسسات الدولة متصدعة. شبان يهربون على قوارب الموت.
يبدو أن الرجل وحاشيته راضون بهذا الخراب وهم لا يعرفون الشعب الجزائري بل ظنوا أنه انتهى لقمة سائغة، متوهمين أنه بسكوته كان خائفا منهم في حين أنه كان خائفا على الجزائر. لقد تناسوا أن هذا الشعب واجه آلة إرهابية إسلامية لم يعرفها بلد آخر في التاريخ وانتصر عليها وليس بإمكانهم قتل روح المقاومة لدى هذا الشعب الفخور بثورته العظيمة.