قلوب الجزائريين معلّقة في جنيف
تتضارب الروايات في الجزائر حول الوضع الصحي للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، وحول إمكانية انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية من عدمه، استجابة لمطالب الرحيل المرفوعة من طرف الحراك الشعبي، خاصة وأن الأحد، هو اليوم الأخير من آجال إيداع ملفات الترشح لخوض غمار الاستحقاق الرئاسي المقرر في أبريل القادم.
وفيما تقول تقارير واردة من جنيف حيث يرقد الرئيس المنتهية ولايته إن صحته في تدهور، تسود حالة من الارتباك داخل السلطة ومحيطها بشأن البدائل. وذهب مصدر من إدارة الحملة الانتخابية لبوتفليقة، إلى إمكانية تقديم ملف الترشح بالوكالة عن الرجل، إلى هيئة المجلس الدستوري، وهو الطرح الذي يمثل رأي جناح متصلب داخل السلطة غير مستعد لتقديم أي تنازلات للحراك الشعبي.
ويتشكل الجناح من نواة تتكون من مدير الحملة الانتخابية عبدالمالك سلال، الذي تمت إقالته أمس في خطوة مفاجئة، ورئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى، والمنسق العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم معاذ بوشارب، فضلا عن بعض الأذرع المالية والإعلامية الموالية للسلطة، والتي تتجاهل إلى حد الآن مطالب الشارع الجزائري، الرافضة للعهدة الخامسة والداعية إلى رحيل النظام.
وأعلنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن تعيين الوزير الحالي والقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) عبدالغني زعلان في منصب مدير حملة بوتفليقة خلفا لعبدالمالك سلال. وقد يرتبط التغيير المفاجئ بمحتوى المحادثة المسربة مع رجل الأعمال علي حداد، التي تضمنت حثا على استعمال العنف والتي تم تداولها على نطاق واسع، ما ساهم في إرباك السلطة.
ولا يبدو الصقور الجدد مستعدين للقبول بفرضيات أخرى لإخراج البلاد من المأزق، رغم إمكانية بلورة عدة قرارات ألمحت إليها مصادر من محيط السلطة نفسها، وبينها الالتجاء إلى الحالة الصحية لتبرير عدم ترشيح بوتفليقة والبحث عن صيغة توافقية لمرشح يتفق عليه جناحا السلطة قد يكون رمطان لعمامرة وزير الخارجية السابق.
وتم تعمد تأخير الكشف عن الصيغة الجديدة إلى ساعة متأخرة من مساء السبت، بغية استهلاك المزيد من الوقت المتبقي من مهلة إيداع ملفات الترشح لدى هيئة المجلس الدستوري (المحكمة العليا).
وكانت مصادر متابعة لتطورات الوضع في الجزائر، قد أشارت إلى أن قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، قد نصح الرئيس بوتفليقة، بالبقاء في المستشفى السويسري إلى ما بعد الثالث من شهر مارس الجاري، بما يوحي بأن الرجل ربما لن يقدم ملف ترشحه.
وتجري بالمقابل بلورة خطة بديلة للسلطة يقودها الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، تقوم على خوض السباق الرئاسي بمرشح آخر، من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، ويتعلق الأمر بالرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) سعيد بوحجة، ليكون مرشح السلطة.
وكان الرئيس السابق للبرلمان الذي وقعت الإطاحة به في شهر أكتوبر الماضي، بتحالف نواب الأغلبية الموالية للسلطة، قد أعلن الأسبوع الماضي، عن إمكانية تقدمه لخوض السباق، تلبية لمناشدات الأسرة الثورية (منظمات قدماء المحاربين)، وقد قام الرجل بإيداع طلب النية وسحب استمارات الاكتتاب.
وذكر مصدر مقرب من السلطة أن “رهان الجنرال قايد صالح، على ترشيح سعيد بوحجة، كمرشح للسلطة خلفا للرئيس المنتهية ولايته، تسبب في نشوب خلافات قوية بينه وبين صقور الرئاسة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، الذي لعب حزبه (التجمع الوطني الديمقراطي)، إلى جانب أحزاب الموالاة، دورا كبيرا في الإطاحة بسعيد بوحجة، من رئاسة البرلمان، رغم تنافي سحب الثقة مع التشريعات الداخلية ونصوص الدستور”.
ويراهن الجنرال أحمد قايد صالح على الدفع بورقة بوحجة، من أجل استغلال حالة التعاطف الشعبي، التي اكتسبها بعد سيناريو الإطاحة به من طرف أحزاب السلطة في أكتوبر الماضي، وهو ما يمكن أن يخفف من حدة الغضب الشعبي المتنامي في الأسابيع الأخيرة.
ويتواجد بوتفليقة، منذ أسبوع في مستشفى سويسري، حيث تضاربت الأنباء حول الوضع الصحي الحقيقي للرجل، ففيما تداولت بعض المصادر نقلا عن مصادر طبية، تدهور وضعه الصحي ووصفته بـ”الحرج جدا”، وأن جسده لا يستطيع تحمل تدخل جراحي ضروري، نفت مصادر مقربة من إدارة الحملة الانتخابية للرئيس المنتهية ولايته الخبر وتحدثت عن استقرار الوضع.
وأشار الأكاديمي والمحلل السياسي إسماعيل معراف، إلى أن “بوتفليقة، استقبل في مقر علاجه شخصيات مقربة منه، كالدبلوماسي والوزير السابق الأخضر الإبراهيمي، والمستشار الدبلوماسي رمطان لعمامرة، ومستشاره الشخصي وشقيقه الأصغر سعيد بوتفليقة، وشخصية من قصر الإليزيه، لبلورة موقف يواكب التطورات الأخيرة في البلاد”.
وألمح معراف في منشور له على صفحته الرسمية في الفسيبوك، إلى إمكانية الإطاحة بالحكومة الحالية، وتسمية رمطان لعمامرة، كرئيس جديد لها، لما يحظى به الرجل من توافق بين الأجنحة وقبول نسبي. كما تم طرح اسم العمامرة من طرف عدة دوائر ليكون خليفة لبوتفليقة في رئاسة الجمهورية.
وما قد يزيد من ورطة السلطة ومن حالة الإرباك السياسي أن المعارضة تلوّح بالانسحاب من السباق الرئاسي، ما يجعله سباقا خاليا من أي رهان.
وقال مسؤول في حزب العمال الجزائري المعارض، السبت، إن هذا الحزب اليساري لن يقدم مرشحا للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل، وهو ما يحدث للمرة الأولى منذ 2004.
وأعلن رمضان يوسف تاعزيبت النائب وعضو المكتب السياسي للحزب أن “من واجب الحزب أن يأخذ في الاعتبار المسار الثوري الجاري في البلاد. هناك الملايين من الجزائريين الذين يطالبون برحيل هذه المنظومة، وهذه الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن تستجيب لهذا التطلع الحقيقي للتغيير”.