لا معنى للانتخابات دون مؤسسات
الانتخابات ليست هي الديمقراطية ولا هي الحل السحري لكل المشاكلات التي استعصت على الحل منذ استقلال بلداننا العربية كما يريد أن يوهمنا المتلاعبون بالعقول.
تريد الأنظمة الحاكمة المترهلة أن تتكيف مع الوضع العالمي الجديد الحريص على احترام حقوق الإنسان السياسية ورفض الاستبداد.
وللاستمرار في الحكم تحاول الأنظمة منذ مدة استبدال القمع المباشر عن طريق الدبابات بقمع آخر للاستمرار في الحكم، هو صناديق الاقتراع وقد انطلت الحيلة على كثير من المعارضين وراحوا يهرولون للمشاركة في كل الانتخابات، وليس هذا فحسب بل نجد مثقفين وكتابا وناشطين يسبحون بحمد الصندوق موهمين الناس بأنه الطريق الوحيد للخلاص.
فهل يمكن أن تمثل الانتخابات حلا للمأزق السياسي الذي تعيشه الجزائر على سبيل المثال منذ استقلالها عن فرنسا إلى اليوم؟
بغض النظر عن تلك الانتخابات البلدية والولائية (الانتخابات المحلية في البلديات والمحافظات الجزائرية) والبرلمانية والرئاسية الفلكلورية التي كانت تنظم تحت نظام الحزب الواحد، عرفت الجزائر أول انتخابات بلدية تعددية سنة 1990 مع ما يسمى بالانفتاح الديمقراطي ثم انتخابات تشريعية سنة 1991 .
وفي المناسبتين ”فاز” حزب ديني غير ديمقراطي كان من أهدافه ليس تغيير طبيعة نظام الحكم إلى دول إسلامية فحسب بل هدفه كان تغيير طريقة عيش المجتمع الجزائري برمته.
ولحد اليوم يتباكى أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكل الإسلاميين وماسحي أحذيتهم عما يسمونه الانقلاب عن الشرعية متناسين أن وجود هذا الحزب ذاته مناقض لقانون الأحزاب الجزائري الذي ينص صراحة على منع استخدام الدين لأغراض سياسية ومتناسين أيضا أن هذا الحزب لم يعقد مؤتمرا واحدا قبل مشاركته في الانتخابات!
كيف يمكن الاعتقاد بجدوى الكرنفالات الانتخابية التي فرضت بوتفليقة المريض رئيسا؟ ويراد له عهدة خامسة رغم أنه لم يتحدث لشعبه منذ أكثر من 8 سنوات؟
ومنذ ذلك الوقت والانتخابات جارية في الجزائر إلى اليوم، بلدية، برلمانية ورئاسية، فهل تغيرت أحوال البلد وأحوال الناس؟ هل ازدهرت حرية التعبير؟ هل تم التناوب على السلطة؟
لم تجن الجزائر من كل الانتخابات المنظمة منذ الاستقلال إلى اليوم شيئا سوى هدر الأموال وتزيين وجه النظام المتسلط بمساحيق ديمقراطية.
وليس هذا فحسب بل إن تلك الانتخابات كرست الدكتاتورية أو كما يسميها المناضل والناشط السياسي مقران آيت العربي : الديموكتاتورية.
كيف يمكن الاعتقاد بجدوى هذه الكرنفالات الانتخابية التي فرضت السيد بوتفليقة المريض رئيسا على الجزائر رغم فشله الشامل مدة 20 سنة كاملة؟ ويراد له عهدة خامسة رغم أنه لم يتحدث لشعبه منذ أكثر من 8 سنوات؟ ويأتي حزبان مواليان يتعنتران بكلمة أصبحت سمجة “هذا خيار الشعب”! فأي خيار وتحت أية شروط وضمن أية مؤسسات؟
ولكن لا يجب أن يفهم من خلال استعراض هذه الأمثلة السيئة والفاشلة أننا ضد العملية الانتخابية وإجراء الانتخابات في الجزائر أو في غيرها من بلدان المنطقة وإنما المقصود هو أن للانتخابات شروطا ضرورية إن لم تتوفر ستكون نتائجها وخيمة كتقديم الحكم على طبق من ذهب لقوى ظلامية (جبهة الإنقاذ) أو قوى ريعية فاسدة (نظام بوتفليقة).
فقبل البدء في الشروع في تنظيم انتخابات وسط صحراء ديمقراطية، ينبغي البدء في إرساء قواعد هذه الديمقراطية ومؤسساتها: في بدايتها الفصل بين السلطات بشكل نهائي وإرساء دعائم إدارة مستقلة محايدة وقضاء مستقل وحرية الصحافة والتعبير ووضع قانون انتخابي واضح وهيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات وأخرى لمراقبتها.
وحتى إن توفرت هذه الشروط الإجرائية لتنظيم الانتخابات، فهذا لا يكفي دون إعادة النظر في مفهوم الأغلبية والأقلية فالفوز بالأغلبية ليس معناه سحق الأقلية فجوهر الديمقراطية ليس تغوّل الأغلبية بل هو حماية الأقلية. ومن هنا فلا معنى للحديث عن الانتخابات والديمقراطية في غياب علمانية حقيقية، وهذا لا يتأتى دون عقد اجتماعي عصري.
وخلاصة القول أن الحل ليس الاستمرار في هذه الانتخابات العرجاء التي لا طائل من ورائها كما تبين تجاربنا في الجزائر وإنما يأتي الحل عبر مجلس تأسيسي يمكن بواسطته إعادة بناء الدولة بناء حديثا يضمن عدم العبث بالدستور ومن ثم إجراء انتخابات حقيقية.