استراتيجية مغاربية لسد فجوات الأمن الغذائي حتى عام 2030
أخيرا بدأت الدول المغاربية في بلورة رؤية مشتركة بعيدة المدى للأمن الغذائي لتذليل العقبات المتراكمة، ومعالجة أسباب فشل المحاولات التي بذلت في السنوات الأخيرة لتعزيز الاستثمارات والتعاون في ما بينها في هذا المجال، لدفع عجلة التجارة البينية.
تخطط دول اتحاد المغرب العربي لإعداد وإطلاق استراتيجية شاملة للأمن الغذائي للعمل على بناء قدراتها ورفع جاهزيتها، لمواجهة التحديات المتزايدة في قطاعات إنتاج الغذاء في السنوات القادمة.
واتفق وزراء الزراعة في الدول المغاربية الخمس، في ختام الدورة 18 من اجتماعات اللجنة الوزارية المغاربية المكلّفة بالأمن الغذائي التي عقدت في تونس هذا الأسبوع، على بلورة رؤية مشتركة للأمن الغذائي تمتد حتى عام 2030.
وتعاني دول المنطقة عجزا هيكليا في هذا المجال، إذ لا تتجاوز مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 3.7 بالمئة من إجمالي مساحة الدول الخمس البالغة 5.8 مليون كلم مربع، كما لا تتجاوز مساحة الأراضي المسقية 7 بالمئة من إجمالي المساحة المزروعة.
ودعا الوزراء في بيان حمل اسم “إعلان تونس”، إلى إعداد برامج ومشاريع مغاربية مشتركة في مجال الأمن الغذائي، مع إطلاق العديد من الصناديق المتخصّصة في الأبحاث.
الاستراتيجية المشتركة
- تأسيس بنك مغاربي لجينات البذور
- تعزيز التجارة البينية للمنتجات الزراعية والصيد البحري
- إعطاء دور أكبر للمنظمات المهنية
- إنشاء صندوق طوارئ للأمن الغذائي
- تشجيع استعمال التكنولوجيات الحديثة
وشددوا على ضرورة “تشجيع الاستثمار الخاص بين مختلف الدول المغاربية في مجال الفلاحة والصيد البحري، بما يحقق الرفع من الإنتاج ويوفر فرص عمل جديدة للشباب المغاربي”.
وتحاول تونس والمغرب وليبيا والجزائر وموريتانيا طيلة سنوات ضمن اتحاد المغرب العربي مواجهة التحديات المشتركة، التي تواجهها في شتى المجالات، غير أن هناك بعض الصعوبات في تنفيذ خططها.
ويختزل خبراء أسباب المشكلة الغذائية بالمنطقة في عوامل تتعلق بالاستراتيجيات الحكومية وعدم توفير استثمارات كافية في القطاعين الزراعي والصناعات الغذائية، فضلا عن قضية الاحتباس الحراري.
وللمضيّ قُدما في المخطط على أسس مستدامة، ترى الدول الخمس أن هناك ضرورة اليوم لإنشاء بنك مغاربي لجينات البذور والحبوب والبقول الجافة والنهوض بالتجارة البينية للمنتجات الزراعية ومنتجات الصيد البحري، وتعزيز دور المنظمات المهنية والشبكات المتخصّصة المغاربية ذات الصلة بالأمن الغذائي.
وقد طالبت اللجنة الوزارية بالإسراع في إنشاء صندوق مغاربي للطوارئ خاصّ بالأمن الغذائي للتصدي للآفات الحيوانية والنباتية، وإنشاء المرصد المغاربي للإنذار المبكر للجفاف ودراسة إمكانية توسيع اختصاصاته.
ودعا الوزراء المشاركون في الاجتماعات، إلى العمل على استكمال إجراءات المصادقة على الاتفاقيات المبرمة خلال هذه الدورة في مجالات البيطرة والصيد البحري وتربية الأحياء المائية.
ويعتبر التشجيع على استعمال التكنولوجيات الحديثة والاستشعار عن بعد والمنظومات المتخصصة في استعمال واستغلال مياه الري الزراعي من أهم مرتكزات الاستراتيجية.
ووقعت الدول المغاربية على هامش اجتماعات اللجنة 3 اتفاقيات تغطي مجالات الطب البيطري وتربية الأحياء المائية والتدريب والبحث العلمي.
وتراهن دول المنطقة على عاملين أساسيين لتحقيق أعلى معايير استدامة القطاع الزراعي مستقبلا، الأول يتمثّل في مضاعفة الصادرات مع الضفة الشمالية للمتوسط وتوجيه البوصلة نحو أفريقيا، والذي صار توجّها تفرضه الأوضاع الدولية الراهنة خصوصا من الناحية الاقتصادية.
أما العامل الثاني فيتعلق بتكثيف الجهود من أجل مشاركة مغاربية موحدة في المعارض الدولية، ما يسمح بتحقيق أهداف أكبر وبناء صرح زراعي مشترك قادر على المنافسة.
وأشارت دراسات لصندوق النقد الدولي إلى أن غياب الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة يتسبب في خسارة بين نقطة ونقطتي نمو اقتصادي لكل بلد.
3.7 بالمئة فقط نسبة الأراضي الصالحة للزراعة إلى إجمالي مساحة الدول المغاربية البالغة 5.8 مليون كلم مربع
وقال الصندوق في تقرير الشهر الماضي إن “اندماج دول المغرب العربي الخمس يمكن أن يساهم بدور مهم في استراتيجية تشجيع زيادة النمو في المنطقة، وفي كل بلد مغاربي بنحو نقطة مئوية على المدى الطويل”.
وخلصت دراسة نشرها، بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لتأسيس الاتحاد، إلى أن إجمالي الناتج المحلي المشترك لبلدان المغرب العربي كان من الممكن أن يناهز 360 مليار دولار في حالة الاندماج.
ولا تمثّل التجارية البينة في المنطقة سوى 5 بالمئة من قيمة معاملاتها الخارجية الإجمالية، وفق الأمم المتحدة. وهو رقم ضعيف إذا ما تمت مقارنته بحجم التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي والذي يصل إلى 66 بالمئة من الحجم الإجمالي لمبادلاتها التجارية.
ولحد اليوم، تفضل كل دولة في المنطقة التعامل مع بلدان أوروبا كشريك رئيسي بدل التبادل التجاري في ما بينها تجاريا، حيث تستحوذ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا على معظم تجارة هذه البلدان الخارجية.
ويقول خبراء إن هذا الأمر يكشف بوضوح مدى هشاشة اقتصاديات بلدان المنطقة رغم الجهود المبذولة للانفتاح على الأسواق الخارجية وخاصة الأسواق الأفريقية، ما يجعلها أحوج ما تكون إلى المبادلات التجارية.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن الخمول الحاصل يفقد بلدان المنطقة نحو 3 بالمئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي سنويا، كما يكبّدها خسائر في المبادلات التجارية والتي لا تتجاوز نحو 6 مليارات دولار سنويا.
واللافت، أن كل الترتيبات التنظيمية التي تستدعيها المبادلات التجارية بين الدول مبرمة منذ زمن حيث تم التوقيع على أكثر من 40 اتفاقية، من بينها توحيد الرسوم التجارية والتبادل الحر وتوحيد الرسوم الجمركية.