انقسام في صفوف داعش يسير بمقاتليه نحو الاستسلام أو الفرار
أدى الحصار المفروض على تنظيم الدولة الإسلامية من قبل قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا إلى الزج بمقاتليه في ثلاث فرضيات لا رابع لها وهي إما مواصلة القتال حتى الموت وإما الاستسلام وإما الفرار.
ومع اقتراب نهاية تنظيم الدولة الإسلامية ميدانيا وعسكريا في شرق سوريا، يصر بضعة مقاتلين على مواصلة القتال وهم مازالوا يحلمون بدولة الخلافة المنشودة.
ويرى مراقبون أنه وعلى خلاف الانقسامات التي ضربت سابقا التنظيم المتطرف في سوريا والعراق عندما كان في أوج قوته والتي كانت متمحورة بالأساس حول اختلافات فكرية، فإن موجة الانقسام الحادة التي تضرب التنظيم اليوم وهو محاصر في آخر جيب له مردّها افتقاده لكل القيادات البارزة التي كانت تسطّر خطط ومواقف التنظيم المتطرف.
وينقسم مقاتلو داعش المحاصرون داخل الجيب الأخير في شرق سوريا بين راغبين بالقتال حتى الموت، دفاعا عن “الخلافة”، وآخرين يميلون إلى خيار الاستسلام أو محاولة الفرار من مصير محتوم.
ورغم أن بضعة مقاتلين مازالوا يتمسّكون بالقتال حتى الموت، فإن كل المؤشرات تؤكّد أن طموحاتهم ستبقى ضعيفة بالنظر لافتقاد التنظيم لأبسط القدرات الحربية أو العتاد العسكري الذي قد ينفخ في صورته من جديد.
وفي نقطة الفرز المخصصة لتفتيش الخارجين من الباغوز، يشكك أحمد الجورة (32 عاما) وهو من بين المقاتلين، في قدرة من تبقى من مقاتلي التنظيم على الصمود لفترة طويلة. ويقول “هناك من يريد القتال، وآخرون لا يريدون، ومنهم من يريد الفرار”.
ولم يعد لدى مقاتلي التنظيم وفق أحمد، “مقومات للقتال”. ويسأل “لم يعد هناك من طعام فكيف تقاتل؟ السلاح يحتاج إلى قوة لحمله”.
كما لم تعد، مع اقتراب نهاية داعش، حدة الخلافات وتكررها قابلة للبقاء طي الكتمان، فكل ما يتردد اليوم من أنباء عن انقسامات ما تبقى من التنظيم يشير إلى أن الخلافات الحالية هي نتاج واقع فرضته قوات سوريا الديمقراطية على داعش الذي لم يعد لديه القوة أو القيادات التي يأتمر لها أنصار داعش من المقاتلين.
ويشير أحمد إلى الظروف المعيشية الصعبة في الباغوز مع ندرة المواد الغذائية ومياه الشرب وسواهما. ويقول إنه قرر الخروج مع عائلته لأنه “لم يبق لديّ عمل في الداخل، فالوضع سيء جدا وكنا نشرب مياها متسخة”. وأجلت قوات سوريا الديمقراطية منذ أسبوع أربع دفعات من الباغوز، غالبيتها من النساء والأطفال من عائلات مقاتلي التنظيم. ويقول قياديون في صفوف هذه القوات إنهم ينتظرون انتهاء عملية الإجلاء لشن هجوم على جيب التنظيم المحاصر في حال عدم استسلام المقاتلين المتبقين.
ولم يبق للتنظيم، الذي سيطر في عام 2014 على مناطق واسعة في سوريا والعراق، كانت مساحتها تعادل بريطانيا، إلا عدد من المنازل السكنية في الباغوز وخيم يقيم فيها مقاتلوه إلى جانب المدنيين.
وتروي أعداد من النساء المنقبات أن سيارة تابعة لـ“الحسبة”، أي شرطة التنظيم، تجولت في المنطقة المحاصرة وأبلغت تحديدا العائلات والجرحى بأنّ لهم حرية الخيار في البقاء أو الخروج إلى نقاط قوات سوريا الديمقراطية.
وتقول نور غروش (20 عاما) بينما تفترش الأرض مع زوجة شقيقها وإلى جانبها طفل تكفلت بتربيته بعد مقتل والديه مؤخرا، “المقاتلون موجودون في كل مكان”.
وتضيف الشابة المتحدرة من محافظة الحسكة “يمشون في الشوارع بأسلحتهم وأحزمتهم الناسفة”.
ويقر بعض الخبراء بأن من تبقى من الواهمين بتركيز دولة الخلافة يتعمّدون ترويج خطابات تتظاهر بالقوة في محاولة يائسة لمواصلة ما تعوّد عليه الإعلام الموالي لتنظيم داعش الذي ركز سابقا على إبراز غطرسته لمزيد استمالة المقاتلين، لكن اليوم الوضعية تختلف، فما يعرف بتنظيم الدولة يلفظ أنفاسه ويعيش لحظاته الأخيرة.
ولا يزال الكثير من السوريين والعراقيين والأجانب موجودين داخل الجيب المحاصر وفق شهادات الخارجين حديثا. ويبدو أن الأجانب منهم أو “المهاجرين” كما يسميهم التنظيم، يتمتعون بحظ أوفر من سواهم بسبب قدراتهم المادية.
وتوضح نور “هناك أنصار ومهاجرون.. يشترون ما يريدون، لكن نحن ويا لحسرتنا، لا شيء لدينا” مضيفة “ثمّة أشخاص لم يتأثروا بتاتا بالحصار بينما آخرون ماتوا” جراءه.
وتتحدث عائشة عبدالعظيم، زوجة أخي نور، في الثلاثينات من عمرها، “ثمة الكثير من العائلات في الداخل، أنشأنا خيما من البطانيات وأقمنا فيها”.
ومع عدم توفر “الكثير من الحاجيات”، توضح عائشة “فقط من لديه الأموال قادر على الشراء، أما نحن فنأكل يوما وآخر لا”.