من صفقة القرن إلى الحرب على إيران.. المنطقة رهن الانتخابات الإسرائيلية

يحتدم التنافس بين مكونات الطبقة السياسية الإسرائيلية استعدادا لموعد الانتخابات المزمع تنظيمها في التاسع من أبريل القادم، وهو ما يؤكّد أن تداعيات هذه المحطة الانتخابية على قضايا المنطقة ومسائل كبرى مؤجلة كصفقة القرن ستكون مفصلية بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي منحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصة جديدة لإقناع معسكر اليمينيين ببنود صفقة القرن عبر تأجيله لتقديم ملامحها إلى فترة ما بعد الانتخابات، كما أن انتخابات الكنيست لن تثير كسابقاتها القضايا المعتادة، كالأمن والاقتصاد والانقسامات الدينية والاجتماعية، بقدر ما ستكون اختبارا جديدا  لمدى أهلية نتنياهو لمواصلة العمل كرئيس للوزراء وهو متهم في ثلاث قضايا فساد، علاوة على كونها ستكون أيضا امتحانا صعبا لوعود الحكومة الإسرائيلية المعادية لنفوذ إيران في المنطقة.

يحتدم التنافس في إسرائيل قبيل شهر من إجراء الانتخابات التشريعية المرتقبة في التاسع من أبريل القادم، بعدما أبرم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو اتفاقا مع ثلاثة أحزاب صغيرة من اليمين المتطرف، وأعلن ثلاثة رؤساء أركان سابقون ويائير لابيد عن تحالف انتخابي سينافس حزب الليكود في محطة انتخابية مفصلية لا تعني إسرائيل، المدعومة أميركيا في كل الظروف، بقدر ما تعني ملف السلام في الشرق الأوسط وأمن بقية المنطقة عموما، وفرص الحرب مع إيران بشكل خاص.

تفاقم الاستقطاب الحاد بين اليسار وأقصى اليمين الإسرائيلي بعدما أعلن خصما نتنياهو الرئيسيان بيني غانتز ويائير لابيد عن تشكيل تحالف بهدف هزيمته في الانتخابات التشريعية المبكرة في 9 أبريل.

ويتصدر نتنياهو وحزب الليكود نوايا التصويت في استطلاعات الرأي، لكن رئيس الوزراء يواجه احتمال إعلان المدعي العام قبل 9 أبريل نيته توجيه الاتهام رسميا إلى رئيس الوزراء في عدد من قضايا الفساد، ما يلقي بظله على الحملة الانتخابية.

وأفاد كل من الرئيس السابق لهيئة الأركان بيني غانتز والوسطي يائير لابيد في بيان عن تشكيل لائحة مشتركة، مؤكدين أنهما سيتوليان مهام رئاسة الوزراء مداورة في حال فوزهما.

وأنشأ غانتز مؤخرا الحزب الوسطي “مناعة إسرائيل”، فيما يترأس لابيد حزب يش عتيد (هناك مستقبل) الذي يعد حاليا 11 نائبا من أصل 120 في البرلمان.

كابوس صفقة القرن

تشير التحقيقات إلى أن غانتز ولابيد هما الخصمان الرئيسيان لنتنياهو الذي يتصدر استطلاعات الرأي بالرغم من التحقيقات التي تستهدفه في قضايا فساد.

تمنح المتغيرات الإقليمية والدولية الانتخابات الإسرائيلية أهمية خاصة لما ستحمله من نتائج ستنعكس بصفة مباشرة على قضايا من قبيل صفقة القرن التي سيطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ورغم أن الكثير من المحللين يرجّحون أن يكون بنيامين نتنياهو صاحب الحظ الأوفر في تشكيل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات الوشيكة، فإنهم يقرون أيضا بأن رئيس الوزراء الحالي بدأ يفكّر من الآن بشأن آليات إقناع المعسكر اليميني المشارك في الائتلاف الحكومي بصفقة القرن التي تنوي الإدارة الأميركية طرحها مباشرة عقب الانتخابات.

إن فشل نتنياهو في إقناع اليمينيين بخطة ترامب لإحلال السلام مع الفلسطينيين لن يمكنه حتى وإن فاز بالانتخابات من تشكيل الحكومة، ما سيجعله بالنهاية يبحث عن تحالفات جديدة مع أحزاب الوسط واليسار التي تنافسه في الانتخابات.

ويستدل جل المراقبين لدى الحديث عن الامتحان الصعب الذي يمر به نتنياهو بتلك الفرصة الذهبية التي منحها إياه دونالد ترامب الذي مرر رسالة في مؤتمر وارسو عبر مبعوثه للشرق الأوسط جاريد كوشنر أعلن فيها عن تأجيل تقديم صفقة القرن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وهو ما رأى فيه العديد من المحللين محاولة لتجنيب نتنياهو خسارة أصوات المعسكر اليميني خلال الانتخابات.

وتكشف متابعة نسق الحملات الانتخابية في إسرائيل وتزامنها مع تسريب بعض ملامح صفقة القرن بأنها ستجعل نتنياهو أمام عقبة رفض المعسكر اليميني المتحالف معه بتعلة أن الصفقة لا تختلف كثيرا عن مقترحات سابقة قدمتها الإدارات الأميركية أو حتى المبادرة العربية.

وتزامنا مع وجود تقديرات بأن الخطة الأميركية ستواجه رفضا في إسرائيل، اتهمت حكومة نتنياهو أيضا السلطة الفلسطينية بالتدخل في الانتخابات الإسرائيلية من خلال تحريك وساطات بين النواب العرب والقوائم التي يجري الإعداد لها بهدف إسقاط صفقة القرن.

وعبّرت الرئاسة الفلسطينية عن رفضها الاتهامات الإسرائيلية، بشأن تدخلها في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، مشيرة إلى أن موقف الرئاسة ثابت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية.

وفي سياق الخطوة الأخيرة، رد حزب الليكود على التحالف الانتخابي المنافس لنتنياهو بقوله في بيان “إن الخيار بات واضحا؛ إما حكومة يسارية بين لابيد وغانتز تدعمها الأحزاب العربية وإما حكومة يمينية بقيادة نتنياهو”.

مستقبل العلاقات الإسرائيلية

الخصم اللدود لنتنياهو
الخصم اللدود لنتنياهو

في قلب المعارك الانتخابية في إسرائيل وخاصة تداعياتها على القضايا الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، يرجح وفق استطلاعات الرأي أن يفوز نتنياهو في الانتخابات، لكن على عكس الانتخابات السابقة، فإن نتنياهو اليوم لديه منافس قوي هو بيني غانتز رئيس هيئة الأركان السابق للجيش الإسرائيلي، الذي أعلن عن ترشحه في 29 يناير. فقد لا يتمكن غانتز من هزيمة نتنياهو، لكن ظهوره كمرشح سيكون كفيلا بإعادة رسم الخارطة السياسية لإسرائيل وخاصة إعادة ترتيب علاقات إسرائيل مع دول العالم والمنطقة.

وفيما يعتقد أن إعادة انتخاب نتنياهو ستفتح صفحة حروب جديدة، تذهب قراءات أخرى إلى اعتبار أن نهاية حقبة نتنياهو ستخلق ديناميكيات جديدة للعلاقات الأميركية-الإسرائيلية، وملف السلام في الشرق الأوسط.

ويؤكّد تقرير نشره مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية الأميركي أن قائد الحكومة الإسرائيلية المقبلة سيواجه تصاعدا في التوتر بين غزة والضفة الغربية وسوريا التي تهدد بالتحول إلى عنف واسع النطاق وصراع بين إسرائيل وإيران.

ويشير إلى أنه  يتعين على الحكومة الإسرائيلية المقبلة أن تتعامل مع الولايات المتحدة التي لن تحمل نفس درجة الود تجاهها، بسبب تزايد مخاوف حزبيها من العلاقات الصينية الإسرائيلية، وزيادة تشكيك بعض الديمقراطيين في الكونغرس في استراتيجيات البلد.

ويرجح إمكانية أن تكون الانتخابات العامة الإسرائيلية القادمة بداية لعصر جديد من السياسة في البلاد. فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تبين تفوق رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وحزبه الحاكم اليميني الحاكم، إلا أن السخط المتزايد تجاهه خلق طريقا لمنافسه اليساري المعتدل بيني غانتز لتولي رئاسة الحكومة وإعادة تشكيل علاقات إسرائيل القريبة والبعيدة.

المتغيرات الإقليمية والدولية تمنح الانتخابات الإسرائيلية أهمية لما ستحمله من نتائج تنعكس على قضايا المنطقة

لكن بغض النظر عمن سيفوز، ستظل الحكومة القادمة مضطرة للتعامل مع تهديدات إيران والأراضي الفلسطينية، التي يمكن أن تتحول بسهولة إلى صراع كبير. كذلك، سيتعين عليها التعامل مع حكومة أميركية تنتقد علاقاتها مع الصين، وسياسيين أميركيين منتقدين لإجراءاتها.

ويعود التقرير الأميركي إلى عمق الصراع السياسي بين اليسار واليمين المعتدلين، فعمق الفجوة بينهما انطلق منذ تأسيس إسرائيل عام 1948. فقد كانت الخلافات بينهما متجذرة وخاصة في كيفية التعامل مع السلام العربي-الإسرائيلي، حيث تبنى يسار الوسط سياسة تبادل الأراضي للحصول على اعتراف جيرانهم العرب، إلى أن أقصاه اليمين المعتدل سنة 1977، والذي يفضل توظيف القوة السياسية والعسكرية كوسيلة لكسب الاعتراف الإقليمي.

ومع ذلك، تقدم انتخابات عام 2019 طريقا لليسار المعتدل لاستعادة الحكومة بعد عقود من الإقصاء. ولذلك أصبح نتنياهو وحكومته اليمينية ضعيفة وائتلافه منقسم، يتنازع الناخبون اليمينيون المتدينون مع مؤيديه القوميين الأكثر اعتدالا، وقد قوضت حروبه المتكررة مع حماس في غزة سنة 2018 سمعته كقائد ذي سياسات أمنية.

ويؤكد التقرير أن بيني غانتز وهو رئيس سابق لهيئة الأركان العامة العشرين لجيش الدفاع الإسرائيلي وزعيم حزب “حوسين لإسرائيل” يستغل  استياء الإسرائيليين المتنامي من فترة رئاسة نتنياهو الطويلة، في سعيه لنيل المنصب. وتشير أرقام الاستطلاعات إلى أن لحزبه فرصة واقعية للانتصار، خاصة إذا ثبتت تهم نتنياهو.

لا تغيير في المواقف تجاه إيران

موقف دائم بضرورة ردع إيران
موقف دائم بضرورة ردع إيران

تختلف التصورات والرؤى لدى الحكومات الإسرائيلية، لكن مواقفها المتماهية في علاقة بوجوب ردع مخاطر إيران لا تتغيّر خصوصا مع محاولة طهران استغلال المتغيرات الإقليمية لمزيد التمدّد في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

ويشير تقرير ستراتفور إلى أن قائد الحكومة المقبلة سيضطر إلى اعتبار تهديد برنامج إيران النووي المتنامي، والرغبة في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية هدفا أسياسيا.

وبخلاف نتنياهو فإن سجل غانتز العسكري، الذي يتضمن نيله منصبا قياديا خلال حرب سنة 2014 مع حماس في غزة، يشير إلى أنه سيكون حازما مثلما كان نتنياهو في ملاحقة هذا التهديد.

وتتدعم هذه الفرضية مع ظهور تقارير تفيد بأن إيران تستخدم وكلاء في العراق لتسليح حلفائها في الميليشيات هناك بالقذائف والصواريخ. ويمكن أن يدفع التهديد القائد الإسرائيلي القادم لتكرار جوانب من استراتيجية الغارات الجوية الهجومية على سوريا.

وبالتالي، ستضطر الحكومة الإسرائيلية المقبلة إلى التعامل مع الكونغرس الذي أصبح منتقدا لسلوك إيران العسكري، مما يعني أن إسرائيل قد لا تكون قادرة على الاعتماد على دعم أميركي أوتوماتيكي في التصعيد ضد إيران في مناطق مثل سوريا أو العراق.

ويخلص خبراء ستراتفور إلى أن إسرائيل في السنوات القادمة لن تتمكن من الاعتماد على الطرق القديمة التي استخدمتها في الماضي، بمعنى أنه على كل من يقودها مستقبلا محاولة إيجاد طرق جديدة للحفاظ على موقع البلد في الشرق الأوسط.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: