نتوق للرومانسية ولا نعيشها
الرومانسية ليست كالديناصورات يمكن أن تنقرض، وتصبح مجرد ذكرى من أزمنة عنتر وعبلة وروميو وجوليات وقيس وليلى وغيرهم، إنها مشاعر تطوّرت عبر الزمن بداخل الإنسان لأسباب ودوافع وجيهة، ومن حسن الحظ أن قول “أحبك” يظل أقصر وأعمق وأجمل طرق التعبير عن الحب، والأهم من هذا كله أنها بلا مقابل مادي.
الرومانسية بوصفها لغة التعبير العاطفي والحسي والحميمي عن الحب، تلعب دورا حيويا في الطريقة التي نتفاعل بها مع شركاء حياتنا أو الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات عاطفية، بل تثير الراحة والأمان في أنفسنا، وتجعلنا نتفاعل مع العالم المحيط بنا على نحو رائع.
لكن ثمة مشكلة شائعة يشتكي منها معظم الأزواج في عصرنا الراهن؛ فخلال السنوات الأولى من عمر الزواج، يكونون أكثر إحساسا بالسعادة الزوجية، وبعد مرور بضع سنوات يبدأ حبهم في الخفوت، ويتراجع إحساسهم بالسعادة الزوجية، ويزيد شعورهم بالبرود العاطفي تجاه بعضهم.
ولو سألنا البعض من الأزواج عن السبب، فحتما ستكون الردود مشحونة بكلمات الحسرة والـتأسي عن الحب الذي لم يعد موجودا، وعن المشاعر الرومانسية التي جفت ولم تترك وراءها غير صدى الملل.
من الحتمي إذن، أن تشكل الروايات الرومانسية تجارة مربحة في عدة بلدان، فتصل مداخيلها في بعض الدول إلى ملايين الدولارات، متقدمة بشكل كبير على مبيعات قصص الخيال العلمي والألغاز، وغيرها من الكتب الأدبية الأخرى، وكذلك الشأن بالنسبة للمسلسلات والأفلام الرومانسية التي كانت في معظمها سببا في نشوب العديد من المشاكل الزوجية، وفق ما أفصح عنه البعض في جلسات المحاكم في البلدان العربية.
رغم أن هذه الروايات والأفلام، يمكن أن تمثل مصدرا مهما للتوعية والتثقيف، وفسحة للابتهاج والأمل للأشخاص غير المتزوجين، ولكن المشكلة تكمن في أن معظم موضوعاتها وقصصها تتمحور حول العلاقات المثالية بين الأزواج، فقد تظهرهم مثلا على درجة عالية من التفاهم والتوادد المثاليبن، ويمارسون الجنس بشكل ممتاز وعلى الدوام، ويفهمون على بعضهم من نظرة العين، وهذا كله يرفع سقف توقعات الأزواج من شركاء حياتهم، فيطالبونهم بما هو أكثر من طاقاتهم وبأشياء بعيدة كل البعد عما يجب أن يكون في العلاقات الزوجية الحقيقية.
والأسوأ من هذا كله أن معظم الأزواج يدركون أن العلاقات المثالية أمر غير موجود في الواقع، إلا أن البعض منهم ينساق وراء الصور التسويقية للقصص الخيالية، خاصة في ظل التضخيم الإعلامي والتجاري المحيط بها، ما يجعل الكثيرين ينساقون وراء الوهم بدلا من النظر إلى الواقع المحيط بهم.
الرومانسية مطلوبة في علاقاتنا العاطفية، وهي أفضل وسيلة لإنجاح الزواج وإذابة الجليد الذي يتكون بين الزوجين مع مرور الوقت، لكن المشكلة الكبرى تكمن أيضا في التوقعات المجتمعية التي تطالب المرأة دائما بأن تكون لطيفة وحنونة ومعطاء في كل شيء، في حين يُتوقّع من الرجل أن يكون معيلا للأسرة وحازما وجديا حتى في الأوقات الحميمية التي يفترض أن يبادل فيها زوجته أحاسيسها العاطفية.
وتلعب الأعراف الاجتماعية دورا مهما في هذا الصدد، فالكثيرون في المجتمعات العربية والإسلامية ينعتون المرأة التي تعبر عن حبها للرجل بالوقحة، فيما يطعن الرجل الذي يفصح عن مشاعره لامرأة في رجولته.
ولكني أعتقد أن النصيحة الأثمن والتي جميع الأزواج على حد سواء في حاجة إليها جاءت على لسان الكاتب الأميركي غريغوري جوديك في قوله “الحياة أصبحت صعبة جدا بسبب التغييرات التكنولوجية السريعة من حولنا، ولذلك علينا قبل أن تجف مشاعرنا نتيجة تعاملنا الدائم مع الأجهزة أن نتذكر أننا بشر ولدينا أحاسيس وعواطف، ومن المهم أن ننتشل تعابيرنا الرومانسية من الضياع في زحام الحياة”.
وهذا في حد ذاته تأكيد على أن همسات الحب ليست مجرد إطراء بلا مناسبة، بل هي كلمات فارقة في حياة كل زوجة وزوج مهما كان عمرهما، فيكفي قول كلمة “أحبك”؛ فإن مفعولها سيكون سحريا وآنيا، إذ ستؤدي إلى تراجع إفراز هرمون الإجهاد “الكورتيزول”، وتحفيز هرموني الأوكسيتوسين والبرولاكتين، اللذين سيجعلان الشريك يشعر بالسعادة وراحة البال.