ركوب الخيل في المغرب يشفي من الأسقام

يعد العلاج عن طريق ركوب الخيل من الوسائل العلاجية الطبيعية الحديثة المستخدمة في علاج الكثير من حالات الإعاقة كشلل الدماغ والعديد من الاضطرابات الحسية والحركية؛ فركوب الخيل  يساعد على تطوير توازن الجسم وتنشيط بعض العضلات المهمة كعضلات الظهر والأرجل، كما يساعد على استعادة الثقة بالنفس وبالآخرين، فالخيل معقود في نواصيها الخير، كما يقول العرب.

التقى الأمير البريطاني هاري وزوجته ميغان ماركل الاثنين بمجموعة من الشباب والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يخضعون لبرنامج علاج بالاستعانة بالخيول، كما التقيا بأطفال آخرين يعانون من التوحد وأمراض نفسية أخرى، في المركز الملكي لرياضة الفروسية بمدينة سلا المجاورة للعاصمة المغربية الرباط.

ويعتبر العلاج بركوب الخيل إحدى الطرق العصرية للعلاج وتنمية القدرات على الحركة والتوازن، وتدعيم الثقة بالنفس وبالآخرين على أسس علمية سليمة وبإشراف مختصين في هذا النوع من العلاج.

وتحدثت ميغان إلى عدة أطفال وشباب في هذا المركز، بينهم زكريا (20 سنة) الذي استطاع بفضل هذا البرنامج تحسين قدراته الحركية. وتمكن زكريا من تحسين الأداء الحركي العام من حيث وضعية الجسم ووضعية الجلوس والوقوف بالتمارين التدريجية على ركوب الخيل، كما يبدو أنه ازداد ثقة بالنفس وبقدراته وإمكاناته بإشراف المختصين المشرفين على العلاج في المركز.

كما تحدثت ميغان التي ظهرت في زي للفروسية إلى إكرام (19 سنة) المصابة بمتلازمة داون التي تؤدي إلى ضعف في القدرات الذهنية والنمو البدني.

وأكد الأخصائيون أن ركوب الخيل يشكل جزءا مهما في علاج الأطفال الذين لديهم متلازمة داون، حيث أنه يكسبهم كمّا كبيرا من المؤثرات التعبيرية والجسدية والنفسية ويحسّن تفاعلهم مع المحيط الخارجي، مبيّنين أن المتوحد على ظهر الخيل يبذل جهدا في البقاء على الوضع الصحيح للجسم وتوازنه ويقوم بتحريك مجموعة من العضلات اللازمة لذلك.

هذه الحركات التي يقوم بها أو يساعده المختص على القيام بها من خلال تعليمات شفهية أو مساعدة يدوية تفيد جدا في تطوير توازن الجسم، وفي تحسين وتطوير وتقوية الحركة في مجموعة مهمة من عضلات الجسم، مثل عضلات الظهر وعضلات الرجلين، ومجموعة أخرى من العضلات الصغيرة في الجسم، ويمتد هذا التأثير الجيد إلى حركة المفاصل وليونتها ووضعية الجسم. وشاهد الزوجان بعض الأطفال الذين استفادوا من برنامج العلاج بمساعدة الخيول في أحد برامج النادي المقامة في ساحاته في الهواء الطلق.

وقالت إكرام التي بدأت ركوب الخيل في النادي قبل شهر، “أنا أحب التواصل مع الخيول، فذلك يجعلني أشعر بالراحة والثقة بنفسي، كما يبعث فيّ ركوب الخيل الرغبة في أن أكون في الخارج، مع الطبيعة”.

ويؤكد الخبراء في العلاج بركوب الخيل، أنه بالإضافة إلى الجانب الحركي والصحي،  فإن لاستخدام الخيول آثارا نفسية على المريض، إذ أنه يعزز ثقته بنفسه، ويحسن قدرته على الإحساس بالمخاطر، ويساهم في دمجه في المجتمع بكل ثقة لإحساسه أن ركوب الخيل يحتاج إلى مهارة عالية.

وعبرت ميغان عن إعجابها بشجاعة إكرام وبما حققته، قائلة “أتصور أن هذه الأنشطة علاجية وتساعد على التأمل”. ومازح الأمير هاري المعروف بشغفه الشديد بالخيل، الحاضرين طالبا منهم تقديم بعض الجزر لإطعام الخيول.

فريق عمل متناسق

الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل يلتقيان بمجموعة من الشباب والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز الملكي لرياضة الفروسية في الرباط
الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل يلتقيان بمجموعة من الشباب والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز الملكي لرياضة الفروسية في الرباط

التقى الأمير وزوجته، خلال جولتهما في النادي الملكي للفروسية، بطاقم العاملين، واستمعا منهم لشرح حول فائدة قضاء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ومن يعانون من أمراض نفسية بعضَ الوقت مع الخيول.

كما التقيا بأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وهم يعتنون بالخيول في النادي الملكي، واستمعا إلى حديثهم عن كيفية قضائهم الوقت مع الخيول، الأمر الذي يعتبر مصدر علاج لهم، فمن  خلال رعاية الخيل يكتسب الطفل الذي لديه مشكلات سلوكية مهارات جديدة تساعده في نشاطات حياته اليومية، وتخفف من التوتر والقلق النفسي أو الإحساس بالإحباط والخوف من الفشل أو الخوف من التعرض للانتقاد المستمر وخاصة الأطفال الذين يتعرضون لانتقاد مستمر من قبل الأبوين أو أفراد الأسرة. وقال لويس بروسكي الذي درب الخيول لأكثر من 30 عاما، ويعتبر من الشخصيات الرائدة في المغرب في مجال الفروسية العلاجية، “مثّل عملي في دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع المغربي تحديا، لقد بدأت مع طفل واحد، وبعد 16 سنة أصبح علاجنا يشمل 100 طفل”.

وبدا الزوجان مرحين وهما يتجاذبان أطراف الحديث مع مسؤولين في جمعيات ومدربين متخصصين في البرامج التي تستعين بالخيول في تمارين للتقوية البدنية.

ويتكون فريق العمل في المركز من مجموعتين تعملان معا بانسجام وتعاون، فمجموعة العمل الأولى تهتم بالخيول من حيث طعامها ونظافتها وسياستها وعلاجها بيطريا.

أما مجموعة العمل الثانية فتهتم بعلاج المنتفعين بركوب الخيل، وتتكون من أطباء مختصين ومشرفين على العلاج بركوب الخيل ومعالجين طبيعيين وآخرين وظيفيين.

وأوضح أحد المعالجين كيفية تعويد الأطفال على المهور قبل أن يبدأوا ركوبها عبر مراحل تدريجية، “في البداية علينا أن نقرّب الطفل من حصانه من خلال لمسه والمشي معه في عدّة جلسات من التركيز حتى يتقرّب من حصانه ويصبح قادرا على ركوبه ومتحكّما فيه”.

وقالت ميغان “إنه أسلوب عمل رائع وشامل، ما تفعلونه جميعا هنا هو أمر مدهش ومبهر حقا”. وأضاف الأمير “أنتم تمتلكون المساحة والخيول، و(تحظون بـ) دعم الملك. استمروا في هذا العمل الرائع. سيكون من الرائع رؤية المزيد من هذا في مختلف مناطق المغرب”.

أمراض التوحد والخوف

الخيول تساعد على الاندماج
الخيول تساعد على الاندماج

شاهدالأمير هاري وميغان عرضا للفروسية في ساحة أخرى، أين امتطى ثلاثة أطفال مصابين بالتوحد مهورهم، فركوب الخيل يشكّل عالما خاصا للمصابين بالتوحد حيث يؤدي هذا العلاج إلى نتائج مذهلة تحسّن وضع الطفل وتدعم دمجه في المجتمع، وتقوّي علاقته مع الأهل، بحسب ما يؤكده المختصون في المركز. فهذا العلاج بعد عدة مراحل يصبح قادرا على كسر الحاجز بين المريض والعالم الخارجي.

في المرحلة الأولى يقترب الأخصائي من الطفل المتوحّد ويعرّفه إلى جواد صغير كصديقه الجديد، ليكسب ثقته، ثم يبدأ الطفل بركوب الجواد، ومع الوقت يتعلّم كيفية التحكّم فيه، والقوانين التي عليه اتّباعها ليستمع إليه حصانه، وينفّذ ما يطلبه منه. فالقوانين هي أكثر الأشياء التي يعجز المتوحّد عن تطبيقها، لذلك لا يستمع إلى أهله ولا ينفّذ ما يريدونه. وأوضح أحد المعالجين كيفية تعويد الأطفال على المهور قبل أن يشرعوا في ركوبها عبر مراحل تدريجية.

ويشرح المختصون العلاقة بين الطفل والحيوان بصفة عامة، إذ يعتمد العلاج بالحيوان على خلق علاقة وطيدة بين الإنسان والحيوان، وهو ما يدفع بسهولة نحو التفريغ

العاطفي وإسقاط المريض لعوالمه الداخلية على الحيوان، وذلك يسهّل على المعالِج فهم الحالة والتعامل معها. ويؤكد هؤلاء على أن الخيول قادرة أيضا على معرفة مشاعر المريض والتعامل معه، وكذلك الاستجابة الفورية لطلب المريض والتفاعل معه. ويقول الأخصائيون في المركز إن العلاج باللجوء إلى الخيول يجمع بين الجانب النفسي والجانب العضوي لدى المصابين، مؤكدين أن الخيول لديها القدرة على الاستجابة الفورية وإعطاء ردة الفعل لنشاط المريض أو سلوكه كما أنها قادرةٌ أيضا على معرفة مشاعر المريض والتعامل معها.

ويعتمد العلاج باستخدام الخيول على أسلوب علمي منظم له أسسه العلمية، وأخصائيوه ومستخدموه، وسمي العلاج النفسي باستخدام الخيول، ويشمل مجموعة من النشاطات المتبادلة مع الحصان وطرق التعامل معه والقيام برعايته وتدريبه وقيادته والقفز باستخدامه، ويقوم بهذا النوع من العلاج المعالج النفسي بمساعدة مدرب الخيول.

ويساهم العلاج باستخدام الخيول في علاج العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية وذلك من خلال التأثير الايجابي على التواصل مع مختلف الأشخاص المحيطين وتنمية الثقة بالنفس والنمو العاطفي السوي وتحسين صورة الفرد عن ذاته، من خلال تمكين الشخص من السيطرة على حيوان كبير مثل الحصان وقيادته والتحكم فيه، الأمر الذي يعزز ثقة المريض بذاته وبقدراته، ويراجع عملية تقييمه لذاته من منظور إيجابي.

ولقد استخدم العلاج بركوب الخيل كإحدى تقنيات تعديل السلوك للأطفال والبالغين الذين لديهم مشكلات سلوكية، حيث استخدم الحصان كمعزز للسلوكيات الإيجابية التي يمارسها الطفل والشاب، بحيث يقوم الأخصائي النفسي بالسماح للطفل أو الشاب بركوب الحصان كلما أظهر سلوكا تكيفيا مرغوبا فيه، وحرمانه من ذلك كلما ظهرت منه السلوكيات غير المرغوب فيها، وهذا ما يعرف في تعديل السلوك باسم طريقة بريماك التي تعتمد على استخدام النشاط المحبب لدى الطفل كمعزز لسلوكيات أخرى، فكلما قام الطفل بأداء جيد قام المعالج بعملية تعزيز لهذا السلوك.

ومن أهم السلوكيات أيضاء التي يستخدم فيها هذا النوع من العلاج السلوكيات العدوانية التي تحتاج إلى التفريغ النفسي والانفعالي، وكذلك سلوك الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة.

وتقوم جلسات تعديل السلوك باستخدام الخيل على مبدأ أن العناية بالخيول وإطعامها وتقديم الرعاية لها والتدرب على ركوبها سوف تجعل الشخص يركز أو يوجه انتباهه إلى أمور جديدة ويصرف تركيزه واهتمامه إلى المشكلة إلى يعاني منها، بمعنى أن رعاية الخيول والتدرب على قيادتها يوفران راحة نفسية من المشكلة التي يعاني منها الفرد ويوفران له طاقة إضافية للتعامل مع الصعوبات التي يعاني منها.

ومن أشهر العلاجات ركوب الخيل العلاجي، الذي يهدف إلى مساعدة الأطفال المصابين باضطرابات الخوف للتغلب على الخوف، ولاكتساب أدوات السيطرة وحفظ أمنهم الشخصي على ظهر الخيول، وهو ما يساعدهم على بناء ثقة متبادلة مع الحيوان، وهو ما سينعكس لاحقاً على علاقاتهم مع الإنسان.

مهمّشون في حماية المركز

ركوب الخيل يساعد الأطفال على التخلص من مشكلة النطق إذ لا يشعرهم بأنهم  في حصة علاج
ركوب الخيل يساعد الأطفال على التخلص من مشكلة النطق إذ لا يشعرهم بأنهم  في حصة علاج

التقى الزوجان في النادي الملكي للفروسية مع شباب من أوساط محرومة، استفادوا من برامج المركز. وتحدث إدريس -يبلغ من العمر 24 عاما وكان يعاني من مشكلة في النطق- عن مرحلة شبابه التي طغى عليها العنف والمخدرات.

ويساعد العلاج عبر ركوب الخيل في علاج مشكلة النطق لدى الأطفال، إذ غالبا ما يشعر الأطفال بتعب شديد وملل من كثرة تمارين العلاج لتحسين النطق لديهم، ما يجعلهم يرفضون العلاج أحيانا. و لكن ركوب الخيل لا يشعرهم بأنهم في حصة علاج، فيقدمون أداء أفضل لا يخلو من المتعة والمرح.

وعبر إدريس عن دور برنامج الفروسية العلاجي في مساعدته على استعادة ثقته بنفسه وجعله يشعر بالهدوء والأمان. وبعد الدورات العلاجية، أصبح إدريس يمتلك وظيفة في المركز حيث يساعد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة على تطوير مهاراتهم وتعلم ركوب الخيل.

الأمير هاري الذي نشأ على الفروسية ولا يزال يلعب البولو عبر عن إعجابه بشجاعة إدريس، قائلا “ما تقوم به هنا في المركز مدهش، مع أنك شخص فقد ثقته في كل الأشخاص من حوله منذ طفولته، لكنك تمكنت من وضع ثقتك في الخيول، إن الثقة بيننا وبين الخيول شيء مميز للغاية.. أنا أشتاق إلى خيولي القديمة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: