بغداد تتطوع لتخليص باريس من عبء مواطنيها المنتمين لداعش
عودة الفرنسيين الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم داعش في العراق وسوريا إلى بلدهم، تطرح تحدّيات كبيرة على باريس المحكومة بضوابط قانونية وقيم حقوقية صارمة، يمكنها أن تشكّل عائقا أمام معالجة ملفات هؤلاء بالكيفية الناجعة أمنيا واجتماعيا، ولذلك تبدو حكومة ماكرون شديدة الاهتمام بالتخلّص منهم وتحميل عبئهم للعراق.
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، نيّته زيارة العراق في الأشهر المقبلة مؤكّدا عزم بلاده المشاركة في جهود إعادة إعمار المناطق العراقية المدمّرة بالحرب.
وكان ماكرون يتحدّث خلال مؤتمر صحافي مشترك بباريس مع الرئيس العراقي برهم صالح الذي أعلن من جهته أنّ بلاده ستحاكم مواطنين فرنسيين ألقي عليهم القبض أثناء قتالهم في صفوف تنظيم داعش في سوريا، وتمّ تسليمهم للسلطات العراقية.
ووصف المطّلعون على الشأن الفرنسي هذا الإعلان بـ“الحيوي لباريس الراغبة في التخلّص من المواطنين الذين يحملون جنسيتها وتورّطوا في القتال إلى جانب تنظيم داعش في سوريا والعراق خلال السنوات الماضية بينما تقف في طريق عودتهم إلى فرنسا محاذير أمنية وقانونية، وقد تنجرّ عن تلك العودة والفشل في معالجة ملفاتهم بالكيفية الناجعة والملائمة تبعات سياسية لماكرون وحزبه الحاكم”.
وتتحدّث مصادر عراقية متعدّدة عن بوادر صفقة بين بغداد وعواصم غربية على رأسها فرنسا لتخليص تلك العواصم من عبء مواطنيها الذين انتموا إلى داعش.
ومن شأن الحديث الفرنسي عن “مغريات” المشاركة في الإعمار بالتزامن مع إعلان رسمي عراقي عن محاكمة عناصر داعش الفرنسيين في العراق، أن تدعم ما ذهبت إليه تلك المصادر.
وتضع القوانين الفرنسية والقيم الحقوقية المطبّقة في البلد الكثير من الشروط والضوابط الصارمة التي من شأنها أن تعقّد عملية محاكمة العائدين من ساحات القتال بالخارج، لاسيما النساء اللاتي يصطحبن أطفالهنّ المولودين في سوريا والعراق والمفتقرين للوثائق والأوراق الثبوتية.
ويخشى طيف واسع من اختلاط المنتمين إلى داعش بأفراد المجتمع الفرنسي سواء داخل السجون أو خارجها مما قد يكون سببا في نشر الأفكار الجهادية المتشدّدة.
وأوضح الرئيس العراقي، الاثنين، عقب محادثات أجراها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه ستتم مقاضاة المقاتلين الذين يتم تسليمهم إلى بغداد من قبل قوات سوريا الديمقراطية بموجب أحكام القانون العراقي.
وأضاف أن بلاده تسعى لتسلم ومحاكمة المقاتلين الذين انخرطوا في جرائم ضد العراق والمنشآت والجنود العراقيين.
وأفاد مصدر حكومي عراقي تحدّث لوكالة فرانس برس أن بغداد تسلّمت من قوات سوريا الديمقراطية 14 من مقاتلي داعش يحملون الجنسية الفرنسية.
طيف واسع من الفرنسيين يخشى اختلاط المنتمين إلى داعش بأفراد المجتمع الفرنسي سواء داخل السجون أو خارجها
وفي السياق ذاته كشف تقرير لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، الاثنين، نقلا عن مصدرين عسكريين عراقيين، عن تسلم العراق 20 عنصرا من تنظيم داعش منهم 14 فرنسيا من قبل قوات سوريا الديمقراطية قسد”.
ونقلت الصحيفة عن “ضابط عراقي في القوة المتمركزة بالقرب من الحدود السورية، والذي أشرف على نقل السجناء”، قوله إن “عشرين من الأجانب سلموا إلى الجيش العراقي مع مجموعة من الجهاديين العراقيين”.
وبحسب الصحيفة فقد جاء نقل المعتقلين في الوقت الذي مارس فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمقاتلون الأكراد الضغط على العواصم الأوروبية لإعادة مواطنيهم المحتجزين خلال الحملة على داعش في شرق سوريا.
ولطالما أصرّت فرنسا على ضرورة محاكمة مواطنيها محليا بعد إلقاء القبض عليهم في سوريا أو العراق، في موقف يشير معارضوه إلى أنه قد يتركهم يواجهون عقوبة الإعدام المحظورة في فرنسا.
وشدد ماكرون على هذا الموقف الاثنين قائلا إنّ “الأمر عائد إلى سلطات هذه الدول لاتخاذ قرار بشكل سيادي، بشأن محاكمتهم هناك”.
وأضاف “يحق لهؤلاء الأشخاص الاستفادة من حمايتنا القنصلية وسيتم تقديم خدمتنا الدبلوماسية” لهذا الهدف.
وذكر ماكرون كذلك أنه سيزور العراق خلال الأشهر المقبلة، بعدما أعلنت بلاده في يناير الماضي أنها ستساهم بمبلغ مقداره 1.1 مليار دولار لإعادة إعمار المناطق العراقية.