أحزاب مغاربية تدعو للوحدة والنضال ضد التطرف وفوضى السلاح
تقتضي اللحظة السياسية والتاريخية الفارقة التي تمر بها شعوب المنطقة العربية الوحدة والنضال ضد تحديات مشتركة تهدد أمنها، أبرزها ملف الإرهاب مع احتضار دولة الخلافة في سوريا والعراق وتداعيات عودة الجهاديين إلى بلدانهم الأصلية. وفي طنجة المغربية تم الإعلان عن ميلاد شبكة الأحزاب الديمقراطية التي تجسد شكلا من أشكال الوحدة بين أحزاب منطقة شمال أفريقيا، ومن أهدافها الاصطفاف ضد قوى الظلامية، وأعربت الشبكة عن آمالها في تحقيق اندماج مغاربي وإحياء مشروع الاتحاد المغاربي المعطل لمواجهة المخاطر والتحديات المشتركة.
شخص لقاء تشاوري لشبكة الأحزاب الديمقراطية في شمال أفريقيا احتضنته مدينة طنجة المغربية، السبت والأحد، وبتنظيم من حزب الأصالة والمعاصرة، الوضع العام الحالي بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بمشاركة أمناء عامين ورؤساء وممثلي 14 هيئة سياسية من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وموريتانيا.
وتوج اللقاء بالإعلان عن الميلاد الرسمي لشبكة الأحزاب الديمقراطية بشمال أفريقيا، من خلال المصادقة على أرضيتها السياسية، وترسيم قيادتها العليا المشكلة من الأمناء العامين للأحزاب الأعضاء، وتشكيل سكرتارية تشتغل تحت إشراف القيادة العليا. وأجمعت الأحزاب المشاركة على دعم الهوية الديمقراطية التقدمية، الاجتماعية والحداثية، باعتبارها حاملة لمشروع بديل عن المشاريع الرجعية والظلامية التي تهدد أمن المنطقة. ومن خلال العمل الديمقراطي تستطيع شعوب المنطقة مواجهة قضايا خطرة كالتطرف وفوضى السلاح.
وأكد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبدالحكيم بن شماش، أن هذا اللقاء يعتبر “خطوة إضافية على طريق دينامية تأسيس شبكة الأحزاب الديمقراطية في شمال أفريقيا، إذ تبلورت قناعة منذ أكثر من سنة بأن المنطقة تعيش على إيقاع تحولات وتحديات من كل الأصناف، وأن مسؤولية الاستثمار في القواسم المشتركة للترافع عن تطلعات الشعوب لإنهاء حالة الانقسام والتوتر وإطلاق مسارات البناء الديمقراطية ملقاة على عاتق هذه الأحزاب”. وتابع “مبادرة تشكيل هيئة من الأحزاب الديمقراطية التقدمية والحداثية من منطقة شمال أفريقيا تهدف إلى تكاثف الجهود لتحصين معركة الدمقرطة والتحديث”.
اندماج مغاربي
كان رهان فتح الحدود المغلقة منذ العام 1994 بين الجزائر والمغرب ضمن النقاش التشاوري للشبكة، ومشروع الاتحاد المغاربي المعطل هو أبرز أشكال الوحدة المغاربية التي بقيت آمالا ولم تتحول بعد إلى واقع رغم مرور ثلاثين عاما على إعلان قيام اتحاد مغاربي لكن ظل إلى اليوم حلما.
وأُعلن عن تشكيل اتحاد المغرب العربي في 1989، ويضم كلا من الجزائر، المغرب، ليبيا، تونس وموريتانيا. لكن الاتحاد واجه منذ تأسيسه عراقيل لتفعيل هياكله وتحقيق الوحدة المغاربية، أهمها، بحسب مراقبين، الخلاف حول ملف الصحراء المغربية. وتتصدر قضية الصحراء المغربية الخلافات بين المغرب والجزائر، حيث تتهم الرباط الجزائر بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية.
لكن إطلاق العاهل المغربي الملك محمد السادس دعوة إلى الحوار مع الجزائر في نوفمبر الماضي تضمنت اقترحا بإنشاء “آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور لتسوية النزاعات بين البلدين” خفف من حالة الفتور بين البلدين، فيما اعتبر مراقبون أن توجيه الجزائر دعوة لوزراء خارجية دول الاتحاد المغاربي لعقد اجتماع في أقرب وقت ممكن، رد على دعوة العاهل المغربي إلى الحوار المباشر بين البلدين.
هذا المنحى الإيجابي لم يغب عن اللقاء التشاوري للأحزاب المغاربية. واعتبر محسن بلعباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الجزائري، أنه “لا شيء يبرر تمديد غلق الحدود بين الشعبين الجزائري والمغربي”، لافتا إلى أن “ملف الصحراء مطروح على مستوى الأمم المتحدة ولا يجب أن يكون للأحزاب الجزائرية أي دور فيه”.
ويتفق معه مصطفى هدام ممثل حزب جبهة المستقبل الجزائري، ويعتقد هدام أن “الواقعية تفرض على كل طرف أن يقدم تنازلات، إذ لن يحقق هذا الملف تقدما ولن تفتح معه الحدود، ما دام كل طرف يتشبت بمواقفه”.
في ذات السياق يلفت إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى أن المغرب على لسان الملك محمد السادس كان واضحا وصادقا وقد دعا الجزائر إلى حوار مباشر من دون وساطات، حيث انتصر للمشترك التاريخي، واصطف إلى جوار المصلحة الجماعية لدول المنطقة.
وقد شددت الأحزاب المغاربية على أن لكل دولة تاريخا سياسيا واجتماعيا يميزها ويحدد اختياراتها السيادية التي يتوجب احترامها وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والترابية.
وطغى على كلمات زعماء الأحزاب السياسية المغاربية الحاضرة في اللقاء واقع عدم الاندماج بين بلدان الاتحاد المغاربي، حيث جددت الأحزاب الآمال في إحياء مشروع الاتحاد المغاربي، في وقت تؤكد تقارير المؤسسات المالية الدولية أن هناك فرصا كبيرة للتكامل الاقتصادي وتحقيق نسب تنمية مرتفعة.
ولا يمثل حجم التبادل بين دول المغرب العربي، سوى 3.6 بالمئة من حجم مبادلات تلك الدول مع باقي العالم، على الرغم من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة في إطار اتحاد المغرب العربي.
وأشار إدريس لشكر إلى أن المنطقة المغاربية والشمال أفريقية في حال اندماجها ستصبح أول اقتصاد في القارة الأفريقية، وأول قوة ديمغرافية وعسكرية، سيكون لها التأثير الكبير في الفضاء الأورومتوسطي وفي علاقات جنوب – جنوب، وفي المنتظم الدولي عموما.
من جهته يرى الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق أن اختيار شمال أفريقيا كمحور جغرافي متنوع ثقافيا، هو مدخل للحوار بين الأحزاب الديمقراطية بالمنطقة من جهة، وتقوية للعلاقات مع الجيران (دول أفريقيا جنوب الصحراء) بالنظر إلى التحديات المشتركة، معتبرا أن المسارات مختلفة حاليا بدول شمال أفريقيا لكن يجب أن نوحد مصيرنا.
تحديات مشتركة
تعتبر التهديدات المرتبطة بالحركات الإرهابية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، والوضعية غير المستقرة في بعض بلدان المنطقة وواقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، من أهم التحديات التي تنتظر من الأحزاب المغاربية برصيدها النضالي ومرجعياتها الديمقراطية والحداثية إيجاد أجوبة لها، وهي مطالبة باقتراح الأفكار السياسية والبرامج التنموية القادرة على هزم بواعث وأسباب هذا المرض الخبيث المسمى إرهابا، والذي يأخذ من الإسلام السياسي رداء له.
ويشير بن شماش إلى أن قوى النكوص والتأخر المستترة في عباءة الإسلام وهو بريء منها، تستثمر في كل الثغرات الاقتصادية والتأخر التنموي الذي تتسم به اقتصاديات بلداننا.
تبعا لذلك يرى بن شماش أن المخاطر التي تحيط بالمنطقة هي نفسها مخاطر الماضي ولو بعناوين أخرى من خلال إشعال فتيل النزاعات الترابية، إذ أن قوى التفتيت والانقسام لا تزال تتربص بوحدتنا، وعوامل التخلف والنكوص لا تزال جاثمة على واقعنا، وأعداء الديمقراطية والتقدم لا يزالون يحيكون المؤامرات.
لذلك دعا بن شماش إلى “وطنية ثانية” على مستوى البلدان المغاربية، قائمة على المواطنة الدستورية وتدمج الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية والمجالية في المنطقة. وشرح بن شماش رؤيته قائلا إن “فكرة الوطنية الثانية هي مناسبة لاستعادة الثقة في النفس وفي القدرة الجماعية على تجاوز حالة عدم اليقين، ومناسبة لبناء شروط إضافية لمواصلة واستئناف الكفاح المشترك نحو التغيير الديمقراطي داخل استمراريتنا التاريخية”.
ولا تقتصر المخاطر الجسيمة التي يسببها الإسلام السياسي، بفعل تطرفه وانحرافه عن المقاصد النبيلة للدين الإسلامي فقط في بث البلبلة والفوضى في بلداننا، فهي تتعدى مجرد تغذية حالة عدم اليقين المستشرية في مستويات معينة في بعض أجزاء منطقتنا، إلى نشر قيم ظلامية تريد إعاقة تقدم المشروع الديمقراطي الذي تسعى شعوبنا إلى بلوغه.
ومن التحديات الخطرة التي تتعرض لها المنطقة وأقرت بها الأحزاب المغاربية هو تصاعد الشعبوية بمختلف ألوانها الأيديولوجية، وبروز خطاب الانغلاق الهوياتي والكراهية على المستوى الإقليمي والدولي، مما يطرح مخاطر جدية في ما يتعلق بحماية قيم المجتمع خاصة في الدول التي تعيش مخاضا انتقاليا صعبا على خلفية أحداث ما سمي بالربيع العربي.
ويأتي هذا اللقاء بعد اجتماعين سابقين عُقدا في تونس والجزائر سنة 2018، في سعي إلى تقريب وجهات النظر السياسية بين الأحزاب التقدمية والحداثية بمنطقة شمال أفريقيا، ويتزامن مع ذكرى إعلان قيام الاتحاد المغاربي قبل ثلاثة عقود مضت.