إذا علا صوت الدجاجة على الديك.. ماذا بعد؟
لا أستطيع تبرير ما يسمى “مراكز العلاقات الأسرية” التي أخذت شكلاً متزايداً في بلادنا، إلا بأنه نوع من “السبوبة” الجديدة التي تقتات على مشاكل بيوتنا وتتطفل على خلافاتنا الاجتماعية مقابل “أجر” طبعاً.. بمثل ما تمارس أغلبية منظمات التمويل و”دكاكين” حقوق الإنسان مع أوضاعنا السياسية!
صحيح أن مشاكلنا الأسرية قديماً لم تكن بهذه الحدة التي طبعتها تقلبات العصر، وأيضاً التنافر الحاصل بين الزوجين لاعتبارات متعددة على رأسها خروج المرأة للعمل ومناطحتها للرجل، وهو ما فاقم المشكلة الآن، لأن كلمة واحدة من “الكبير” في العائلة كانت كفيلة بحل أي توتر والقضاء عليه في مهده، ولو بمداراته بعيدا عن الأعين حتى لو ظل كالجمر تحت الرماد، مع ما في هذا من خطورة ملغومة قد تنفجر لاحقاً في أي لحظة.
كان استمرار الحرص على بقاء البيت والحفاظ على الأولاد من التشرد أو الضياع مبررا كافيا لردع أي “وسواسٍ خناس″، لذا كانت حالات الطلاق نادرة للغاية، وإذا حدثت فإنها تتم خفيةً وخيفةً رغم ما في النفوس من “رفض وشجب وتنديد وإدانة واستنكار” أو تعبير عن القلق.. حسب التعبير الشهير للأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
هذا الحرص الذي غالباً ما تدفع ثمنه المرأة أو يكون في الغالب على حسابها، كان مبرراً كبيراً لاستمرار الكثير من المسكوت عنه في علاقاتنا الزوجية التي تمشي الآن على نصل سكين حاد إن لم تسقط مع أقرب اهتزاز فإنها بالتأكيد لن تخلو من الجروح العميقة ومعها ندوبٌ قد تفشل كل عمليات التجميل في محو آثارها نفسيا على الأقل.
ورغم أنني تعاملت بكثير من السخرية مع نصيحة والد زوجتي ـ رحمه الله ـ الذي بادرني يوم الخطبة بمقولته “إذا علا صوت الدجاجة على الديك وجب ذبحها”، إلا أنني لم أدرك أن هذه النصيحة تظل مفتاحاً رئيسياً لفهم كيفية إدارة الأسرة قديماً بما فيها من ذكورية قد تكون مطلقة، ولكنها مع حدتها وغلظتها كانت حجر استقرار نفتقده هذه الأيام، وربما فقدان العمل به هو ما أوقع كثيراً من بيوتنا في دائرة الشقاق والنزاع، مع احترامي طبعاً لكل ما يقال عن “حرية” أو “ديمقراطية” أو “رأي ورأي آخر” لأنها ـ من وجهة نظري ـ ليست إلا مجرد شعارات برّاقة تهدف لإحداث فورات “ربيع زوجي” كتلك التي وقعنا فيها إبان حقبة فوضى الثورات العربية غير المأسوف على “شبابها”!
قد يقول البعض ـ وهذا صحيح ـ إن انتشار مراكز العلاقات الأسرية واللجوء إليها مظهر حضاري يجنبنا اللجوء إلى العنف الأسري، ويمكن من خلاله حل الكثير من المشاكل العالقة، ولكن هل نجحت هذه المراكز فعلاً في تخفيف نسب الخلافات أو حوّلت هذا النجاح إلى خفض أرقام الطلاق في عالمنا العربي؟.
الإجابة بالأرقام تنفي ذلك. من الكويت التي تصدرت القائمة عربياً بـ48 بالمئة من إجمالي حالات الزواج، إلى الجزائر (14.8 بالمئة) مروراً بقائمة طويلة شملت مصر (40 بالمئة) والأردن (37.4 بالمئة) وقطر (37 بالمئة) والإمارات ولبنان (34 بالمئة) ثم السودان (30 بالمئة)و المغرب (38بالمئة ) والعراق (22.7) ثم السعودية (21.5 بالمئة) وهكذا حسب إحصائيات نشرت مؤخراً.
إننا إذاً أمام إشارة خطرة على هشاشة أوضاعنا الاجتماعية، فشلنا جميعاً في وقف نزيفه على المستوى الأسري، بمثل ما هو أيضاً إفلاس نفسي يعكس عدم القدرة على التعامل مع المشاكل أو مواجهتها وإيجاد حلول متقاربة، سببه واقعياً هو غياب مفهوم “كبير العائلة” إما لاختفائه عملياً أو لتقزيم دوره واقتصاره على مجرد “تشريفاتي” يكتفي بالزيارة أو ممارسة دور “بهلول الخليفة” الذي يلاعب الأطفال والأحفاد!
قبل أشهر، وقعت مشكلة كبيرة بيني وبين زوجتي.. قلت لنفسي: لماذا لا أقلد الناس المحترمين والمتحضرين؛ ونذهب لاستشارة خبيرة علاقات أسرية تحل لنا مشاكلنا بأسلوب علمي وراقٍ؟. وفعلا اتصلت بأحد المراكز لحجز موعد؛ وبعد مكالمة طويلة ختمتها السكرتيرة بالمفاجأة: الجلسة الواحدة بـ800 درهم هل أحجز لك؟. انفجرت مستنكراً وأنا أتمتم من الصدمة: نعم؟ على ماذا؟ وسبب كل خناقتنا 50 درهم !