صحافة تصنع الرموز أو تطمسهم
لسنا في حاجة إلى مقدمات لكي نتحدث عن مهمة الصحافة المقدسة ودورها في المجتمع. التعريف بالدور هو تحصيل حاصل.
لكن هذه الصحافة بإمكانها أن تطلق شخصيات وتعرف بها وتجعلها محط الأنظار وهي نفسها التي بإمكانها أن تعتم على شخصيات أخرى وتجعلها نسيا منسيا.
سيبرر البعض هذا السلوك بأن السبب ليس هو الصحافة في حد ذاتها بل هو قرب أو بعد أولئك الأشخاص من الصحافة.
لكن هذا التبرير سوف يجعلنا في مواجهة صحافي كسول ينتظر كل شيء أن يأتي إلى مكتبه ثم يبدأ هو دوره وقد لا يتعب نفسه فلا يتعدى طرح الأسئلة النمطية والتقليدية المتكررة.
ما الذي يجري والصحافة تكرس نجوما يخصونها وتطمس نجوما آخرين أكثر تطورا ووعيا وتسدل عليهم ستار النسيان؟
المتشككون والذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، يقولون إنها المصالح وحدها هي التي تتحكم في المشهد الإعلامي وصارت المؤسسات الإعلامية ميدانا لمنافسة لا تنتهي في إطار المصالح.
وأما الميتافيزيقيون فيعزون الشهرة السريعة إلى الحظ، وأن هنالك من هم محظوظون مع أنهم قليلو الموهبة وهنالك من يبزونهم مستوى إبداعيا ولكن الغلبة للصنف الأول.
هذه التفسيرات المتناحرة المتقاطعة تقدم لنا واقعا غريبا في ما يتعلق بصناعة الرموز والمشاهير.
وإذا أردنا أن نمضي مع نظرية المؤامرة السائدة في عالمنا العربي فلنمض بعيدا باتجاه كيف تصنع مؤسسات الغرب رموزها.
في البداية لا بد من التأكيد أن الأمر في تلك البلاد قائم برمته على الأرباح ونشاط الشركات، بإمكان شركة ما أن تحتكر مبدعا وتسيطر على منجزه ولا تمنحه إلا نزرا قليلا ساعة أن تطلقه للرأي العام ثم يمكن أن يجني بعض الأرباح بعد ذلك.
هنا سوف يتحول المبدع إلى مشروع وهدف نوعي للشركة يستدعي جني قدر من الأرباح مع اتباع سياسة تسويقية ناضجة والقضية برمتها سوف تدخل دائرة التجارة والترويج التجاري.
لن تكترث شركة الترويج المعتمدة إذا تكاثرت المنابر فهي تعرف أين وكيف ومتى سوف تسوّق الشخصية التي تريدها وكيف تستثمر فيها، وهنا لا يكون لمقولة الحظ ولا العلاقات الشخصية معنى وسيصبح كل شيء في إطار المنفعة والبيع والشراء.
في العالم العربي هنالك تداخل عجيب في هذا الشأن، فالصحيفة تريد أن تمتلئ صفحاتها بالمقالات والأخبار والصور ولأنها على عجل فإنها لا تكترث لشيء عدا أن تسد ذلك الفراغ حتى لو تكررت أخبار الشخصية المشهورة مرات ومرات.
الطابع الشخصي يلفت الانتباه ويشجع جمهور القراء على خوض المغامرة إلى أقصاها. وهي نقطة جذب تحيلنا أيضا إلى استخدام الحياة الشخصية محورا أساسيا في سرد القصة الصحافية.
في المغرب مثلا عندما يموت مسؤول عرف عنه أنه واحد من سرّاق ما يعرف بمشاريع البيضاء العاصمة الاقتصادية و الثقافية ، يفاجأ الجمهور بعاصفة من المديح ومطولات التأبين ثم لعمل غسيل دماغ بأن هذا الشخص كان رمزا ثقافيا وقامة إبداعية لن تتكرر وأن رحيله خسارة للثقافة والمثقفين.
فإلى أين سوف نسير في هذه الدوامة وهل ينبغي علينا أن نتسامح مع الكل لأن القوم قد سوّقوا لنا من هم يعرفونه أفضل منا؟
افتراض أن المحرر يعرف مصلحة القارئ أفضل مما يعرفها القارئ يدفع إلى مثل هذا الترويج الفج القائم على أبوية بطريركية هزيلة ما تلبث أن تتهاوى بمرور الزمن.
من جانب آخر هنالك ثقافة الإشاعة، والتي تقوم على فرضيات الجمهور وذائقته وتفضيلاته وتفرض نفسها على الحياة اليومية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي فتضطر الصحيفة إلى ممارسة اقتفاء الأثر والتماهي مع الرأي العام السائد وإن كانت هنالك أسئلة لن تتم الإجابة عنها تتعلق بحيثيات هذا النمط الصحافي.ح