تراجع دور الأسرة الجزائرية يرفع مستوى إدمان المخدرات بين المراهقين
سجل الإدمان على المخدرات بما فيها أخطر أنواع المؤثرات العقلية مؤشرات اعتبرها مختصون خطيرة في أوساط المراهقين والشبان في الجزائر، وتقول دراسات حديثة إن ظاهرة استهلاك المخدرات في سن مبكرة، بداية من 15 سنة، ما فتئت تسجل ارتفاعا مطردا، ويعتبر محللون هذه الظاهرة خطيرة مؤكدين على أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة في وقاية وتوعية أبنائها وأيضا في احتوائهم ودفع المدمنين نحو العلاج.
كشف نائب مدير الصحة العقلية بوزارة الصحة الجزائرية محمد شكالي عن إقبال أكثر من 22 ألف شاب على المخدرات على مراكز علاج الإدمان. كما كشفت دراسة أجراها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات في العام 2016 على عينة تتكون من 12 ألف تلميذ بالطورين المتوسط والثانوي عن تسجيل معدل تلميذ واحد من أصل خمسة تلاميذ يتعاطى المخدرات في الجزائر.
وكشف شكالي أن الجزائر تبنت استراتيجية وطنية لمكافحة الظاهرة من خلال العمل على توسيع شبكة مراكز الوسيط لتبلغ حوالي 53 مركزا إلى جانب تكوين 30 طبيبا مختصا في معالجة الإدمان مع ضمان توفير دورات تكوينية قصيرة المدى للأطباء العامين في إطار التكوين المتواصل للتكفل ببعض الحالات، إلى جانب العمل والتنسيق مع قطاعات أخرى قصد توفير الظروف الاجتماعية التي تجعل من الشاب لا يلجأ إلى عالم المخدرات من خلال مكافحة التسرب المدرسي والتفكك الأسري وتشجيع على ممارسة الرياضة المدنية والمدرسية.
ويجمع مختصون في علم الاجتماع على أن أهم الأسباب التي تقف وراء وقوع فئة المراهقين ضحايا للمؤثرات العقلية ولإدمانها هي المشاكل النفسية الناجمة عن الوضع الأسري وأحيانا عن الفشل المدرسي، ويلعب المحيط الاجتماعي دورا هاما بعد ذلك حيث يسهل على المراهق الحصول على المادة المخدرة سواء في محيطه المدرسي أو عبر الإنترنت وغيرها، لكن تظل الإحاطة التربوية والرعاية النفسية من قبل الأسرة والعائلة والفضاء المدرسي أهم سبل حماية الأطفال والمراهقين من آفات المؤثرات العقلية.
ويرجع المختص في شؤون التربية رابح الأصقع، مسألة الانتشار المتنامي لظاهرة تعاطي المخدرات والحبوب المهلوسة لدى المراهقين في الوسط المدرسي، إلى العديد من العوامل الاجتماعية والنفسية الناجمة عن المشاكل المستشرية داخل الأسرة، وإلى التحولات التي أفضت إلى تراجع دور الوالدين في المتابعة والسهر على رعاية الأبناء، بسبب الانشغالات اليومية.
وقال في تصريحه لـه، إن “الإحصائيات الدورية التي تقوم بها المصالح المختصة تشير إلى تطور مذهل للظاهرة في المدارس المتوسطة والثانوية بالبلاد، وأن التحاليل الأولية كلها تثبت وقوع المراهقين في فراغ عاطفي واجتماعي لأسباب مختلفة، يتزامن مع مرحلة المراهقة التي تتطلب رعاية خاصة من الأولياء والمجتمع″.
مختصون يجمعون على أن أهم أسباب الإدمان هي المشاكل النفسية الناجمة عن الوضع الأسري والفشل المدرسي
وأضاف الأصقع “الجريمة والمجرمون يتطورون كما تتطور باقي مناحي الحياة، وهناك مراهقون وتلاميذ صاروا مشاريع جريمة، بسبب الفراغ الذي استغله هؤلاء والذين نجحوا في تحويلهم من مستهلكين إلى تجار، والمادة التي كانت تباع في السر، صارت عبارة عن علب حلويات، وهو ما يعني أن هناك غفلة في المجتمع على تنشئة جيل المستقبل تنشئة صالحة وسليمة”.
وتابع “لابد من مراجعة الكثير من المسائل الاجتماعية، فقبل التفكير في الانفصال أو التفكك أو المشاكل العلنية في الأسر، يتوجب التفكير في تربية ومستقبل هؤلاء المراهقين، وإذا كانت انشغالات الحياة تتطلب مصادر رزق متعددة، فإن الثروة الحقيقية هي تربية وتحصين جيل المستقبل من الانحراف”.
وأكد نائب مدير الصحة العقلية بوزارة الصحة أن أكثر من 22 ألف مدمن من الجنسين ومن شتى الفئات العمرية والاجتماعية يخضعون حاليا للعلاج عبر 42 مركز وسيط لمعالجة الإدمان موزعة بالجزائر.
ويرى الخبير والمدير العام السابق للديوان الوطني لمكافحة المخدرات بالوسط التربوي (المتوسط والثانوي) عبدالنوري صالح، أن الدراسة التي أجراها الديوان عام 2016 تعتبر أحدث تحقيق أجري في الغرض، في ما يتم التحضير للإعلان عن نتائج تحقيق حول نفس الموضوع بالوسط الجامعي.
وشملت الدراسة 426 مؤسسة تربوية عبر 46 ولاية جزائرية، واعتمدت على فئات عمرية تتراوح ما بين 15 و17 سنة للإجابة على استبيان وأسئلة مباشرة تكونت من 119 سؤالا تتعلق باستهلاك التبغ والمخدرات من طرف التلاميذ، ويقول صالح إن الوضعية ليست “منفلتة بقدر ما هو متحكم فيها”.
وكشفت النتائج أن استهلاك التبغ والمخدرات ظاهرة منتشرة فعليا في المؤسسات التربوية وتعني كلا الجنسين وفق صالح، الذي أكد أنّ المخدر الأكثر استهلاكا لدى هذه الفئة يتمثل في القنّب الهندي يليه مختلف المهلوسات والمؤثرات العقلية.
وقدرت ذات الدراسة عدد التلاميذ بالطورين التعليميين الابتدائي والثانوي المدمنين على التدخين بقرابة 387 ألف تلميذ أي أكثر من 18 بالمئة من عدد المتمدرسين، واعتبرت أن التدخين عامل رئيسي يساهم في انتشار ظاهرة تناول المخدرات. فيما يقدر عدد التلاميذ الذين يتناولون المخدرات بحوالي 67 ألف تلميذ، أما عدد التلاميذ الذين أقدموا على شرب الكحول ولو لمرة واحدة فقدر عددهم بحوالي 50 ألف تلميذ. وسجلت الدراسة إقدام ما يزيد عن 48 ألف تلميذ على تناول المؤثرات العقلية منهم 23 ألفا استهلكوا صنف “الإكستازي”.
هذه الأرقام تثير مخاوف الأسر وجل القائمين على قطاع الصحة في الجزائر، الأمر الذي “يفرض أخذها بالجدية اللازمة واعتبارها مؤشرات خطيرة على الصحة العقلية للمتمدرسين”، بحسب المكلف ببرنامج الصحة المدرسية بوزارة الصحة الذي شدد في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية على أهمية التحسيس خصوصا على مستوى العائلة، والتي يظل دورها أساسيا ومحوريا في مجال حماية المراهقين والشباب من الإقبال على التدخين والمؤثرات العقلية بأنواعها.
وفي السياق ذاته كشف الدكتور بوفديان عن دور الوحدات الطبية، التي تقدر بـ2000 وحدة، على مستوى المؤسسات التربوية لتوعية المراهقين بخطورة استهلاك المخدرات والتدخين من خلال تسطير برنامج توعوي يستهدفهم إلى جانب إشراك باقي الفضاءات الشبابية والرياضية والدينية والثقافية للقيام بعمليات تحسيسية.
ويدق مختصون في الوقاية من الإدمان ناقوس الخطر مؤكدين أن ظاهرة الاستهلاك المبكر للمخدرات باتت في ارتفاع مطرد، حيث استفحلت في صفوف الشباب في سن مبكرة، وتكشف البحوث عن زيادة في أعداد المستهلكين في فئة أقل من 15 سنة من العمر. فيما تقول نتائج بعض الدراسات إن إقبال المستهلكين والمدمنين من الشباب والمراهقين على العلاج يعتبر ضعيفا مقارنة بالزيادة في أعدادهم وهو ما يجعل الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة مهما خاصة في مرحلة دفع الأبناء وإقناعهم بضرورة العلاج.