نزيف الأدمغة يفرغ المغرب من الطاقات الشابة
يعتبر المغرب من أكثر الدول التي تعاني من نزيف الأدمغة الشابة، حيث يرفض غالبية الطلاب الذين يدرسون في أوروبا وأميركا الشمالية العودة للبلاد في ظل انعدام الأفق فيها بالنسبة إلى الكفاءات وحملة الشهادات العليا، فيما تبدو خطط الحكومة لاستقطابهم وإدماجهم في القطاعات المختلفة خجولة ولا ترقى لطموحاتهم.
يقول فيصل (32 عاما)، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه كاملا، ويعمل مهندسا في إسبانيا “بعد أكثر من عشر سنوات قضيتها في إسبانيا، شهدتُ خلالها التطور في مختلف مجالات الحياة، يصعبُ عليّ اتخاذ قرار العودة إلى بلدي، لاسيما أنني في كل إجازة صيفية أرى أن الأمور لم تتطور قيد أنملة، بل على العكس يزداد الوضع سوءا، ولا أرى أي أمل في المستقبل القريب لتحسن الأوضاع″.
ويضيف “لا مكان لتكافؤ الفرص ولا للمساواة أو العدل أو العمل، أي كل ما كنّا نحلم به في المغرب”.
وفيصل هو واحد من آلاف الشباب المغاربة الذين ذهبوا للدراسة خارج البلاد في أوروبا والولايات المتحدة، وقرروا عدم العودة للعمل فيها، حتى باتت ظاهرة عامة ومشكلة في المغرب تستنزف الطاقات الشابة المؤهلة لرفع عجلة التنمية وتؤرق المسؤولين.
ومؤخرا باتت هجرة الأدمغة المغربية الشابة مثار جدال ونقاش موسع داخل الأوساط الثقافية والإعلامية وعلى مستويات رسمية بعد ازديادها وتفاقمها، حيث كشفت دراسة حديثة أن المغرب أصبح ثاني بلد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يعرف أعلى معدل لهجرة الكفاءات.
برنامج فينكوم
في محاولة لوقف استنزاف الأدمغة المغربية أطلقت الحكومة المغربية برنامجا يسمى “فينكوم” منذ عام 2007 يرمي إلى استقطاب الشباب من الخارج، ودمجهم في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والأعمال في المغرب.
وأكد سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن المغرب يعمل جاهدا على تنفيذ مجموعة من الإستراتيجيات لوقف هذا النزيف، منها برنامج “فينكوم” كفضاء دولي للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج.
ويشكّل برنامج “فينكوم” أداة لربط علاقات مؤسساتية مع الكفاءات المغربية بالخارج وخلق قاعدة معطيات عن الكفاءات المغربية، وكذلك عن القطاعات العمومية والخاصة بالمغرب لدعم البحث والتنمية والتكوين، ونقل التكنولوجيا والمعرفة العلمية، والمساعدة بالخبرة في بلورة إستراتيجيات قطاعية للتنمية وتقييم مشاريع وبرامج البحث وجذب الاستثمارات وشراكات العمل.
وهذه الظاهرة لفتت انتباه أعلى سلطة بالمغرب، حيث أشار العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب في غشت 2018، إلى أن العديد من الشباب، خاصة من حاملي الشهادات العليا العلمية والتقنية، يفكرون في الهجرة إلى الخارج، ليس فقط بسبب التحفيزات المغرية هناك، وإنما أيضا لأنهم لا يجدون في بلدهم المناخ والشروط الملائمة للعمل، والترقي المهني، والابتكار والبحث العلمي”.
وأضاف “أنها نفس الأسباب التي تدفع عددا من الطلبة المغاربة بالخارج لعدم العودة للعمل في بلدهم بعد استكمال دراستهم”.
كشفت الدراسة التي نشرتها الجامعة العربية العام الماضي أن حوالي 50 ألف طالب مغربي يواصلون دراستهم في الخارج، وأن هناك حوالي 200 ألف خبير مغربي في مجالات مختلفة اختاروا العمل خارج بلادهم.
وذكرت دراسة أخرى أجراها مؤخرا موقع “روكريت”، الرائد في مجال التوظيف، أن 91 في المئة من الخريجين المغاربة يحلمون بمغادرة البلد والعثور على فرصة مهنية في الخارج، لأنهم يعتقدون بأن الهجرة من المغرب ستساعدهم في الارتقاء والتطور في مسارهم المهني.
وفي هذا الإطار يقول بوشعيب البازي الصحافي و مدير النشر لجريدة أخبارنا الجالية ، في تصريح له ، إن الحكومة المغربية تتعامل بنوع من الاستخفاف مع ظاهرة هجرة الأدمغة، خاصة وأن المغرب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن يحرص على الحفاظ على الكفاءات الوطنية وعلى إعطائها المكانة التي تليق بها بتهيئة المناخ المهني والاجتماعي، لأنها تشكّل عماد الآليات القطاعية التي ستدفع بالمغرب لرفع التحديات الراهنة على كافة المستويات.
وطالب البازي الحكومة المغربية بأن تتعامل بمسؤولية وطنية للحد من ظاهرة هجرة الأدمغة، وشدد أن “عليها العمل بجدية لجلب الخبراء والكفاءات المغربية المقيمة بالخارج لإدماجها والمساهمة في الدفع بعجلة التنمية. فالرأسمال البشري يعدّ أساس التنمية المجتمعية والاقتصادية للبلدان وخزان الذاكرة المشتركة الذي يشكّل استمرارية النواة الفعلية لأي ازدهار وطني”.
واعتبر فريق الاتحاد المغربي للشغل، داخل البرلمان أن البرامج الحالية لم تفلح بعد في وقف أو التقليل من هذا النزيف، وذلك بسبب ما لخصه في عدم مواكبة الخريجين وضعف غياب الإرادة السياسية وضعف الأجور، بالإضافة إلى تفشّي المحسوبية والاحتقان الاجتماعي والتضييق علي الحريات.
مسؤولية مشتركة
وأكدت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن هجرة الكفاءات المغربية نحو الخارج تعدّ مسؤولية مشتركة بين عدة قطاعات وزارية، تقتضي المزيد من التعبئة الوطنية للارتقاء بالنسيج الاقتصادي وإنجاح النموذج التنموي الجديد الذي تسعى البلاد إلى تحقيقه.
ووفقاً لإحصائيات الفيدرالية المغربية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأوفشورينغ (FMTI)، فإن المعاهد المغربية تقوم بتخريج حوالي 8000 خبير في مجال تكنولوجيا المعلومات كل عام، لكن ما بين 10 و20 بالمئة منهم يهاجرون إلى الخارج، حتى إن كان سوق العمل بالمغرب في أمسّ الحاجة إليهم.
وقال الوزير أمزازي إن ارتفاع عدد الكفاءات المغربية المصدرة إلى الخارج وتصنيف المغرب كثاني بلد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يصدّر الكفاءات، مؤشر جيد يعكس “جودة التكوين والتعليم” الذي مكننا من تكوين مهندسين وأطباء وباحثين تتهافت الدول عليهم. ما جعل البعض يقول إن هذا تشجيع للكفاءات نحو الخارج”.
هذا التصريح دفع الوزارة للتوضيح أن سعيد أمزازي حين اعتبر أن هجرة الأدمغة والكفاءات المغربية إلى الخارج مؤشر على جودة التعليم بالمغرب، لم يسعَ بتاتا إلى تشجيع الكفاءات الوطنية على الهجرة، وإنما كان القصد من كلامه هو أن الإقبال على هذه الكفاءات من قبل دول أوروبا وأميركا وآسيا، يعكس جودة التكوينات التي تتوفر عليها، ولو لم يكن مشهودا له بالكفاءة والجودة في التكوين لما ازداد الطلب والإقبال عليها”.
ويرى البازي أن هجرة الأدمغة تؤثر على المغرب في العمق على مستوى هيكلة المنظومة التربوية المتعلقة بتأطير ورش التعليم من المستوى الأولي إلى التعليم الجامعي. ففشل السياسات العمومية والإستراتيجيّات الحكومية في هذا القطاع أدى إلى خلل كبير في تدبير قطاع قادر على تزويد سوق الشغل بقطاعيه العام والخاص بمنتوج واقعي يتماشى ومتطلبات التطور السريع لرفع التحديات الراهنة.
بشكل عام يمكن تشخيص الأسباب الحقيقية بخصوص هجرة الأدمغة المغربية، وفق ما ذكر البازي في تصريحاته ، في السعي إلى تحسين الوضع الاجتماعي الشخصيّ والأُسَري، بالإضافة إلى البحث عن سبل تطوير الذات والمسار المهني، من خلال الأفاق المهنية التي قد تغري الفئة التي اختارت مسار الهجرة لرفع مستوى المردودية المهنية.
وتهاجر الكفاءات المغربية بشكل مكثّف إلى الدول الأوروبية ومنها فرنسا، فعدد الأطباء والمهندسين الذين يقدّمون استقالاتهم ويغادرون بشكل نهائي نحو أوروبا يعدّ بالآلاف، ورغم أن المغرب بأمس الحاجة إلى كفاءاتهم، لكنهم يفضلون البحث عن مكان آخر يؤمّن لهم الحياة الكريمة والمكانة الاجتماعية والحقوق التي يستحقونها، ويحتلّ المغرب المرتبة الثالثة عالميّا من حيث تصدير الأدمغة إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
ويؤكد البازي ، أنه إذا كان المغرب لديه رصيد مهمّ من الأطر العليا والكفاءات المهنية ذات المقاييس الدولية، فإن غياب العدالة المهنية على مستوى تكافؤ الفرص في تحمل المسؤولية، وغياب الشفافية التنافسية على المستوى المهني، قد يدفع الخبراء والمهنيين المغاربة إلى اختيار باب الهجرة.
أضاف البازي أن الهجرة أصبحت كمنفذ يتيح لهم نوعا من الآمال على مستوى تحقيق الأهداف المهنية، في بيئة قد تضمن على الأقل أدنى مستويات الاستحقاق في تحمّل المسؤوليات وتدبير القطاعات.
يوم المهاجر
نظرا إلى عدد المهاجرين المغاربة الكبير في الخارج، تحيي الوزارة المكلّفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، اليوم الوطني للمهاجر في العاشر من شهر غشت من كل سنة، وكان شعار العام الماضي “أي أدوار للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج في تنمية الاقتصاد الوطني”.
وقالت الوزارة في بيان أنه نظرا إلى الدور الذي يلعبه مغاربة العالم للمساهمة في الاقتصاد الوطني وفي التنمية بمختلف أبعادها، فقد وقع الاختيار على موضوع دور هذه الفئة، وخاصة منها الكفاءات، في اقتصاد البلاد.
وكانت فرصة للوقوف على ما تم إنجازه في مجال تشجيع مغاربة العالم على المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، إلى جانب إطلاعهم على أهم الفرص المتاحة أمامهم والمجالات ذات الأولوية في مجال الاستثمار، وذلك من أجل الخروج بمقترحات عملية متوافق حولها، من شأنها تسهيل أداء الكفاءات المغربية بالخارج لأدوارها كاملة في التنمية الواسعة للاقتصاد الوطني.