غضب الشارع المتصاعد يهدّد ولاية بوتفليقة

تتجه الأنظار في الجزائر إلى ما ستسفر عنه الاحتجاجات الشعبية المنتظرة، اليوم الجمعة، في العاصمة الجزائرية وعموم مدن ومحافظات البلاد، احتجاجا على ترشيح الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، فيما لجأت السلطات إلى الاستنفار الأمني في محاولة لتطويق التصعيد ومنع تحوّل الاحتجاجات إلى عصيان مدني.

واستبق سكان مدينة تيشي في محافظة بجاية بعمق منطقة القبائل، الموعد المتفق عليه وطنيا لتنظيم المسيرات والاعتصامات الحاشدة في ربوع البلاد، بتنظيم مسيرة شعبية، صباح الخميس، للتنديد بالعهدة الخامسة وبأجندة أحزاب الموالاة للاستمرار في السلطة.

وسار المئات من الأشخاص في الشارع الرئيسي للمدينة، رافعين شعارات مناهضة لترشيح بوتفليقة وللمحيط السياسي الملتفّ حوله، وعلى رأسه حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.

وذكر شهود عيان  أن المحتجين رفعوا رايات سوداء ترمز إلى حزنهم على المآلات التي تُدفع إليها الجزائر في ظل إصرار السلطة على ترشيح رئيس غائب لا يتوقع ظهوره، بحسب تصريح لرئيس الوزراء وأمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى في وقت سابق ذكر فيه أن “بوتفليقة سيعلن عن ترشحه عبر رسالة سيوجهها إلى الجزائريين ولن يدير الحملة الانتخابية”.

وقال أحد قادة المسيرة في مدينة تيشي في تسجيل صوتي “لا تعبؤوا لما تروّج له أبواق السلطة من الانزلاق إلى العنف والتخريب والفتن.. المسيرة سلمية وحضارية، ارحلوا ارحلوا لقد تعبنا ومللنا منكم”.

سفيان جيلالي: قد يكون فوز بوتفليقة محسوما بالتزوير، لكن الشعب كسر حاجز الصمت
سفيان جيلالي: قد يكون فوز بوتفليقة محسوما بالتزوير، لكن الشعب كسر حاجز الصمت

وجاءت مسيرة بجاية لتضاف إلى مسيرة شعبية ضخمة شهدتها مدينة خراطة في نفس المنطقة في الأسبوع الماضي للاحتجاج على ترشيح بوتفليقة، وللتأكيد على عدم ارتباط المحتجين بالأيادي الخارجية مثلما تروج لذلك بعض الدوائر المقربة من السلطة، وتتهمها بالوقوف وراء الحراك الشعبي.

كما جرت، مساء الخميس، مسيرة شعبية في أميزور ببجاية ومسيرات أخرى في سكيكدة وقسنطينة شرق البلاد.

ويراهن ناشطو الحراك الشعبي على الشارع القبائلي لدعم المسيرات والاحتجاجات المنتظرة، اليوم، في العاصمة وعموم البلاد، لما للمنطقة من ثقل ومنسوب وعي مرتفع وقدرة فائقة على تعبئة الشارع في مختلف المواعيد.

ورفع سفيان جيلالي رئيس حزب “جيل جديد” المعارض من سقف توقعاته بالقول إنه من الصعب التنبؤ بحجم ومسار التظاهرات، إلا أن مجرد خروج احتجاجات دليل على أن وعي الشعب الجزائري لا يزال حيا ولم يتم تغييبه.

وأضاف “قد يكون فوز بوتفليقة محسوما بالتزوير كالعادة.. ولكن في المقابل بدأ الشعب الجزائري بكسر حاجز الصمت وكتابة شهادة ميلاد جديدة له”.

واعتبر جيلالي أن “خوف الجماعة الحاكمة من التظاهرات واضح، وهو ما ظهر من خلال تعاملها مع الاحتجاجات التي خرجت مؤخرا في عدد من المحافظات، فقد أدركت أن حاجز الخوف انكسر وأنه لا عودة إلى الوراء، ولذلك تحاول استباق التظاهرات المتوقعة، الجمعة والأحد، بالدعوة إلى تغليب العقل والحكمة وعدم الاحتكام إلى الشارع ورفض المطالب المنادية بالقطيعة مع الانتخابات والنظام”.

وإذ ينتظر أن تكرس خطب صلاة الجمعة، اليوم، خطاب الأمن والاستقرار والتحذير من الفتن والمخاطر الخارجية، فإن رهان السلطة على التيار السلفي لإجهاض دعوات التظاهر والاحتجاج عبر اللعب على الوتر الديني، لم يفض إلى أي تغيير في المواقف رغم الهبة التي استشاط لها رموز وخلايا التيار، من أجل تحريم التظاهر والخروج عن الحاكم، والتحذير من الفتن والفوضى والمصير الذي آلت إليه دول مثل ليبيا وسوريا.

وطبقت السلطات الجزائرية حالة أمنية استثنائية منذ الأربعاء، واستدعت مديريات الأمن والدرك جميع عناصرها ووضعتها في حالة تأهب قصوى تحسبا للاحتجاجات الشعبية، ولم يتسن التأكد من طبيعة التعليمات التي أوكلت للوحدات الأمنية في التعاطي مع الأحداث المنتظرة، إن كان التعامل معها سيكون بليونة أو بتطبيق إجراءات ردعية.

وفي خطوة تستهدف تهدئة الأوضاع تم إطلاق سراح عدد من المدونين الموقوفين لدى مصالح الأمن خلال الأيام الأخيرة، على خلفية حملة على مواقع التواصل مناهضة للعهدة الخامسة.

ومع تحذير وزير الداخلية والجماعات المحلية نورالدين بدوي من الانفلات والانزلاقات الأمنية، دافع عمار غول الموالي لبوتفليقة، ومدير الحملة الانتخابية عبدالمالك سلال، عما أسمياه بـ”الحق في رفض أي مشروع سياسي” لكنهما ربطاه باحترام الأمن والاستقرار في البلاد.

وتقاطعت أصوات التعبير الهادئ مع دعوات وجهها ناشطون في المهجر إلى ضرورة أن تكون المسيرات والاحتجاجات الشعبية سلمية وحضارية، وحثّوا على عدم التجاوب مع الاستفزازات المنتظرة ومحاصرة العناصر المخربة أو التي ينتظر اندساسها لإفشال الاحتجاج وتسويق صورة سلبية عن المتظاهرين، فضلا عن عدم الاحتكاك بعناصر الأمن أو الاشتباك معها.

ودعا الناشط السياسي ومغني الراب لطفي دوبل كانو المقيم في أوروبا في تسجيل صوتي، إلى “توخي الحذر وعدم الانسياق وراء الاستفزازات وسلوكيات العنف والتخريب أو الاشتباك مع قوات الأمن”، حاثا على إبراز “أخوّة وجزائريّة الجميع، ومع أفراد الأمن والدرك”.

وتعتزم حركات سياسية وجمعيات مهاجرة تنظيم اعتصامات في كندا ومرسيليا وباريس وجنيف ولندن، للتعبير عن رفض جزائريي المهجر لترشيح بوتفليقة، والتنديد بما أسمته في بيانات وصلت “العرب” نسخ منها بما أسمته “هيمنة وانفراد قوى غير دستورية بتسيير مؤسسات الدولة وفرض مرشحها على الشعب بالقوة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: