كيف تستعد أوروبا لاستقبال العائدين من داعش
تطرح مسألة عودة الأجانب الذين قاتلوا في السابق مع تنظيم الدولة الإسلامية تحديات كبيرة على الغرب، خاصة الدول الأوروبية التي وجدت نفسها مجبرة على التعامل مع الموضوع بعد أن جعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا واقعا أمام الأوروبيين عندما أعلن أنه يجب القبول بعودة المقاتلين الأجانب في ظل حشر التنظيم الجهادي في المربع الأخير له في سوريا.
لفترة من الزمن كانت عودة عناصر تنظيم داعش إلى بلدانهم الأصلية تؤرق دول شمال أفريقيا التي تقول الإحصائيات إن مواطنيهم يشكلون نسبة هامة من التنظيم المتطرف، إلى جانب وجود مجموعات متشددة أخرى تنشط في هذه المناطق وهي عبارة عن تفرعات لتنظيم الدولة الإسلامية أو موالين له مما يجعل إمكانية الالتحاق بهذه المجموعات المحلية حلا بالنسبة لعناصر داعش في ظل خسارة التنظيم لمناطق سيطرته في سوريا والعراق.
لكن في الفترة الأخيرة، أصبحت عودة مقاتلي تنظيم داعش مسألة ذات أولوية على طاولة الحكومات الغربية خاصة الأوروبية التي تتحدث التقارير الإعلامية الأخيرة عن أن الكثير من الأجانب الذين انظموا في السابق إلى تنظيم الدولة الإسلامية والذين تعتقلهم قوات سوريا الديمقراطية، مثلا، والتي تدعمها واشنطن، هم أساسا من الفرنسيين والألمان والبريطانيين.
وتقول قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية وتدعمها الولايات المتحدة، إنها تحتجز 800 مقاتل أجنبي بالإضافة إلى 700 من زوجاتهم و1500 من أطفالهم الذين يعيشون بمعزل عنهم في مخيمات في شمال شرق سوريا. ويصل العشرات من المقاتلين وعائلاتهم إلى هذه المنطقة كل يوم. ووفق بيانات وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول) فإن نحو 5 آلاف أوروبي، أغلبهم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، غادروا بلدانهم للقتال في سوريا والعراق، وإن حوالي 1500 منهم عادوا إلى أوطانهم.
سياسة الأمر الواقع التي فرضها ترامب تثير تساؤلات عديدة بشأن عودة مقاتلي تنظيم داعش الأجانب، من بينها هل أن المشكلة تكمن في قرار سياسي بإعادتهم دون التحضير لما بعد تلك العودة؟
وفي حال القبول بعودة المواطنين الأوروبيين الذين قاتلوا مع تنظيم الدولة الإسلامية، ماهي الشروط التي ستضبط هذه العودة؟ وماهي المخاطر التي تشكلها عودة هؤلاء على أمن بلدانهم في ظل التهديدات المتواصلة التي لا يزال يشكلها الإرهاب؟
فرضيات كثيرة تطرح عندما تناقش كيفية التعامل مع عودة المقاتلين في صفوف تنظيم داعش إلى بلدانهم، من بينها المحاكمات ووضع برامج خاصة لإعادة تأهيل العائدين.
وتسعى البعض من الحكومات إلى تجنب تحميلها مسؤولية من يعدون من مواطنيها وقاتلوا مع تنظيم داعش، من خلال إخراج ورقة سحب الجنسية أو المطالبة بمحاكمة مقاتلي داعش داخل البلدان التي ارتكبوا فيها جرائمهم، على غرار قرار إلغاء جنسية الفتاة البريطانية شميمة بيغوم التي تبلغ من العمر تسع عشرة سنة والتحقت بتنظيم داعش في سوريا عندما كان عمرها 15 سنة، الذي رأت فيه الحكومة البريطانية حالا يحصنها ضد المخاطر المستقبلية التي يمثلها المقاتلون العائدون من مناطق الصراعات والتوتر.
واتخذت وزارة الداخلية البريطانية قرارها بتجريد بيغوم الموجودة حاليا في مخيم للنازحين شمال سوريا من جنسيتها الريطانية على اعتبار أنها تحمل الجنسيتين البريطانية والبنغالية.
لكن دفاع بيغوم قال إنه ”لم يسبق لها أن امتلكت جواز سفر بنغاليا”، مما يجعل قرار وزارة الداخلية قابلا للطعن فيه بموجب القانون الدولي الذي يمنع أي حكومة من إلغاء جنسية شخص ما في حال كانت الوحيدة. في المقابل يتيح التوجيه الحكومي ببريطانيا لوزير الداخلية نزع حق المواطنة “للمصلحة العامة” عن شخص معين إذا توفرت له إمكانية التقدم بطلب للحصول على جنسية بديلة.
في دول عديدة في أوروبا وفي شمال أفريقيا هناك رفض شعبي كبير لعودة من انظموا إلى تنظيمات جهادية وتورطوا بشكل أو بآخر في الجرائم الإرهابية التي ارتكبها المتشددون.
تم توجيه اتهامات لوزيرة العدل الألمانية كاتارينا بارلي الثلاثاء بالمماطلة في إنهاء مشروع قانون يجيز سحب الجنسية الألمانية من الجهاديين الذين يحملون جنسية مزدوجة، من قبل ألكسندر دوبرينت رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا الشريك بالائتلاف الحاكم. واعتبر دوبرينت أن “أي مماطلة أخرى من قبل وزارة العدل ستكون بمثابة درجة عالية من الإهمال”. ودعما لمطالبة قوات سوريا الديمقراطية الدول التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب الذين أسرتهم خلال معاركها مع التنظيم المتشدد باستعادة مواطنيها، طالب الرئيس ترامب بدوره الدول الأوروبية باستعادة قرابة 800 جهادي أجنبي ومحاكمتهم.
يخيم الغموض على مصير مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في ظل الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية، وهو ما يقلص الفترة الزمنية التي يفترض أن تتصرف فيها الدول الأوروبية بشأن استعادة مواطنيها الأسرى هناك.
هدد ترامب الدول الأوروبية بإطلاق سراح الجهاديين الأوروبيين إذا لم تبذل هذه الحكومات الجهود اللازمة لضمان عودتهم. لكن قوات سوريا الديمقراطية التي تأسر عددا هاما من المقاتلين الأجانب تنفي نيتها في إطلاق سراح هؤلاء، في المقابل ترجح احتمال فرارهم في حال تعرضت المنطقة لهجوم.
كلا الاحتمالين: إطلاق سراح الجهاديين أو فرارهم، يزيد الضغوط على قادة الدول الأوروبية ويرفع منسوب المخاطر التي يمثلها من انتموا سابقا إلى التنظيمات الجهادية وتشبعوا بالفكر المتشدد، فالعديد من الأجانب الأسرى أو المقيمين حاليا في مخيمات النازحين بعد أن تمكنوا من الفرار من تنظيم داعش الذي استقطبهم عندما سطع نجمه عبروا عن رغبتهم الواضحة والصريحة في العودة إلى بلدانهم واستعادة حياتهم السابقة بعد أن أدركوا أنهم اقترفوا خطأ بالتحاقهم بتنظيم الدولة الإسلامية.
تواجه حكومات الدول الأوروبية صعوبات كثيرة في ما يتعلق بإثارة ملف عودة مقاتلي داعش.
تؤكد هذه الحكومات أنها تدرس كيفية التعامل مع مواطنيها الراغبين في العودة إليها، بما في ذلك إجراء تحقيقات مع المذنبين منهم بارتكاب جرائم ومحاكمتهم. هذا الأمر بدوره ليس سهلا للأوروبيين الذين يؤكدون أنه أمر معقد في ظل غياب الاعتراف الدولي بقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على المناطق التي يوجد بها المقاتلون السابقون الراغبون في العودة إلى أوروبا.
يبدو خيار العودة إلى البلد الأصلي بالنسبة إلى عناصر داعش رغم أنه ستتم محاكتهم أفضل من مواجهة المجهول في سوريا أو نقلهم إلى العراق البلد المتشدد في معاقبة المتطرفين، حيث صدرت أحكام بالإعدام أو بالسجن المؤبد على مقاتلي داعش.
يؤكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن عودة الألمان المتورطين مع داعش ليست بسيطة كما يعتقد الأميركيون، وأنه يجب على الحكومة الألمانية أن تعرف مدى مشاركة مواطنيها في عمليات التنظيم بسوريا.
من جهتها، شددت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبي على أن باريس ستواصل نهجها في ما يخص استعادة المقاتلين الفرنسيين في صفوف داعش من سوريا بشكل تدريجي، وليس بصورة فورية كما يطلب ترامب.
يقول البعض إن الدول الغربية لم تتخذ أي تدابير بشأن المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وهو ما يجعلها هدفا للانتقادات إذ طرح هذا الملف البعض من الفجوات التي تتخلل الأنظمة القضائية الغربية. فالمقاتلون الأجانب في صفوف داعش قد تصدر بحقهم عقوبات مخففة في بلدانهم الأصلية وإطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة من عودتهم إلى بلدانهم بالنظر إلى أن الجرائم التي ارتكبوها إلى جانب التنظيم ارتكبت خارج حدود بلدانهم الأصلية، تضاف إلى ذلك صعوبة التأكد من مدى تورط هؤلاء في أعمال داعش.
لكل هذه الأسباب ولأن القوانين الأوروبية لم تعالج بشكل دقيق وواضح مسألة عودة المقاتلين، تتبنى دول الاتحاد الأوروبي نهج التريث وانتظار تحييد أولئك العناصر في الأماكن التي يتواجدون فيها حاليا. إلى جانب ذلك، عدم رغبة الدول الغربية في القبول بعودة مقاتلي داعش تجد مبرراتها في الخشية من قيام هؤلاء بنقل التطرف وخبراتهم في الإرهاب، إلى السجناء الآخرين، ثم إلى المجتمع الأوروبي بعد إطلاق سراحهم. كما تخشى الدول الأوروبية من احتمال قيام المتطرفين بتشكيل خلايا جديدة في بلدانهم، والتخطيط لعمليات داخل المدن الأوروبية.