تعبئة حكومية فرنسية ضد معاداة السامية
تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتحرك وإصدار قوانين وإنزال عقوبات، لدى وصوله الثلاثاء إلى مقبرة كاتسنايم في شرق فرنسا، حيث تم تدنيس 96 قبرا يهوديا، وفي نفس اليوم شارك أكثر من نصف أعضاء الحكومة الفرنسية، بينهم رئيسها والعديد من النواب في تجمعات مناهضة لتزايد الأعمال المعادية للسامية، بما في ذلك استهداف المفكر آلان فينكيلكرو، في البلاد خاصة خلال تظاهرات “السترات الصفراء”.
وتسعى الحكومة الفرنسية إلى التعبئة من أجل وصم حركة السترات الصفراء بمعاداة السامية، وهي الحركة التي تحتجّ ضد الحكومة ليس لأسباب اقتصادية فقط، بل لدوافع سياسية أيضا إذ أبدت معارضة لتوجهات الرئيس ماكرون.
وأعلن ماكرون أثناء لقائه بسكان مستائين “سنتخذ إجراءات وسنصدر قوانين وسنعاقب”. ووقف بصمت أمام عدد من القبور، يرافقه حاخام فرنسا الأكبر حاييم كورسيا. وإزاء تزايد عدد الأعمال المعادية لليهود في فرنسا، وآخرها انتهاك حرمة القبور، تقرّر عقد تجمعات الثلاثاء في جميع أنحاء فرنسا.وقال ماكرون الذي قام بزيارته برفقة وزير الداخلية كريستوف كاستانير إن المطلوب الآن “مناشدة الضمائر” بالدعوة إلى “رد فعل شعبي” واستنهاض “القوة الكامنة في كل شخص”.
وأكد الرئيس الفرنسي أن “الذين قاموا بذلك غير جديرين بالجمهورية، وستعاقبهم”، فيما بادره أحد المواطنين بالقول “أصبنا في الصميم”. وإذ ندّد ماكرون بمرتكبي أعمال التدنيس هذه الذين وصفهم بأنهم “مجموعة أفراد تحرّكهم الكراهية”، قال إنه حضر إلى الموقع “لإثبات تضامن فرنسا برمّتها”.
وشدد على “تصميمه التام، تصميمنا التام، على التصدي لمعاداة السامية بكل أشكالها ولكل وجوه الكراهية هذه”. وتابع “سيكون هناك هذا المساء (مساء الثلاثاء) تجمعات في الكثير من مدن فرنسا بدعوة كل القوى السياسية، ستعبّر أيضا عن هذا التأثر وهذه التعبئة التي يلزمها البلد”.
وقد أحصت فرنسا بالإجمال 541 عملا معاديا للسامية في 2018، وهو رقم ازداد بنسبة 74 بالمئة في عام واحد، لكنه لا يزال أدنى من أرقام سجلت في 2014 (851) وفي 2004 (974).
وفي تصريح لمجلة “لكسبرس” الأسبوعية، قال رئيس الوزراء إدوار فيليب الذي سيشارك في التظاهرة، “يجب أن نكون مصممين بحزم شديد حيال رغبتنا في التصدي لمحاربة” معاداة السامية “المتجذرة بعمق في المجتمع الفرنسي”.
وفي “خطوة رمزية”، قبل التظاهرات المقررة، التقى رؤساء مجلس الشيوخ، جيرار لارشيه (اليمين)، والجمعية الوطنية، ريتشارد فيران (من الحزب الرئاسي، الجمهورية إلى الأمام) أمام النصب التذكاري للمحرقة في باريس.
وهذه التظاهرات التي جرت أكبرها في باريس، هي تلبية لنداء وقعه حوالي عشرين حزبا، بمبادرة من رئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور. وأعلن التجمع الوطني الذي تتزعمه مارين لوبان (اليمين المتطرف) الذي لم يوجه إليه فور دعوة، الاثنين، أنه سينظم تظاهرة من جانبه. وقال فور “نجم كل شيء من أنني لا أريد أن تكون قضية يهود وإنما قضية فرنسيين”.
وأيّد الحاخام الأكبر حاييم كورسيا، الذي التقاه فور قبل توجيه دعوته، تنظيم التظاهرة. وذكر جويل مرغوي، رئيس المجلس (المؤسسة التي تدير الشؤون الدينية لليهود) “منذ سنوات نطلب من المجتمع المدني أن يتعامل مع معاداة السامية”. حتى لو أنه يأسف لأن المشاركين لا يقولون أيضا “لا لمعاداة الصهيونية”.
وأعلن عدد كبير من الشخصيات عن مشاركتها، ومنها الرئيس السابق فرنسوا هولاند ورئيس حزب “الجمهوريون” المعارض (يمين) لوران فوكيوز والمسؤولان النقابيان لوران برجيه وفيليب مارتينيز.
وسيتحدث الرئيس الفرنسي، الذي انتقد بشدة الأعمال المعادية للسامية، مساء الأربعاء خلال حفل عشاء للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا. وكانت مشاركة حزب فرنسا المتمردة (اليسار المتطرف)، الذي لم يكن من أوائل الموقعين على الدعوة، موضع شك. لكن هذا الحزب سيكون حاضرا.
وقال أوليفييه فور، إن زعيم فرع حزب فرنسا المتمردة جان لوك ميلانشون ليس معاديا للسامية “كما هو واضح”. وكانت حركة السترات الصفراء التي تنظم تظاهرات كل سبت منذ ثلاثة أشهر، واجهت اتهامات من جديد بوجود معادين للسامية في صفوفها، بعد الإهانات التي صدرت السبت ضد الفيلسوف آلان فينكيلكرو على هامش مسيرة في باريس.
واعتبر إدوار فيليب أنه “سيكون من الخطأ والعبث القول إن حركة السترات الصفراء معادية للسامية”. وأضاف لكن “خلال أزمة السترات الصفراء سقط عدد من الحواجز والضمانات”.
ولم يشارك التجمع الوطني في التظاهرة. وأوضح حزب مارين لوبان، في بيان، أنه “لا ينوي التظاهر إلى جانب أحزاب وقادة سياسيين، إما لم يفعلوا شيئا منذ ثلاثين عاما ضد نشوء شبكات إسلامية في الأحياء، وإما قاموا بتشجيعها، أو يعتمدون حيالها لهجة مزدوجة غير مسؤولة”.