أنس الدكالي كيميائي مغربي بين لوبيات السياسة ولوبيات الدواء

وضعه فيروس إنفلونزا الخنازير تحت أضواء الاهتمام المحلي والدولي. يساري يشرف على قطاع ليس من السهولة التعامل مع تعقيداته وتحدياته ومتطلباته وخطورته، وزير الصحة الذي تم تعيينه قبل سنة ونيف جيء به من ميدان تدبير الكفاءات والشغل، لكنه فوجئ بأجواء من التمرد والاحتجاج من طرف شغيلة القطاع.

يمر أنس الدكالي هذه الأيام بضغوطات كبيرة، فزيادة على الاحتجاجات المتوالية لأطر وموظفي الوزارة وملحقاتها تلاحقه اتهامات بانعدام الكفاءة وغياب الجرأة السياسية في مواجهة الأزمات وصولا إلى تشويش واضح في كيفية تدبير تداعيات إنفلونزا الخنازير التي تفشت مؤخرا بعدد من المدن المغربية.

حصوله على الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية بكلية العلوم بالرباط أهله ليكون باحثا في المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، حيث تولى الإشراف على مختبر التحليلات البيئية بمنصب نائب رئيس الجمعية العالمية لخدمات التشغيل العمومي لمنطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية، وقبل موقعه الوزاري كان مديرا عاما للوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات.

اختاره حزب التقدم والاشتراكية ليكون وزيرا للصحة بدل سلفه الوردي من نفس الحزب، ربما توسمت فيه قيادته الكفاءة، خصوصا وأنه شغل أستاذا بالكلية متعددة التخصصات بتازة وأستاذا للكيمياء التحليلية بكلية الطب والصيدلة بالرباط، وعمل عضوا بالمجلس الإداري للمركز الاستشفائي ابن سينا.

إضرابات وشارات سوداء

الدكالي يعاني هذه الأيام من ضغوط كبيرة، فزيادة على الاحتجاجات المتوالية لأطر وموظفي الوزارة وملحقاتها، تلاحقه اتهامات بانعدام الكفاءة وغياب الجرأة السياسية في مواجهة الأزمات
الدكالي يعاني هذه الأيام من ضغوط كبيرة، فزيادة على الاحتجاجات المتوالية لأطر وموظفي الوزارة وملحقاتها، تلاحقه اتهامات بانعدام الكفاءة وغياب الجرأة السياسية في مواجهة الأزمات

في أول خطوة يخطوها الدكالي داخل الوزارة، واجهته إضرابات الممرضين والأطباء الذين ارتدوا الشارات السوداء احتجاجا على قلة الموارد البشرية، وغياب الشروط الكفيلة بالعلاج، منها ضعف التجهيزات والمعدات البيولوجية الطبية، وغياب بعض الأدوية المهمة.

يحمله هؤلاء المسؤولية، فقد كان الدكالي إلى جانب بقية القيادات في حزب التقدم والاشتراكية نائبا بمجلس النواب، لكن هناك من يقول إنه ليس سياسيا بمعنى الكلمة بل تكنوقراطي يقبع تحت عباءة يسارية لإضفاء بعض المصداقية على وضعيته وزيرا داخل الحكومة.

الغريب أن وزير الصحة المغربي عمد منذ اللحظة الأولى لانتشار إنفلونزا الخنازير إلى اعتماد لغة التطمينات وتبسيط الموضوع إلى أدنى حد ممكن، لكن كثرة الإصابات بالعدوى في صفوف الأطفال والنساء وحتى ضمن بعض الطواقم الطبية تنسف مقولاته مئة بالمئة. ويبدو أن الدكالي لا يستمع إلى النواقيس التي تدق ليل نهار في مدن متعددة من خطورة المرض وانتشاره وأنه لا بد من التعامل معه بيقظة أكثر.

ولا أحد يعرف أين وزارة الصحة من تصنيف منظمة الصحة العالمية الأطباء والممرضين في المستشفيات ضمن أكثر الفئات عرضة للوباء. إذ بشكل رسمي تم تسجيل حالتين في صفوف الممرضين، دون الحديث عمن هم في حالة هشاشة من كبار السن والنساء الحوامل والأطفال، فغياب شروط الحماية من جانب الممرضين والأهل يجعل العدوى تنتقل بسهولة.

الأخطر هو تصريح علي لطفي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، بأن “الوزارة لم توفر اللقاح المزدوج هذه السنة، والمهنيين يشتغلون دون قفازات طبية، ودون كمامات تقي من انتشار المرض. كما أن أدوات نظافة بدائية، مثل الصابون، لا تتوفر في أغلب المراكز الاستشفائية، تصريحات يستوجب أن تكون في علم وزير الصحة وأن يتولى الرد عليها بإجراءات عملية”.

عدوى المظلومية من العدالة والتنمية

حتى أعضاء البرلمان دعوا الدكالي إلى قول الحقيقة للمغاربة، بعيدا عن التصريحات المتناقضة التي أسهمت في ارتفاع منسوب الخوف في نفوس المواطنين، محملين وزارة الصحة مسؤولية انتشار المرض وعدم وجود خطة استباقية وتوفير أدوية ولقاحات في الوقت المناسب، إلى جانب ارتفاع سعر الدواء المخصص لمعالجة الفيروس.

وكالعادة يبرر الدكالي ذلك باتخاذ وزارته عدة تدابير استباقية مع بداية الموسم الحالي لم يكن معمولا بها السنة الماضية، نافيا أن تكون وزارته قد تأخرت في توفير الدواء واللقاح للمغاربة، مبررا بالقول إن “جميع الأشخاص الحاملين لبطاقة التغطية الصحية (راميد) يستفيدون من علاج مجاني وليس بمقابل مادي كما يتم الترويج لذلك”، فهل أخذ الوزير عدوى المظلومية ونظرية المؤامرة من زملائه في العدالة والتنمية.

نفاد مخزون الأدوية يرجعه الدكالي إلى الإكراهات التي يطرحها قانون الصفقات، والتي تتجلى في الوقت الذي تستغرقه وتؤثر سلبا على نفاد المخزون، مؤكدا أن شراء الأدوية ليس صفقة عادية، والحل اعتماد الصفقات الإطار لمدة ثلاث سنوات مع القيام بالمراقبة الداخلية والافتحاص بشكل دوري وسنوي. إضافة إلى تأخر الاعتمادات في بعض الحالات، والمرصودة لشراء الأدوية، حيث أن هذا التأخر الذي كان يقع في سنوات، تغلبت عليه الوزارة سنة 2019 الحالية.

بعض البرلمانيين المنتمين إلى حزب وزير الصحة يعملون ليل نهار على تبييض صفحته، واتهام الغير بالتشويش على منجزات رفيقهم، مؤكدين أن لوبيات الأدوية هي من تضع العصا في عجلة منجزات الوزير الحالي والسابق الذي قالوا إنه هدد في حياته

الفوضى التي يتخبط فيها القطاع الصحي الخاص والعام جعلت الناس يتذمرون من سوء الخدمات الصحية والبيروقراطية والمحسوبية المفتعلة وسياسة التمييز والخدمات المتدنية، وهي أحد مؤشرات الفشل في التدبير والاستباقية، لهذا تحدث الكل عن قرب إعفاء الوزير التقدمي الدكالي، الآتي من الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات “أنابيك” إلى وزارة ترتبط بالأمن الصحي للبلاد، من منصبه الحكومي، بعد تدبيره السيء لموضوع إنفلونزا الخنازير إلى جانب الاحتجاجات التي اجتاحت مرافق القطاع الذي يسيره.

لقد تم تعيين الدكالي في منصب مدير الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، في العام 2015، في ما يراه البعض صفقة تبادل للمصالح بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية. فترأس الوكالة لمدة ثلاث سنوات. مشددا على أن تلك المؤسسة، تحت إدارته، تسعى إلى وضع أسس قوية لإدماج الطاقات والموارد البشرية في الحياة النشيطة، ومحاربة البطالة والهشاشة، والدفع بعجلة الاقتصاد نحو الأمام، لكن ذات المؤسسة نالتها أسهم الانتقاد من طرف من قالوا إن العقود التي أبرموها مع المشغلين كانت مجحفة بحقهم وأنهم تم استغلالهم.

كلام الدكالي كان مناقضا لما سجله المجلس الأعلى للحسابات في أحد تقاريره حول مجموعة من الاختلالات التي تشوب عمل الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات. فقد تحدث أن عملية التعيين في المناصب داخل الوكالة لا تكرس الاستحقاق والشفافية المطلوبة، كما أكد وجود الكثير من الصفقات المفتوحة التي لم تتم تصفيتها داخل الوكالة والتي وصلت إلى 93 بالمئة من مجموع الصفقات المبرمة من قبل الوكالة. وهكذا كان الدكالي موضع شكايات متعددة، تصفه بأنه يحابي من ينتمي إلى حزبه، وأن قراراته كانت مجانبة للصواب في العديد من المناسبات سواء في طريقة برمجة الحركة الانتقالية أو بخصوص تدبير شأن بعض الوكالات الصغيرة.

مشروع إصلاح الصحة

يعمل المغرب على تفعيل المخطط الصحي في أفق العام 2025، وإصلاح النظام الوطني للصحة الذي دعا إليه العاهل المغربي الملك محمد السادس. وهنا يؤكد وزير الصحة أن النتائج الجيدة للمستشفيات تشكل جزءا كبيرا من الرهانات الكبرى لهذا الإصلاح المدعوم برؤية تتأسس على مبادئ الاستمرارية والتضامن والقرب والمساواة والفعالية وجودة الخدمات.

وعد الدكالي أن جميع المستشفيات على الصعيد الوطني ستتجند حتى لا تكون هناك مواعيد مؤخرة لإجراء العمليات الجراحية لهذا العام. لكن الواقع يقول غير ذلك عندما تضرب المستشفيات مواعيد للمرضى إلى السنة المقبلة رغم أن هناك حالات تحتاج إلى الارتفاق بها ووضع حد للانتظار قبل فوات الأوان.

وبالفعل هناك مستشفيات تستحق التنويه بفعل مبادرات جيدة نذكر منها تلك العملية الجراحية غير المسبوقة وطنيا والتي جرت بتاريخ 7 فبراير الجاري بالمركز الاستشفائي الجامعي بفاس، تتعلق بالقسطرة الداخلية للقلب، وإغلاق حاجز الاتصالات بين البطينين، استفادت منها طفلة تبلغ أربع سنوات ونصف السنة، وهي ليست جراحة لفتح الصدر ولا القلب، بل بتقنية التواصل عبر شريان الفخذ صعودا إلى القلب لوضع الطرف الاصطناعي لسد الثقب، والتي استغرقت ساعة ونصف الساعة.

ويتضح أن أمام الوزير رهانات كبيرة للارتقاء بالوظيفة المثلى للمستشفى العمومي، وكذلك العناية بقطاع الصحة على المستوى الجهوي، واعتماد الحكامة الاستشفائية، ناهيك عن الالتحاق بركب الرقمنة بالمستشفيات المغربية وكذا أدوار المستشفى في التنمية المستدامة. وعدم الركون لوعود لن ترقى بالقطاع ككل.

هكذا قال الصيدلانيون المغاربة في مواجهة الدكالي، والوزير الذي سبقه. فأوضاعهم صعبة ويعيشون مشاكل متعددة وسيف الإفلاس موضوع على رقبة أكثر من 3 آلاف صيدلاني، في الوقت الذي لم تقدم الحكومة أي حل بالنسبة لهم.

وكل التعهدات التي تم تقديمها في أول خطوة لتخفيض أثمان الأدوية والتي تعهد وزير الصحة السابق الحسين الوردي بالوفاء بها، تم التنكر لها مجددا، وظلت الإجراءات المصاحبة التي التزمت بها الوزارة حبرا على ورق.

وزير الصحة المغربي يكرر منذ اللحظة الأولى لانتشار إنفلونزا الخنازير لغة التطمينات ويبسيط الموضوع إلى أدنى حد، لكن كثرة الإصابات في صفوف الأطفال والنساء والطواقم الطبية تنسف مقولاته
وزير الصحة المغربي يكرر منذ اللحظة الأولى لانتشار إنفلونزا الخنازير لغة التطمينات وتببسيط الموضوع إلى أدنى حد، لكن كثرة الإصابات في صفوف الأطفال والنساء والطواقم الطبية تنسف مقولاته

هكذا هي علاقة الصيدلانيين في المغرب مع وزير الصحة الذين لم يعد لهم صبر عليه، وفقدوا كل ثقة في الوعود الكلامية التي يقطعها، في ظل غياب إجراءات فعلية.

وحتى لا يتم اتهامهم بوضع الحجرة في الحذاء، قال هؤلاء للوزارة إن هناك عددا من الخطوات الإجرائية التي يمكن القيام بها دون أن يكلفها ذلك شيئا، كتحديد لائحة الأدوية والمستلزمات الطبية داخل المصحات والمستشفيات.

لكن بعض البرلمانيين المنتمين إلى حزب وزير الصحة يعملون ليل نهار على تبييض صفحته، واتهام الغير بالتشويش على منجزات رفيقهم، مؤكدين أن لوبيات الأدوية هي من تضع العصا في عجلة منجزات الوزير الحالي والسابق الذي قالوا إنه هدد في حياته.

ولا نزال نتذكر أن الحكومة التي يشارك فيها حزب وزير الصحة الحالي والفائت رفعت شعارا بمحاربة الفساد، وعلى هذا الأساس كان التحالف بين حزبي التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، لكن شبهات فساد طالت صفقات أدوية على صعيد الوزارة التي يديرها أنس الدكالي دفعت قضاة المجلس الأعلى للحسابات إلى فتح تحقيق في صفقات مديرية الأدوية والصيدلة للافتحاص، بعدما توصلوا بمعلومات دقيقة حول خروقات في تدبير صفقات بالمليارات ورطت مسؤولين وشركات.

التدقيق في تفصيل طلبات عروض مشبوهة، والتلاعب بتراخيص تسويق ومنح أذونات عرض في السوق ومساطر تسعير الأدوية للعموم، كانت مهمة لجان المجلس الأعلى للحسابات، ودفاع الدكالي في ما يرتبط بمسطرة صفقات الأدوية ارتكز على أنها مؤطرة بموجب قانون الصفقات والأشغال العمومية، مضيفا في السياق ذاته أن الصفقات التي تبرمها اليوم وزارة الصحة عن طريق طلبات العروض، هي مفتوحة ومتاحة لجميع المتنافسين، الذين تضمن لهم الوزارة كامل الشفافية والنزاهة التي يخولها القانون.

قضايا متفجرة

دون أن يقدم على إجراءات زجرية واضحة، اعترف الدكالي بوجود ظاهرة تغيبات الأطباء والممرضين دون مبرر في المراكز الصحية والمستوصفات، والمستشفيات، ما ينعكس سلبا على الخدمات الطبية المقدمة للمرضى خاصة حينما يتعلق الأمر بالحالات المستعجلة أو إجراء عمليات جراحية.

انفجرت في وجه الدكالي قضية فرض الأداء على مرضى السل، حيث طالبه نواب برلمانيون بإرجاع الأموال المستخلصة بموجب حق إلى أصحابها من المرضى الفقراء المعوزين المصابين بداء السل، وتساءل هؤلاء إن كان الوزير سيأمر بإيفاد لجنة من المفتشية العامة للوزارة، لفتح تحقيق في الموضوع، واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية لإرجاع الأمور إلى نصابها، والحد من هذه الممارسات المنافية للقانون.

الناس العاديون يريدون حلولا، ويضعون في اعتبارهم أن الوزير هو المسؤول عن توفير الدواء والمخول بالدفاع عن حقهم في العلاج، ولا يعنيهم أي شيء آخر. ما يقض مضجع الفئة الهشة بالمجتمع هو الذهاب إلى المستشفى للحصول على دواء الإنسولين فلا يجدونه، وهذا ما حدث بالفعل في عدة مراكز صحية، إذ هناك من يؤكد أن هناك أيادي تخفيه عنوة لدفع الناس إلى اقتناء حقن الإنسولين والأقراص من الصيدليات. وبالطبع الوزير الدكالي ينفي ذلك ويؤكد أن الوضع تحت السيطرة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: