عقم سياسي يسير بالجزائر نحو تأبيد بوتفليقة رئيسا مدى الحياة
سرّع إعلان عبدالعزيز بوتفليقة عن ترشّحه للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر أبريل القادم من نسق تحرّكات أحزاب المعارضة الساعية إلى قطع الطريق أمام ولاية خامسة للرئيس الجزائري الحالي، الذي يثير تمسّكه بالسلطة رغم وضعه الصحّي غير الملائم لأداء مهامه جدلا واسعا ورفضا شعبيا وسياسيا. وألقت نوايا بوتفليقة التمسّك بكرسي الحكم بظلالها داخل الأحزاب المعارضة، التي لم تستطع إلى اليوم صياغة موقف موحّد من الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الجزائري، كما أنها باتت تسارع الزمن للبحث عن مرشّح توافقي قبل حلول آخر موعد لقبول الترشحات والذي سيكون في 3 مارس المقبل، وبينما تدفع الأحزاب الإسلامية للتحالف والتفاهم نحو مرشّح موحّد، تتشبث الأحزاب العلمانية واليسارية إما بالمقاطعة وإما بتقديم مرشحين فرادى عن كل حزب.
حسم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الجدل الذي رافق مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 18 أبريل القادم، بإعلانه نيّته الفوز بولاية خامسة رغم وجود إجماع جزائري على عدم قدرته على أداء مهامه بسبب وضعه الصحي المتعكّر.
رغم أن عبدالعزيز بوتفليقة أكّد في رسالة توجّه بها لأنصاره والمناشدين لبقائه في السلطة أنه يتعهّد بإجراء إصلاحات عميقة في حال فوزه مجددا بالرئاسة الجزائرية، إلا أن خطوته زادت في تفاقم الغضب الشعبي والسياسي، لتكثّف أحزاب المعارضة بأطرافها الإسلامية والعلمانية واليسارية نسق تحركاتها الساعية إلى قطع الطريق أمام الولاية الخامسة لبوتفليقة.
تقارب الإسلاميين
مع إدراك المعارضة الجزائرية لصعوبة الاختبار الذي وُضعت فيه بالنظر إلى تجمّع العديد من العوامل التي تشير إلى أسبقية بوتفليقة عن أي مرشح آخر، بسبب سيطرته وحزبه على مفاصل الدولة التي يتم توظيفها بشكل كبير خلال كل الاستحقاقات الانتخابية، إلا أنها بقيت مشتتة رغم وعيها بأنّ مقارعة بوتفليقة لا يمكن أن تكون إلا عبر تقديم مرشّح توافقي تُجمع عليه كل أطراف المعارضة.
تعكف الأحزاب الإسلامية الجزائرية على إجراء مشاورات مكثّفة تحدد على إثرها كيفية ظهورها في الانتخابات الرئاسية في شهر أبريل القادم، وكانت بداية التحركات مع إطلاق “جبهة العدالة والتنمية” قبل أيام بقيادة المعارض الإسلامي عبدالله جاب الله، مشاورات مع مرشحين وأحزاب من داخل وخارج التيار الإسلامي، من أجل التوحّد وراء مرشح توافقي لدخول سباق الرئاسة المقبل.
وشرعت قيادة الحركة في إجراء اتصالات مع مختلف أقطاب المعارضة ومرشحين من أجل تجسيد مشروعها، في تحركات تبدو أشبه بسباق مع الزمن قبل موعد إغلاق باب تقديم الترشحات لمنصب الرئاسة، في 3 مارس القادم.
مبادرة جاب الله تفاعلت معها أحزاب إسلامية أخرى وباركتها، خاصة بعدما أعلنت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) موافقتها المبدئية على مبادرة جاب الله، لتقديم المعارضة مرشحا وحيدا أمام الرئيس بوتفليقة، في السباق الرئاسي المقرر في 18 أبريل المقبل.
والتقى جاب الله الأحد، قيادة حركة “مجتمع السلم” لعرض مبادرته. وكانت حركة “مجتمع السلم” أعلنت سابقا ترشيح رئيسها عبدالرزاق مقري، للسباق الرئاسي، وجددت الاثنين، في اجتماع مكتبها التنفيذي، “إصرارها على تنفيذ القرار بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، والمنافسة الجادّة على منصب رئاسة الجمهورية بجدارة واستحقاق”.
لكن البيان أوضح أنه “في حالة الوصول إلى الاتفاق على مرشح واحد للمعارضة، ستعود قيادة الحركة إلى مجلس الشورى الوطني، للفصل في الموضوع قبل نهاية أجل إيداع ملفات الترشح” في 3 مارس المقبل.
مأزق المرشّح الموحد
بنفس أجواء الولاية الرابعة التي فاز بها في آخر انتخابات، يعتبر العديد من المراقبين أن بوتفليقة وآلته الحزبية التي سيطرت على مفاصل الدولة قادران على الحفاظ على كرسي الحكم حتى دون إجراء حملة انتخابية ضخمة، بسبب تواصل تشتت أحزاب المعارضة التي قد تضيّع على نفسها فرصة جديدة، بسبب تراكم الخلافات الأيديولوجية والسياسية بينها.
وفي وقت بات فيه ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة مؤكدا، ووسط الدعم الذي يلقاه هذا الترشح من قبل الأحزاب الموالية له، بدا أن ما من فرصة أمام المعارضة سوى التوحد حول مرشح واحد، لخلق وزن سياسي قادر على توحيد أصوات الناخبين.
لكن، وقبل أقل من 3 أسابيع على إغلاق باب الترشح، لا تزال المعارضة مشتتة، غير قادرة على حسم أمر توحدها. واختار البعض من أحزاب المعارضة تقديم مرشحيها بشكل منفصل، وأخرى أعلنت مقاطعة اقتراع “لا توجد أي فرصة للتغيير من ورائه”، فيما تحاول أخرى الدفع بمشاورات حتى خارج عائلتها السياسية، بحثا عن توافق “اللحظات الأخيرة”.
ومن بين الأحزاب التي أعلنت عن نيتها الدخول في الاستحقاق الانتخابي المرتقب، أعلن حزب “طلائع الحريات” ترشيح رئيسه علي بن فليس، والأخير هو رئيس حكومة سابق (2000 – 2003)، ومرشح رئاسيات 2004 و2014.
كما أعلنت حركتا “مجتمع السلم”، و”البناء الوطني” الإسلاميتان، ترشح رئيسيهما على التوالي عبدالرزاق مقري، وعبدالقادر بن قرينة، فيما أعلن “حزب العمال” (يسار) نيّته ترشيح أمينته العامة لويزة حنون، في هذا السباق، إضافة إلى الجنرال المتقاعد علي غديري.
أما حزبا “جبهة القوى الاشتراكية” (يسار)، و”التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” (علماني)، فقد أعلنا مقاطعة الانتخابات بدعوى “عدم وجود فرصة للتغيير”. والحزبان تقع معاقلهما الرئيسية في منطقة القبائل (موطن أمازيغ الجزائر شرق العاصمة).
رغم ضيق الوقت الذي يفصل أحزاب المعارضة عن آخر أجل لإيداع ملفات الترشحات والذي سيكون في 3 مارس القادم، إلا أنها وعلى الرغم من تقدّم المفاوضات بين مختلف العائلات السياسية والفكرية لم تستطع تقديم مرشح تُجمع عليه مختلف حساسيات الطيف السياسي.
الاختلافات تشق المعارضة
ظهرت الأحزاب الإسلامية في مشاوراتها أكثر تماسكا من الأحزاب اليسارية والعلمانية، حيث قال لخضر بن خلاف، رئيس مجلس شورى “جبهة العدالة والتنمية” (إسلامي)، “أنهينا أسبوعا من الاتصالات الثنائية مع قادة المعارضة، وكل من التقينا بهم باركوا هذه المبادرة”، دون أن يذكر هوية هؤلاء “المباركين”.
وأضاف بن خلاف، “خلال الأسبوع الثاني، سنعمل على عقد لقاءات جماعية بين أقطاب المعارضة حول نقطتين هامتين؛ الأولى تتعلّق بهوية مرشح المعارضة التوافقي، والثانية ببرنامجه الانتخابي والبرنامج الذي سيطبقه في حال وصوله للحكم”.
وحسب بن خلاف، فإن “أصحاب المبادرة يعتقدون أنه رغم ضيق الوقت لتحقيق التوافق، لكن هناك إرادة لتحقيق ذلك قبل موعد إغلاق أبواب الترشح في 3 مارس القادم”.
وعن قدرة مرشح المعارضة التوافقي على منافسة الرئيس بوتفليقة، قال “عندما تتعاون المعارضة وتقف وراء مرشح واحد، وتقوم بحراسة 60 ألف مكتب تصويت، فسيكون هناك حاجز أمام من يريدون التزوير”.
ويفنّد بن خلاف ما يتم ترويجه من أحزاب الموالاة للسلطة الجزائرية بشأن أسبقية بوتفليقة عن كل المرشحين، قائلا “البعض يقول إن السباق محسوم مع دخول رئيس الجمهورية السباق، لكن المعارضة ستقوم بمقاومة سياسية وتحرج المزوّرين”.
وشدد على أن “خيار الانسحاب من الانتخابات يظل مطروحا في حال رأت المعارضة أن السباق محسوم سلفا، أو أنه يجري في ظروف غير نزيهة”.
وفي ظل تواصل المعارك السياسية والفكرية بين أحزاب المعارضة الجزائرية، ترجّح العديد من المراجع السياسية عدم تمكّنها من تقديم مرشح واحد وتوافقي.
وتوقع توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة، فشل مساعي المعارضة من أجل التوافق حول مرشح مشترك.
وقال “أستبعد اتفاق كل أطياف المعارضة على مرشح واحد، لكن هناك احتمال حدوث تحالف بين العائلات السياسية (الإسلاميون وتيار الوسط)”، مضيفا “لا أعتقد أن المعارضة لها رؤية موحّدة للانتخابات الرئاسية.
ولم يسبق للمعارضة الجزائرية أو أهم أن دخلت سباق الرئاسة بمرشح واحد، تراكم هذه التجارب أشار إليه عبدالعالي رزاقي، أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر، بقوله إن “مساعي المعارضة لتقديم مرشح توافقي لم تكتمل حتى الآن”.ولفت إلى وجود حالة من “عدم وضوح للرؤية بالنسبة إلى أحزاب المعارضة”.