موجة تخويف جديدة من المهاجرين المسلمين
مثّلت تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتو أوربان التي تعهد خلالها بالدفاع عمّا وصفه بـ”الشعوب المسيحية” لأوروبا إشارة انطلاق أخرى لموجة تخويف متوقعة، ستعرفها بلدان الاتحاد مع قرب الانتخابات الأوروبية، في محاولة حشد الأنصار من خلال الترويج لفكرة أن الهوية المسيحية في خطر بسبب تزايد عدد المهاجرين.
بدأت ملامح موجة جديدة تظهر للتأكيد على مسيحية أوروبا مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو القادم من قبل أحزاب وقادة اليمين المتطرف، ويظهر ذلك جليّا من خلال تصريح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بأنه من الضروري الدفاع عن “الشعوب المسيحية” في أوروبا في مواجهة المهاجرين، الذين اعتبرهم السبب في انتشار الجريمة والإرهاب بالقارة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها أوربان بدلوه في ملف الهجرة، وهو أحد أبرز القادة الأوروبيين المعارضين لسياسة الانفتاح التي اعتمدتها الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بمعالجة أزمة المهاجرين، وكان قد اعتبر في مناسبات سابقة أن اللاجئين الذين فتحت لهم دول الاتحاد أبوابها يهددون الهوية الأوروبية.
وإلى جانب أوربان يبرز وزير الخارجية النمساوي، هربرت كيكل، كأحد المسؤولين الأوربيين الذين يحملون آمال اليمين المتطرف بتبنّي إجراءات متشددة أكثر بشأن الهجرة، إذ قال إن الانتخابات الأوروبية فرصة لتغيير سياسات اللجوء في التكتل. وكيكل المنتمي إلى حزب الحرية اليميني المتطرف أعرب عن أمله في أن تجلب انتخابات البرلمان الأوروبي تغييرا في المسار في سياسة اللجوء الأوروبية.
وأوربان يعدّ نموذجا للقطب الأوروبي الذي يرفض مسألة الهجرة بشكل حاسم، مبررا ذلك بدفاعه عن القيم المسيحية الأوروبية، حيث اعتمد هذه الحجة في نقد السخاء الأوروبي خاصة من جانب ألمانيا في استقبال المهاجرين مع اندلاع النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، والتي احتدت بسبب الأزمة السورية.
وخلال السنوات الأخيرة، ومع صعود تيارات اليمين المتطرّف في أوروبا ونجاح أحزابه في تحقيق غنائم انتخابية مكّنته من الوصول إلى الحكم، رضخت أوروبا لخيار اعتماد سياسة متشددة في تجاه طالبي اللجوء منذ العام 2015.
وأطلق أوربان حملته للانتخابات الأوروبية داعيا الناخبين إلى الدفاع عن الشعوب “المسيحية” في أوروبا في مواجهة الهجرة، التي قال إنها أدّت إلى “فيروس الإرهاب”.
وأعلن أوربان، في خطابه عن حال الأمة في بودابست، رزمة إجراءات في مقدمتها خفض الضرائب ودعم الأسر لمساعدتها في إنجاب عدد أكبر من الأطفال، في خطوة اعتبر أنها تعالج مشكلة تراجع عدد السكان في بلاده بدل اللجوء إلى استقبال مهاجرين.
وتابع أنّ “الهجرة جلبت ارتفاع الجريمة وخصوصا الجريمة ضد النساء، إضافة إلى فيروس الإرهاب”. ورفض أوربان زيادة عدد المهاجرين في أوروبا لمعالجة مشكلة تراجع عدد المواليد معتبرا الأمر بمثابة “استسلام”.
وقال “نحن لا نريد فقط أرقاما، نريد أطفالا مجريين”، معلنا إعفاء المجريات اللواتي يلدن أربعة أطفال أو أكثر من ضريبة الدخل الشخصي مدى الحياة. وانخفض عدد سكان المجر إلى ما دون 10 ملايين نسمة خلال السنوات الأخيرة، وتشهد أحد أقل معدلات الخصوبة في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وسافر نحو نصف مليون مجري إلى دول غرب أوروبا منذ انضمت بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2004.
وقال أوربان إنّ انتخابات مايو للبرلمان الأوروبي تعتبر “مفترقا تاريخيا” لأوروبا. وحصر الاختيار بين “النزعة الدولية الجديدة” المؤيدة للهجرة من جانب بروكسل بدعم من “رجال المال” مثل الملياردير الأميركي الليبرالي جورج سوروس، والدول القومية ذات السيادة التي تدافع عن التقاليد والمسيحية. وحذّر من التصويت للأحزاب المؤيدة للهجرة في الانتخابات.
وقال إنّ أولئك الذين “يصوّتون للهجرة والمهاجرين لأي سبب يخلقون شعوبا مختلطة الأعراق”. ومع إشارته مرارا إلى تخلّي المجر عن الشيوعية العام 1989، قال إن المجريين يواجهون مجددا “أولئك الذين سيمحون تقاليدنا ودولنا القومية”.
وأضاف أن “التقاليد التاريخية في دول المهاجرين وصلت إلى نهايتها… في مثل هذه البلدان يتم خلق عالميْن مسيحي وإسلامي عبر تقليص نسبة المسيحيين باستمرار”.
وعبّر أوربان عن مواقف مماثلة معادية للإسلام وللمهاجرين قبل عام، حيث قال في فبراير العام الماضي إن “الهجرة تهدد أمننا وطريقة عيشنا وثقافتنا المسيحية”، وشبّه زيادة أعداد المهاجرين بـ”سحب سوداء تتجمع فوق أوروبا” قائلا إن “أوروبا لا تدرك حتى أنها محتلة”.
كما اعتبر أن استمرار استقبال المهاجرين سيجعل من أغلب البلدان الأوروبية مسلمة وأن “الأمم ستختفي والغرب سيسقط”. الدعوات إلى حماية “مسيحية أوروبا” والمرتبطة أساسا بالمواقف المناهضة بشدة للهجرة، جعلت من الانتخابات الأوروبية المرتقبة مجالا لتنافس قطبيْن متناقضيْن تشكّل أحد طرفيه الأحزاب الليبرالية الأوروبية، فيما يوجد على الطرف الآخر القوى الشعبوية التي تعيش صعودا غذّته السياقات الإقليمية والدولية.
وزير الخارجية النمساوي، هربرت كيكل، يبرز كأحد المسؤولين الأوربيين الذين يحملون آمال اليمين المتطرف بتبنّي إجراءات متشددة أكثر بشأن الهجرة
الحديث عن الهوية المسيحية لأوروبا وحماية المسيحية الأوروبية وغيرها من المصطلحات المنتمية إلى هذا المعجم، تستحضرها القوى اليمينية الشعبوية في استمالة أنصارها أو في كسب أصوات جديدة مع كل محطة انتخابية. ففي مايو الماضي استحضر وزير الخارجية المجري، بيتر سيزجارتو، كلاما من هذا النوع في محاولة تأكيده أن الاتحاد الأوروبي سيكون أقوى شرط أن يحمي الهوية المسيحية، وأنّ بقاء أوروبا رهن تحقّق ذلك.
ولا يجد أوربان حرجا في الإعلان عن رفضه القاطع لتعدد الثقافات، وقد أعلن في مناسبات سابقة إيمانه الراسخ بتحقيق رؤيته لما وصفه بـ”الديمقراطية المسيحية” بديلا عن الديمقراطية التي يعتبرها “فاشلة”. ويرى أوربان أن “النخبة الليبرالية في أوروبا أصبحت تتنكر لأصولها، وتسعى إلى إنشاء قارّة بمجتمع مفتوح بدلا من الحفاظ على ثقافتها المسيحية”.
وتبدو تصريحات أوربان الأخيرة بمثابة إشارة انطلاق لموجة تخويف جديدة تقوم على التأكيد على مسيحية أوروبا، ذلك أنه من المتوقّع أن يكون كلام رئيس الوزراء المجري قد يكون مجرد بداية لبروز تصريحات أخرى لقادة أوروبيين يتبنّون نفس أفكار أوربان، ويعتمدون على سياسة التخويف من فقدان أوروبا لهويتها المسيحية في مسعى للتأثير على الناخبين من الأوساط الشعبية.
وكان سياسيون وأحزاب يمينيون متطرفة في أوروبا لاسيما أوروبا الشرقية كسبوا معارك انتخابية في الفترات الماضية، من خلال توظيفهم للسياسة التخويف من المهاجرين في سياق حملاتهم لحشد الأصوات لصالحهم. وتجد حملات التخويف هذه صدى في بلدان أخرى عدة من أوروبا وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث اعتمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطاب التشدّد تجاه طالبي اللجوء، بالإضافة إلى التركيز على القيم المسيحية خلال حملته الانتخابية وما يزال يعتمد نفس الأمر حتى بعد وصوله إلى البيت الأبيض.