الصحافة المغربية وأساليب المخابرات
ما إن تدخل كواليس بعض الصحف المغربية ، حتى تشعر بأنك صرت في غرفة الاستقبال لأحد الفروع المخابراتية المغربية ، تفتح على قسم (اتصل بنا ) أو (من نحن) فتجده موشى بعدة جمل منمقة، تشبه الجمل التي يقولها لك حاجب رئيس فرع المخابرات، وأنت تنتظر الدخول إلى معلمه، مثل نحن في خدمة الكلمة الحرة، أو ننتظر مروركم وملاحظاتكم القيمة، أو مساهماتكم تغني صحيفتنا، وهذا كله، كما ستكتشف لاحقا، مجرد شعارات جوفاء، ومكرورة، وبلا أي معنى!
في فرع المخابرات، وقبل أن تنال التنكيل المخصص لك، يقدمون لك كأس زهورات لتهدئ أعصابك، ولتعتبر بأن الموضوع هو مجرد فركة إذن، وعدة مواعظ سخيفة، تشبه مواعظ التلفزيون، أو الصحيفة الحكومية، أو أي إذاعة تجأر باسم الوطن والمواطن، أو تكتب للحقيقة وفقط للحقيقة!!
ما إن تتناول عنوانا إلكترونيا، وتراسله من العناوين المعلنة للصحيفة الإلكترو-ورقية، أو الإلكترونية الصرفة، حتى تعرف بأن هذه العناوين لا أحد يرد عليها، ولا يوجد فيها حتى مجيب إلكتروني، يبلغك بأن رسالتك قد وصلت، فكل ما عليك هو الانتظار ثم الانتظار.. ولن يجديك نفعا، فتح علبة البريد الوارد كل ساعة، ولا كل يوم، ولا كل ما تشاء.. حتى تخطر على بالك أساليب الرد المخابراتية، التي تصرفك عن مراجعة الفرع، ولو كانت شديدة القسوة!!
تكتشف بعدها، أن العناوين الحقيقية لهيئة التحرير، هي عناوين خاصة وضمن الأسرار المكنونة، التي لا تعطى إلا للأصفياء، الذين تتكرر أسماؤهم في صفحات الصحيفة كل يوم، وربما مرتين، أو ثلاث مرات في اليوم الواحد!!
تعتمد الصحافة المغربية كثيرا، على الصحافة الأجنبية باستقاء الأفكار الجديدة والمبتكرة، وربما انتحال جوهر المقالات علنا، من قبل بعض المحررين، ويولي الجمهور ثقته أكثر للمقال الأجنبي المترجم من الصحافة الأجنبية، طبعا لأن الصحافة الأجنبية تولي الأهمية الكبرى للابتكار وللإبداع، وليس للزبائنية، وكتّاب الولاء والثقة، الذين تعتمد عليهم الصحيفة المغربية ، في نشر التكرار والملل حتى السأم!! حيث تستقي الصحف من النظم المغربية بنيتها وهرميتها، التي تعج بأمراض هذه النظم الداعمة والممولة لها!!
الصحافة الأجنبية تبحث عن الفكرة الجديدة والمبتكرة، التي تستنفر كل قواها من أجل اجتذابها، وقد تدفع سلفا لكتابها المكلفين بمعالجة الجديد من الموضوعات، في حين تجد أن الصحيفة النغربية، تدفع لكاتبها من باب المكافأة أو الصدقة الجارية، معتبرة أن الكاتب إنسان يعيش على الطاقة الشمسية، أو هو يمتلك الكثير من متانة الوجه التي يواجه بها، متطلبات حياته القاسية، ولذلك تجري التخفيض بعد الآخر، على حقوق الكاتب بحجة الموازنة ونقص التمويل!!
التنكيل بالكُتّاب والاستخفاف بهم، يؤدي بصحافتنا إلى هذه الحال المزرية، ويبقى القراء يتهافتون على مقالات الصحف الأجنبية المترجمة في الشأن العربي، لأنه سيجد دائما فكرة جديدة، أو معلومة، أو محاكمة جديدة، ومبتكرة لدى الصحفي الأجنبي، ليس لأنه سوبر مان، بل لأن صحيفته تحترمه، وتحترم كل كتابها، بالإضافة إلى أنه يجد مصادر المعلومات مفتوحة أمامه، وما عليه إلا ابتكار الأفكار الجديدة لمقالته..
فإذا كانت مصادر المعلومات المغربية، مُحتجزة لدى أجهزة المخابرات ، التي تقفل عليها حتى التعفن، فكل ما نرجوه من الصحف ألا تتعامل بهذه الطرق البائدة مع الكتاب والصحفيين، فقديما كانت الصحيفة ، ترسل رسالة عليها طوابع بريد، وتقطع الحدود والبلدان، وتعبر مختلف أجهزة التفتيش، من أجل أن تُبلّغ الكاتب، بأن مقالته قد وصلت، وهي قيد الدراسة، مما يبعث بنفس الكاتب روح الاحترام، التي يستكثرها اليوم مدراء الصحف، والأقسام، ويضنون بها، على الكاتب، ويبخلون عليه بكبسة زر تبلغه، بأن رسالته قد وصلت وهم سيقرأونها، وسيدرسونها باهتمام بالغ، كما تذكر بعض الردود الصحفية الكريمة!!!