هل ما يحصل بين المغرب والسعودية «سحابة عابرة»؟
خفّف سفير المغرب في السعودية، مصطفى المنصوري، من قضية استدعاء الرباط له لـ«التشاور» معتبرا أن العلاقات بين البلدين تمر بـ«سحابة عابرة»، مؤكدا أن الأمور ستعود إلى حالتها الطبيعية بالنظر إلى «العلاقة التاريخية الأخوية» بين البلدين، فهل الأمر كذلك حقّا؟
الواقع أن المسؤولين في الرياض، و«جنودهم» في القطاع الإعلامي لا يوفّرون سبباً لتتحول «السحابة العابرة» إلى عاصفة هوجاء، وكان المستجدّ في سياسة الكيد الإعلامي للرباط بث قناة تلفزيون «العربية» تقريراً مصوّرا مسّ «السلك الكهربائي» للسياسة في المغرب، بعرضه تقريرا إخباريا الأسبوع الماضي حول نزاع الصحراء نُشرت فيه خريطة للمغرب محذوف منها صحراؤها، وهو أمر يشبه ربّما نشر خريطة المملكة العربية السعودية من دون نجران أو المنطقة الشرقيّة.
لا يمكن التشكيك في أن هدف هذا التقرير كان استفزاز المغرب باقتطاع بقعة جغرافية في انحياز علنيّ إلى خصوم الرباط في «جبهة البوليساريو» التي تنازع الرباط ملكيّة هذه البقعة من الأرض وبضع دول أخرى وبالتالي فإن وقف الرباط لتحالفها المعلن مع السعودية ضمن قوات «التحالف» المشاركة في حرب اليمن كان ردا مع ما قامت به المحطة المحسوبة على السلطات السعودية.
معلوم أن الرباط تعتبر قضية الصحراء ميزاناً لعلاقاتها مع حلفائها (والسعودية معتبرة منهم) وخصوم الجغرافيا السياسية كالجزائر، أو الأيديولوجيا كفنزويلا (وهو ما تسبّب في سرعة اعتراف الرباط بخوان غوايدو زعيم المعارضة الفنزويلية رئيسا)، فما الداعي إذن لتقوم الرياض بهذه الخطوة؟
الحقيقة أن الرياض تعمل منذ سنوات على تأجيج الخصومة مع نظيرتها في الرباط وقد ارتبط ذلك بمؤشر صعود نجم وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الذي بدأ بشغله منصب رئيس الديوان الملكي مع تولّي والده الحكم في يناير 2015، ثم إعلانه وليّا للعهد في إبريل من العام نفسه، وتجميع السلطات المالية والعسكرية والسياسية في يده.
منذ تلك اللحظة بدأت الرؤية السياسية للأمور بين البلدين تتعارض، وكان من النقاط الرئيسية لهذا التعارض السياسة العدوانية التي انخرطت فيها السعودية مع الإمارات والبحرين ومصر ضد قطر بحصارها بريا وبحريا وجويا، وكذلك الآثار الكارثية للحرب التي ابتدأها بن سلمان، ضمن منصبه كوزير لدفاع السعودية، في اليمن، مروراً باعتقال الأمراء وكبار رجال الأعمال والأكاديميين تحت يافطة «مكافحة الفساد».
ولابد أن للتجربة الديمقراطية التي تزداد ترسّخا في المغرب دوراً إضافيّاً في هذا الخلاف، فصعود بن سلمان، وتحالفه مع الإمارات والبحرين ومصر، جاء لدفن أي إمكانيّة في العالم العربيّ لتأسيس إرث ديمقراطيّ، وزاد في الطنبور نغماً بالتأكيد أن حكومة المغرب يقودها حزب «العدالة والتنمية» المحسوب على الاتجاه الإسلامي الديمقراطي المعتدل، وهو أمر تريد الرياض وحلفاؤها في أبو ظبي والمنامة والقاهرة إخراجه من قائمة المعقول أو المقبول سياسيا في بلاد العرب.
الاصطدام بين مملكتين كانتا إلى وقت قريب جداً حليفتين وثيقتين دليل جديد على تهوّر سعوديّ غير محمود، والذي تطوّر من رغبة في الاستحكام بالسلطة عبّر عن نفسه بابتزاز النخب المالية والسياسية السعودية وصولا إلى ابتزازها وإفقارها ماليّا وإضعافها سياسيا، إلى مدّ هذه السياسة إلى الخارج عبر حرب اليمن وحصار قطر واعتقال سعد الحريري اللبناني ووليد المصري الأردني ـ الفلسطيني ومحمد العمودي الأثيوبي واغتيال جمال خاشقجي في تركيا… ويبدو أن ذراع بن سلمان تريد أن تصل إلى الرباط لتفرض سياستها هناك أيضاً.
مشاكل السعوديين واليمنيين والقطريين وصولاً إلى المغاربة ليست مع «سحابة عابرة» بل مع فيضان من الطغيان الذي لا يريد أن يتوقف عند حد.