تيريزا ماي تسير في مفاوضاتها مع الأوروبيين على خطى عرفات مع الإسرائيليين

أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وماي، في بيان مشترك، الخميس، أنّ فريقيْ المفاوضين من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا سيُجريان “محادثات” جديدة في محاولة لإخراج بريكست من الطريق المسدود، لكن رغم ذلك لا يبعث هذا التطوّر الكثير من الأمل، حيث يعتبر المتابعون أنّ المنطلق خاطئ من الأساس.

ومن بين القراءات اللافتة في هذا السياق تحليل لجارفان والش، مستشار الأمن الوطني والدولي السابق لحزب المحافظين البريطاني، الذي اختار أن يوضّح صعوبة نجاح مهمة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في الخروج باتفاق بريكست قويّ، ومقارنتها بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ويشير والش في مقاربته التي نشرتها مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إلى أن الزعيم الفلسطيني الراحل تخلّى عن عدد من الفرص الواعدة وفشل في تقدير تحديات التفاوض ضد خصمه القوي، وأن رئيسة الوزراء البريطانية اتّبعت نفس الأسلوب الدبلوماسي، حيث بدت إستراتيجيتها التفاوضية منذ 2016، مشابهة لإستراتيجيات ياسر عرفات.

ويستشهد الكاتب في معرض مقاربته بين الشخصيتين بأن ياسر عرفات قال “لا” ثلاث مرات. لا للسلام مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للتفاوض مع إسرائيل. ومن المؤكد أن ماي بدأت، في خطابها حول مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا بقولها “سنستعيد السيطرة على قوانيننا وأموالنا وحدودنا”.

وبحسب المجلة الأميركية فإن ماي وعلى شاكلة عرفات أُجبرت على الانحناء أمام القضايا الثلاث، واختارت في الوقت نفسه الرضوخ لمطالب متشدديها، حيث رفضت وحكومتها الاعتراف بأنهم كانوا يتفاوضون مع قوة أكبر وأقوى. إذ أن حاجة الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا هي أقل بكثير من حاجة بريطانيا للاتحاد الأوروبي.

ويؤكد أنه من الصعب اليوم تذكر عملية السلام في الشرق الأوسط، في عهد دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. أما بالنسبة إلى أولئك الذين يتذكرون، فإن الماراثون الدبلوماسي انتهى بلا اتفاق. وبنفس الطريقة تراجعت المحادثات اليوم حول اتفاقية الانسحاب البريطانية من الاتحاد إلى ثلاث قضايا في مراحلها الأولى، بينما تحوّلت مفاوضات السلام في الشرق الأوسط إلى ثلاث في مراحلها النهائية. وبدلا من القضايا المتعلقة بالمال، وحقوق المهاجرين والمواطنين، والحدود الأيرلندية، ركّزت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين على القدس وحقوق اللاجئين والحدود.

على شاكلة عرفات أيضا، وجدت ماي نفسها محاصرة. لذا ألقت بثقلها الأسبوع الماضي وراء تعديل برلماني يطالب باستبدال الدعم، الذي تم التفاوض عليه إثر طلب من بريطانيا، بـ”ترتيبات بديلة” غير محدّدة

ولدى عرض مقاربة المقارنة، يشدّد لجارفان والش على أنه تمّ التوصّل إلى اتفاق على اثنين من هذه القضايا، قبل أن يترك الرئيس بيل كلينتون منصبه في أوائل سنة 2001: سيتم تعديل حدود ما قبل 1967 بمقايضات الأراضي، وسيتم تقسيم القدس أفقيا وعموديا. وستعطى المنطقة الواقعة تحت قبة الصخرة، أطلال المعبد اليهودي القديم، إلى إسرائيل، بينما ستبقى الأراضي، أين بنيت المساجد، تنتمي إلى فلسطين.

ويرى والش أن اتفاق الانسحاب الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية كان مشابها. فقد حسمت بريطانيا كيفية دفع التزاماتها إلى الاتحاد الأوروبي، وأنشأت إطارا لكيفية تعاملها مع مواطنيهما الذين يعيشون في أراضي الطرف الآخر، ووضعت حدود على العلاقة بين المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي، أين وفرت ما كان سيصل إلى أربع سنوات من المفاوضات.

ملـمح آخر متشابه بين القضية الفلسطينية وأزمة اتفاق بريكست يتطرّق إليه الكاتب بتأكيده أنه في حين فشلت مفاوضات الشرق الأوسط في قضية اللاجئين عام 1948، واجه اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي معضلة من جهة الحدود الأيرلندية الشمالية.

وعلى شاكلة عرفات أيضا، وجدت ماي نفسها محاصرة. لذا ألقت بثقلها الأسبوع الماضي وراء تعديل برلماني يطالب باستبدال الدعم، الذي تم التفاوض عليه إثر طلب من بريطانيا، بـ”ترتيبات بديلة” غير محدّدة. ورفض الاتحاد الأوروبي ذلك. ورغم ميل بعض الأطراف الأوروبيين البارزين إلى بريطانيا، فإنهم لم يسمحوا للعاطفة بالتأثير عن حكمهم العملي. وبدلا من ذلك، عزّزت المفوضية الأوروبية خطط الطوارئ الخاصة بها.

ويستخلص التقرير أن ماي كانت ستستطيع إنقاذ صفقتها، حتى في هذه المرحلة المتأخرة. ويشير والش منتقدا “يقال إن عرفات لم يفوّت فرصة تضييع فرصة. وأصبحت ماي تنافسه في هذا”. منطقيا، تمنح عضوية الاتحاد الأوروبي فوائد غير متوفّرة خارجه. كما يعتبر الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية لبريطانيا، أكثر من أهمية بريطانيا بالنسبة له. وبسبب قدراته، تمكّن الاتحاد الأوروبي من تحديد أولويات واضحة والتخفيف من المخاطر التي يواجهها، في حين تردّدت بريطانيا، مما سيجعل الثمن الذي ستدفعه إذا لم تتحصّل على اتفاق غاليا.

وبدلا من تعزيز موقفها من خلال التحضير إلى احتمال الخروج دون صفقة، أضعفت بريطانيا نفسها من خلال تصديقها لأوهامها. لقد أخبر المؤيدون أنفسهم بأن “لا صفقة أفضل من صفقة سيئة”، في حين يظن البعض أن الاتحاد الأوروبي سيوافق على المطالب البريطانية في نهاية الأمر.

وتجد الحكومة البريطانية نفسها الآن في فوضى تامة، حيث يستمر الجدل السياسي البريطاني، غافلا عن حقيقة أن البلاد تتفاوض مع طرف آخر. حتى أن السياسيين قد يصرّون كذلك على إنهاء إسرائيل احتلالها للضفة الغربية غدا، دون معرفة ما إذا كان الجانب الإسرائيلي مستعدا للقيام بذلك.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: