أطباء مغاربة يرفعون شعار حقوق المرأة في مواجهة شهادة العذرية
امتنع مؤخرا أطباء في المملكة المغربية في القطاعين العام والخاص، عن منح شهادة العذرية للفتيات المقبلات على الزواج، وأطلقوا دعوة إلى مقاطعتها؛ معتبرين أن الشهادة الطبية التي تثبت عذرية الفتاة “إهانة لكرامة المرأة وتتسبب لها في أمراض نفسية”. ومازالت العديد من الأسر المغربية تعتمد شهادة العذرية كإحدى أهم الوثائق الإدارية لإتمام عقد الزواج الذي يوثق عند العدول بعد إذن القاضي، وهو إجراء روتيني لا يعد غيابه معرقلا للارتباط بين العروسين.
قرّر بعض الأطباء إلغاء الفحص الذي من المفترض القيام به لتسليم شهادة العذرية. ويقول خالد فتحي، الأستاذ بكلية الطب في أمراض النسل والولادة بمستشفى السويسي بمدينة الرباط، لـ”لاخبارنا الجالية ” “لا يتنافى فحص العذرية أو إعطاء شهادة العذرية مع أخلاقيات مهنة الطب إذا تم احترام المبادئ التي تقوم عليها المهنة، وهي السرية وعدم التشهير وتسليم الشهادة للمعني بالأمر وألا تكون الفتاة التي تطلبها واقعة تحت ضغط أو إكراه”.
وتعتزم الجمعية المغربية للعلوم الجنسية تقديم مشروع قانون لوزارة الصحة يتعلق بفحص وشهادة العذرية من أجل عرضه على البرلمان، فيما يواصل عدد هام من الأطباء تطبيق الإجراء ومنح الشهادة. وينص مقترح القانون على إجراء فحوص العذرية بحذر، واعتمادها فقط في حال أذنت بها السلطات القضائية في قضايا الاعتداءات الجنسية مثلا، وجعل الاختصاص في منحها للطب الشرعي.
وحذّر رئيس الجمعية المغربية للعلوم الجنسية، رشيد بوطيب، من “ربط غشاء البكارة بعدم ممارسة الفتاة للجنس قبل الزواج، ومن سيطرة هذا الوهم على الكثير من الشباب وأسرهم، ومن العذرية بحسن أخلاق المرأة”، مشددا على أن “هذا الربط ليس في محله نهائيا، وأن الطبيب ليس شرطيا للوقوف على عذرية فتاة من غيرها”، موضحا أن “الأطباء وجدوا أنفسهم مرغمين على أداء دور الشرطي لتقديم شهادة العذرية تحت إلحاح العائلة ولا بد من إعادة النظر في تفاصيل تقديم هذه الشهادة احتراما لحرية وحقوق المرأة”.
وفي سياق متصل دعا تقرير مشترك لكل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية المغرب إلى حظر اختبار العذرية بالنسبة للنساء المقبلات على الزواج أو لأي سبب من الأسباب. وأكد التقرير أن الفحص الطبي الذي يقوم به الأطباء لمعرفة ما إذا كانت الفتاة قد قامت باتصال جنسي، يشكل صدمة نفسية لها، كما أنه لا يوجد أي أساس علمي أو طبي لهذا الفحص.
تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اعتبر أنه من غير الأخلاقي بالنسبة للأطباء القيام بفحص العذرية
وفي المقابل، تقول الحكومة المغربية إن شهادة العذرية هذه، لا أساس قانونيا لها في المغرب؛ ذلك أن الشهادة الطبية التي تسلّم للخطيبين، تتعلق بتأكيد عدم إصابة أي منهما بأمراض معدية وحسب، كما يفيد بذلك القرار المشترك لوزيري العدل والصحة الصادر في مارس عام 2004.
وشدد مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، على أن المغرب لا يعتمد أي وثيقة تجبر الأزواج على اختبار العذرية، وإنما يعتمد شهادة صحية كوثيقة من وثائق الزواج، نافيا أن يكون المغرب قد اعتمد إطارا قانونيا يلزم بشهادة فحص العذرية.
وشددت العديد من المبادرات على ضرورة حظر مثل هذه الفحوصات على اعتبار أنها تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الحماية من التمييز على أساس الجنس، والحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي، والحق في التمتع بأفضل حالة صحية ممكنة وكذلك حقوق الطفل.
واعتبر تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أنه من غير الأخلاقي بالنسبة للأطباء أو مقدمي الخدمات الصحية الآخرين القيام بهذا النوع من الكشوفات الطبية لكونها تشكل انتهاكا لحقوق الفتيات والنساء، كما تؤدي إلى نتائج وخيمة على صحة المرأة، أبرزها إلحاق الضرر بالجهاز التناسلي أو النزيف أو الالتهابات.
وأشار ذات التقرير إلى أنه لا يوجد فحص يمكن أن يثبت أن المرأة مارست الجنس من قبل، حيث أن ظهور غشاء البكارة عند فحص فتاة أو امرأة لا يمكن أن يؤكد العمليات الجنسية الماضية أو إن كن نشيطات جنسيا أم لا.
ونفت الفتاة ربيعة، من مدينة فاس، وهي تستعد لعقد قرانها في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، أن تكون قد قامت بكشف العذرية عند الطبيب، مؤكدة أنها غير مضطرة إلى ذلك لأن زوجها المستقبلي وعائلته يثقان في أخلاقها لأنه قريبها. وقالت ربيعة “لم تعد غالبية الفتيات يحتجن إلى شهادة العذرية، وحتى في حال فقدت إحداهن عذريتها فإن هناك عمليات جراحية يقوم بها بعض الأطباء تمكنها من ترميم غشاء البكارة”.
وتطلب بعض العائلات فعلا الشهادة التي تثبت أن الفتاة لازالت عذراء، معتبرة أن هذا الإجراء يبرهن على شرفها وهو دليل على أنه لم يسبق لها أن ربطت علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج. كما أن بعض الأمهات يدفعن بناتهن إلى التسلح بهذه الشهادة خوفا من أي طارئ مفاجئ ليلة الزفاف قد يؤدي إلى اتهام الزوج أو أسرته الفتاة بأنها ليست بكر.
وأقر المغرب في العام 2004، في إطار مدونة الأسرة، اعتماد شهادة صحية كوثيقة من وثائق الزواج. وفي مارس 2004 صدر قرار مشترك بين وزير العدل ووزير الصحة في الجريدة الرسمية ينص بوضوح على “أن الشهادة الصحية المعنية هي شهادة لا تظهر أي علامة لمرض معد”.
وتحظى مسألة عذرية الفتاة بأهمية كبرى داخل المجتمع المغربي وترتبط وفق العادات والتقاليد والثقافة بمفهوم شرف الفتاة، وعادة “افتضاض البكارة” ليلة الدخلة من طرف الزوج لها تأثير كبير على سمعتها وسمعته وسمعة العائلات المتصاهرة، وغياب هذا الطقس على طقوس إتمام الزواج يفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من الخلافات والمشكلات التي تنتهي غالبا بالطلاق المستعجل.
ويصرح أطباء بأن بعض الفتيات يتم الضغط عليهن للكشف على عذريتهن، خصوصا من قبل أسرهن أو العريس وعائلته. ويطرح هؤلاء الأطباء تساؤلات حول كيف يمكن للطبيب أن يعرف أن الفتاة غير واقعة تحت ضغط أي كان من المحيطين بها وقد تكون مهددة من طرف الأسرة. ويوضح أستاذ الطب خالد فتحي لـ”أخبارنا الجالية ”، أن الطبيب لا يعنيه ما يحدث خارج العيادة بل يتعامل مع الحالة التي أمامه، وهو ملزم بأن يستجيب لطلبها بإجراء فحص البكارة وتقديم تقرير في الموضوع.
وإذا كان هناك اتفاق بين الخطيبين بأن تدلي الفتاة بشهادة العذرية، فلا يجب على الطبيب، حسب فتحي، أن يمتنع عن القيام بهذا الفحص لأنه واجب عليه، رغم معرفته بأن العذرية لا علاقة لها بسلامة غشاء البكارة من عدمه.
ويخلص خالد فتحي إلى القول إن “النقاش حول غشاء البكارة مستحدث في العالم العربي والإسلامي وله أبعاد أيديولوجية وحضارية لا بد من الوعي بها. ورغم ارتباطه في نظر الأطباء المطالبين بعدم إجراء الفحص والإدلاء بشهادة العذرية بمسائل حقوق المرأة وبجدواه من الناحية العلمية، إلا أن لديه ارتباطا لدى غيرهم بمفاهيم استهلاكية وتجارية من بينها إقبال النساء على حبوب منع الحمل وعلى عمليات الإجهاض وغيرها”.