فتيل أزمة جديدة بين باريس وروما بسبب الشعبويين

تواصل الحكومة الشعبوية في إيطاليا إثارة الأزمات مع الجارة فرنسا بعد أن استشعرت جهودا فرنسية محمومة لمواجهة التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا ومقاومة انتشار أفكارها المقوضة للوحدة الأوروبية، خاصة وأن القارة على أبواب انتخابات أوروبية حاسمة في مايو القادم. وعلى الرغم من أن تصريحات المسؤولين في روما حول استعدادهم لدعم أنصار اليمين المتطرف في كامل أوروبا ليست جديدة، إلا أنها حساسة في هذا التوقيت خاصة وأن باريس تعيش على وقع احتجاجات اجتماعية هي الأعنف منذ عقود.

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الخميس، استدعاء سفيرها لدى إيطاليا للتشاور، على خلفية ما وصفته بسلسلة من “التصريحات الزائفة والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة وغير المسبوقة” من المسؤولين الإيطاليين، فيما ندد مجلس أوروبا بقواعد اللجوء الجديدة التي اعتمدتها ايطاليا وطلب ايضاحات في الغرض.

وجاء الموقف الفرنسي، عقب إعلان نائب رئيس الوزراء الإيطالي، وزعيم حركة “خمس نجوم” لويجي دي مايو، أنه التقى الثلاثاء، مسؤولين ومحتجين من حركة “السترات الصفراء”، التي خاضت سلسلة من الاحتجاجات العنيفة ضدّ سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون.

وتوترت العلاقة بين إيطاليا وفرنسا، وهما تقليديا حليفتان، منذ أن شكّل حزب الرابطة اليميني وحركة (5 – نجوم) المناهضة للمؤسسات ائتلافا العام الماضي ووجها سهام النقد للرئيس ماكرون المؤيد للاتحاد الأوروبي.

وكانت الحكومة الشعبوية الإيطالية قد أعلنت صراحة دعمها لحركة السترات الصفراء الاحتجاجية في فرنسا، في حين دعا أحد الوزراء الرئيسيين فيها المتظاهرين إلى عدم التراجع.

وقال وزير الداخلية الإيطالي ورئيس حزب الرابطة اليميني المتطرف ماتيو سالفيني “أدعم المواطنين الشرفاء الذين يحتجون ضد رئيس يحكم ضد شعبه” لكنه أضاف أنه يدين “بحزم كامل” العنف الذي تخلل التظاهرات الأخيرة. وعرض الشعبويون في إيطاليا تقديم المساعدة لحركة السترات الصفراء خصوصا عبر المنصة الإلكترونية “روسو” من أجل “تنظيم أنشطة على الأرض” و”انتقاء مرشّحين” و”تحديد البرنامج الانتخابي” عبر نظام تصويت، ما أثار حفيظة باريس التي اعتبرت العرض تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد.

وتصاعدت حدة الخلافات بين فرنسا وإيطاليا في الآونة الأخيرة، على خلفية الاتهامات المتبادلة التي أطلقها المسؤولون مؤخرا بشأن الهجرة غير الشرعية واستغلال أفريقيا.

ماتيو سالفيني: فرنسا تنتزع الثروات من أفريقيا بدلا من مساعدة الدول اقتصاديا
ماتيو سالفيني: فرنسا تنتزع الثروات من أفريقيا بدلا من مساعدة الدول اقتصاديا

والشهر الماضي، استدعت باريس، سفيرة إيطاليا بعد أن اتهم لويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء الإيطالي، فرنسا بترسيخ الفقر في أفريقيا والتسبب في تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى أوروبا.

وأيد سالفيني ما ذهب إليه دي مايو وقال إن فرنسا تنتزع الثروات من أفريقيا بدلا من مساعدة الدول على تطوير اقتصادها وأشار بوجه خاص إلى ليبيا التي تعاني من فوضى من الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011 وأطاحت بمعمر القذافي. وأشار إلى القناة التلفزيونية الخامسة “في ليبيا.. فرنسا لا ترغب في استقرار الوضع ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا”.

وعبّر السياسي الإيطالي عن أمله في أن يتحرر الشعب الفرنسي قريبا من “رئيس بالغ السوء” وذلك غداة حرب كلامية بين البلدين.

ومن التشكيك في بعض القواعد الأوروبية إلى مراقبة الهجرة وإعادة النظر في مشاريع للبنى التحتية، تبدو إيطاليا وفرنسا على وشك التصادم حول عدد من القضايا، حيث يأتي ذلك بينما تشهد العلاقات بين البلدين تدهورا واضحا مع أنهما متقاربان جدا.

وقال جان بيار دارني الأستاذ في جامعة نيس بجنوب فرنسا والمستشار في معهد الشؤون الدولية في روما، إن “العلاقة الفرنسية الإيطالية تواجه مشكلة منذ 2011 والتدخل في ليبيا”.

وأشار هذا الخبير في العلاقات بين البلدين إلى أن “الوضع تفاقم مؤخرا بعد عدد من القضايا الأخرى”، مثل شراء حوض بناء السفن “أس.تي.إكس” من قبل المجموعة الايطالية فينكانتييري، والتوتر بين المجموعتين الفرنسية “فيفندي” والإيطالية “ميدياسيت” والوضع على الحدود في فينتيميلي الذي يعكس الصعوبات بين روما وباريس حول قضية الهجرة.

وطالبت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، دونيا مياتوفيتش، إيطاليا بتوضيح الطريقة التي ستنتهجها لحماية حقوق الأشخاص المتضررين جراء قواعد اللجوء الجديدة المثيرة للجدل.

وأعربت مياتوفيتش عن قلقها بسبب التقارير التي أفادت بأن القواعد من شأنها أن تعرض المهاجرين، الذين تم السماح لهم بالبقاء في إيطاليا لأسباب إنسانية، إلى خطر التشرد.

ونشر محامو حقوق الإنسان الإيطاليون وجماعات حقوقية أخرى وثائق رسمية تُظهر أنه تتم مطالبة مراكز إيواء المهاجرين بطرد الأشخاص الذين يحملون تصاريح بناء على أسباب إنسانية، والتي الغتها فعلياً القواعد الجديدة.

وتنص القواعد الجديدة على تمديد الوقت الذي يتم فيه احتجاز المهاجرين في مراكز احتجاز حكومية من أجل إعادتهم من 90 إلى 180 يوما، إضافة إلى إلغاء تصاريح الحماية الإنسانية، وهو نوع من أنواع تصاريح الإقامة، قد تم توسيع نطاق تقديمه في الماضي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: