اقتران نسب العنوسة ببطالة الشباب حال دون تراجعها في الجزائر

أكدت إحصائيات رسمية صادرة عن الحكومة الجزائرية أن نسبة العنوسة بلغت 5 في المئة من مجموع السكان وفق آخر إحصاء، واعتبر مهتمون بالشأن الاجتماعي أن هذه الأرقام جاءت لتضع حدا للأرقام المتضاربة الصادرة عن جهات غير رسمية، مضيفين أن النسبة المتداولة سابقا والتي تناهز ربع السكان من العزاب مبالغ فيها في حين يرى غيرهم أن الجهات الرسمية تحاول التهوين من حدة ظاهرة العنوسة، ما يدل على تأثير الظاهرة السلبي في أوساط الشباب وأسرهم.

أكدت وزارة الصحة والسكان الجزائرية أن متوسط سن الزواج يتراوح بين 29 و30 سنة بالنسبة للنساء، ويقدّر بحوالي 33.5 سنة بالنسبة للرجال، وهي سن مرتفعة إذ ساهمت في رفع نسبة العنوسة إلى الرقم المعلن رسميا. وأطلقت الوزارة رسائل طمأنة للمجتمع الجزائري تفيد بأنه لا توجد توقعات مستقبلية بارتفاع نسبة العنوسة وأرجعت ذلك إلى الزيادة في أعداد المواليد الذكور مؤخرا، مما سيساهم في التقليل من ظاهرة العنوسة لاحقا.

ويقول طالب الدكتوراه في علم الاجتماع، سعيد قرّاب، “إن الناس لا يثقون في الأرقام الرسمية التي كثيرا ما تحاول التهوين من الظواهر الاجتماعية، وفي المقابل يبحثون عن الإثارة التي تحملها بعض الصحف نقلا عن ناشطين اجتماعيين”.

ويضيف “إن رقم 11 مليون عانس، الذي شاع طويلا، أطلقه داعية كان قد أصدر كتابا بعنوان ‘تأنيس العوانس” وذهب من خلال جمعيته الخيرية التي كان يرأسها ليعمل على تزويج الشباب بتيسير المهور وتجاوز الشروط التعجيزية التي يفرضها المجتمع، ورغم النية التي تبدو نبيلة إلا أنه لا دليل على صحة الرقم الذي أدلى به”.

ويؤكد الباحث، أن العنوسة من المواضيع الشائكة التي تؤرق الكثير من الفتيات وأولياءهن، ومن أهم أسبابها التعقيدات الاجتماعية المتوارثة إضافة إلى الأوضاع المادية المتردية لقطاع كبير من الشباب الذين يعانون البطالة، ثم أن التغييرات الديموغرافية لعبت دورا كبيرا في هذا الشأن، حيث زاد عدد النساء عن المعتاد مما ساهم في تنامي الظاهرة التي ما زالت تداعياتها متواصلة إلى الوقت الراهن.

واعتبر محللون درسوا ظاهرة العنوسة أن المجتمع التقليدي كان يدفع بالعنوسة إلى حدودها الدنيا، وأن نمط العيش الحديث الذي ظهر في السنوات الأخيرة أتى على الكثير من عادات وتقاليد الزواج، وأصبحت الشكليات والمظاهر طاغية بشكل كبير مما رفّع نسب العنوسة منذ ستينات وسبعينات القرن العشرين.

المجتمع  الآن يجب أن يتكيّف مع العصر بمقاربة موضوعية، لمكافحة ظاهرة العنوسة التي بلغت مستويات مرعبة

وغالبا ما لا يستوعب الجيل الجديد بعض التقاليد القديمة في هذا الشأن، حيث كانت بعض العادات الاجتماعية تخفض نسب العنوسة والترمل وتحد من أعداد الأيتام أيضا، وكان الرجل المتزوج إذا توفي يتزوج شقيقه الأعزب أرملته ويتحوّل إلى أب لأولاده، وهذا لا يمنع الشاب الذي تزوج امرأة أخيه من الزواج مرة أخرى لأنه غالبا ما تتقبل الزوجة الأولى الأمر إذعانا للعادات.

وكان قرار الزواج لا يرتبط بالشابين فقط بل تسيّره الأسرة والعائلة الكبيرة، التي تعمل عن طريق كبار العائلة على تجنب ظواهر مثل العنوسة، كما لم يكن جمال الفتاة شرطا أساسيا للزواج كون لدى الرجل إمكانية الزواج بثانية وثالثة فيقبل في بداية حياته أن يتزوج أرملة قريبة، أو مطلقة من العائلة ويقوم بتربية أولادها.

ويعتبر مختصون اجتماعيون أن هذه العادات التي كانت تعمل بها غالبية الأسر الجزائرية لعبت دورا مهما في الحد من أعداد العوانس والأرامل والمطلقات.

ولا يتقبل الشباب اليوم مواصلة التعامل في الزواج وفقا لهذه العادات ما جعل البعض يطلق دعوات للعودة إلى تلك التقاليد التي تبدو لشباب اليوم غير معقولة، فـ”لا يتصور شاب من أبناء الجيل الجديد أن يتزوج أرملة أخيه فهو لا يمكن له أن يفكر فيها كزوجة”.

وتؤكد أسماء مقراتي، طالبة ماجستير في علم النفس، أن “المجتمع تغير، وفي إطار التقدم، ولا يمكن له العودة إلى الخلف، فالمجتمع التقليدي حافظ على كيانه بالوسائل التي كانت متاحة وقتها، وعليه الآن أن يتكيّف مع العصر وفق مقاربة موضوعية ومنظور جديد، لمكافحة ظاهرة العنوسة التي تفاقمت، (وقد وصلت) إلى مستويات مرعبة بالنظر إلى الكثير من المعطيات الواقعية، منها البطالة والشروط التعجيزية التي ما زال المجتمع يفرضها -مثل إقامة الوليمة في قاعة حفلات والمهر والتجهيز- والتي تثقل كاهل الزوج والزوجة وأهليهما معا”.

حملة على مواقع التواصل الاجتماعي يقول أصحابها “لا تتزوج… اعمل واجمع المال ثم سافر”، وهي دعوة التقت مع موجة الهجرة غير الشرعية التي اتجه نحوها الشباب

وتعتبر مقراتي أن الحل يكمن في القيام بدراسات موضوعية تبحث الأسباب الحقيقية للعنوسة حتى تكون سبل مواجهتها واقعية وفعالة ولا تقوم على الهروب إلى الأمام بالتهوين أو بالعودة إلى الماضي والعادات التي لا تناسب وعي شباب اليوم.

وظهرت مؤخرا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي يقول أصحابها “لا تتزوج… اعمل واجمع المال ثم سافر”، وهي دعوة التقت مع موجة الهجرة غير الشرعية التي اتجه نحوها الشباب.

انتشرت هذه الدعوة بشكل لافت عبر شبكات التواصل الاجتماعي واتخذتها عدة صفحات شعارا لها، إلى درجة أن البعض اعتقد أن البلاد ستفرغ من شبابها الذين جمعوا المال ويستعدون للسفر. غير أن تلك الحملة تحوّلت إلى موجة للسخرية، فكثير من الذين يعتمدون هذا الشعار لا يجدون فرصة للعمل من أجل جمع المال بالنظر إلى البطالة التي بلغت مستويات مرتفعة تكاد تتجاوز مستويات العنوسة نفسها.

وذكر نشطاء اجتماعيون أن “المشكلة في الشباب الذين أطلقوا هذا الشعار أنفسهم، فهم لا يتوفرون على كفاءة مهنية أو علمية تجعلهم يواجهون الحياة، وعوض البحث عن حلول لمشكلاتهم، لجأوا إلى مثل هذه الحملات والشعارات، في محاولة للفت الانتباه لواقعهم المعيشي”.

ويتفق الصحافي عبدالقادر سعدي، مع هذا الطرح قائلا “إن هناك الآلاف من فرص العمل في مختلف الجهات التي لا تجد من يستغلها من الشباب، فالكثير من ورشات البناء تشغّلها شركات صينية لا تجد اليد العاملة من الجزائريين، وأصبحت تلجأ إلى تشغيل المهاجرين الأفارقة، فإن كان هؤلاء فعلا جادين في دعواهم فليستغلوا تلك الفرص عوض التباكي على صفحات الفيسبوك”.

وفي المقابل ظهر شعار متهكم يقول “في هذا البلد، لا تتزوج، لا تعمل ولن تسافر” في إشارة إلى حالة اليأس عند الشباب. وكل ذلك أنتج ظاهرة جديدة، مع ازدياد البطالة والتسرب المدرسي بين الذكور على وجه الخصوص، حيث أصبح عدد الإناث في الثانويات والجامعات يتجاوز التسعين في المئة في الكثير من المناطق.

وتبعا لذلك أصبح الشاب العاطل عن العمل يبحث عن امرأة لديها وظيفة محترمة ليتزوجها، فتنقذه من الفقر وينقذها من العنوسة، وهذه الظاهرة باتت بارزة لمتابعي الشأن الاجتماعي وكأنها موضة أو حل اتبعه البعض ونسج على منواله آخرون دون وعي، في إطار السعي لإيجاد حلول لأوضاعهم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: