المؤسسة العسكرية في صلب حراك الانتخابات الرئاسية الجزائرية
يتوقع متابعون للشأن السياسي الجزائري، أن تكون صبيحة الانتخابات الرئاسية في الجزائر، محطة فارقة في مسار المؤسسة العسكرية، بالنظر لحالة الاستقطاب المتصاعدة بين قيادة الجيش، وبين المترشح المستقل الجنرال المتقاعد علي غديري، ولا يُستبعد أن تنتهي إلى مآلات غير مسبوقة.
وأطلق علي غديري، رسائل استفزازية إلى قيادة المؤسسة العسكرية، بالإعلان عن إصلاحات عميقة يعتزم القيام بها في الجيش، إذا توج بمنصب الرئاسة في الانتخابات المقررة في الـ18 أبريل المقبل، وهي سابقة أولى في تاريخ الاستحقاقات السياسية في البلاد التي تتناول الوضع داخل المؤسسة.
وجاء الإعلان ليرفع القدسية عن المؤسسة العسكرية، حيث ظلت طيلة العقود الماضية بعيدة عن النقد أو المساءلة أو الرقابة، ولم تجرؤ أي جهة سياسية على تناول المؤسسة، حتى في ظل حالات الفساد المعلن عنها من طرف القيادة، والتي أفضت إلى حملة تغيير عميقة خلال الصائفة الماضية، على خلفية ما عرف بـ”فضيحة الكوكايين”.
وتعهد المترشح المستقل علي غديري، بـ”إدخال إصلاحات عميقة على المؤسسة العسكرية في حال فوزه بالاستحقاق الانتخابي المقبل، حتى تكون في خدمة الشعب والأمة والدفاع عن البلاد، وليس في خدمة النظام”، وهو تلميح إلى تسخير القيادات المتعاقبة للمؤسسة في خدمة أجندات السلطة.
وأضاف أنه سيعيد النظر في قانون الخدمة الوطنية، وأن الإجراءات التي ستتخذ ستكون في صالح الشباب الجزائري، وتتجاوز ما يتصوره، دون أن يكشف عن تفاصيل الملف، إلا أنه ألمح إلى إجراءات تكون في مستوى الطابع التطوعي للخدمة، وإلى شموليتها لمختلف الفئات الاجتماعية.
وفي رسالة قوية للقيادات الحالية وعلى رأسهم الجنرال أحمد قايد صالح، الذي ناهز سن الثمانين، لفت الجنرال المتقاعد إلى أن طلبه للتقاعد في سبتمبر العام 2015 جاء “امتثالا واحتراما للنصوص التي نظمت المسار المهني داخل المؤسسة العسكرية”، مما يوحي إلى أن “بعض القادة والضباط الذين تجاوزوا سن التقاعد ولا يزالون في الخدمة، لم يحترموا تلك التشريعات”.
وقال في تصريح لموقع “تي.أس.أي” الناطق بالفرنسية “كنت من الأشخاص الذين وضعوا قانون الوظيف العسكري عندما كنت مديرا مركزيا للموارد البشرية في المؤسسة العسكرية، وقمنا بتحديد سن التقاعد بالرتبة وعندما وصلت إلى تلك السن، وجدت من العيب ومن غير الأخلاق، أن أبقى في منصبي وأنا من وضع القانون، فكيف يمكن أن أكون شيخا وسط الشباب”.
إدارة الحملة الانتخابية لعلي غديري تتهم الإدارات بالتضييق وعرقلة جمع استمارات الاكتتاب وهو الأمر الذي نفته هيئة الانتخابات
ويبلغ اللواء المتقاعد 64 عاما، وتقاعد من الخدمة العسكرية في سبتمبر العام 2015، ولا يزال العديد من الضباط السامين والقادة في الخدمة، وفيهم من تجاوز سن السبعين وناهز حتى الثمانين، ومنهم من ينحدر من جيش التحرير الوطني (1954 – 1962).
ويبدو أن القبضة الحديدية بين الرجل وقائد أركان الجيش ماضية إلى مآلات جديدة، وهو ما تجلى من الرسائل التي أطلقها في تصريحاته الأولية، حول الانتقادات الشديدة التي طالته من طرف قائد المؤسسة العسكرية، حيث قال “أعتقد أن أسوأ شيء يمكن أن يحصل عندما يتكلم شخص ولا يبالي أحد بما يقول.. إذا كان هناك انفعال بسبب ما قلته فمعنى ذلك أنني أصبت”.
وأضاف “أنا أتساءل اليوم هل الطموح احتكار لشخص، هل يؤخذ من طرف أشخاص، لا أعتقد ذلك”. ردا على ما جاء في بيانات وزارة الدفاع، حول ما سمي بـ”الطموحات العمياء (…) وذوي الآفاق الضيقة”، في إشارة لأولى الرسائل التي أطلقها المترشح المستقل لقيادة الجيش، عبر منشورات صحافية، من أجل احترام الدستور.
وفي ما نفى بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية، إقالة أو شطب دفعة جديدة من الضباط بسبب الانتخابات الرئاسية، وحض وسائل الإعلام على التقرب من المؤسسة لاستيفاء الحقيقة، لم يؤكد أو ينفي الجنرال المتقاعد، وجود علاقات له في الظرف الراهن داخل المؤسسة، أو وجود متعاطفين معه.
وذكر “لا أستطيع التكهن بذلك، نحن يظهر لنا أن الجيش منعزل عن الشعب، لكن ذلك غير صحيح تماما، هو جيش وطني ينحدر من أبناء الشعب، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما يتردد من تصريحات القادة، بأن الجيش لا يتدخل في السياسة وهو خارج اللعبة السياسية، أعتقد أن هذا الأمر يتوجب الإشادة به، لأن هذا ما يطلبه الشعب الجزائري، وأنا واحد منه”.
وسجل أول صدام بين إدارة الحملة الانتخابية للمترشح المستقل علي غديري، وبين الإدارة المشرفة على تنظيم الانتخابات الرئاسية، حيث اتهمت إدارة الحملة في بيان لها، بعض الإدارات البلدية بالتضييق وعرقلة جمع استمارات الاكتتاب، الأمر الذي نفاه رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبدالوهاب دربال، في تصريحات صحافية أدلى بها الثلاثاء.
وأكد عبدالوهاب دربال عدم حدوث أي “خروقات أو مضايقات للراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية بهدف عرقلتهم”، وشدد على أن وزارة الداخلية أصدرت تعليمات صارمة لجميع الهيئات والمؤسسات المختصة من أجل التعبئة لخدمة الاستحقاق الرئاسي.