العلاقات العربية الأوروبية: اجتماعات بروكسل تبخّر وعود قمة القاهرة
مثّل اجتماع وزراء الخارجية العرب والاتحاد الأوروبي في بروكسل فرصة هامة لجسّ نبض القمة العربية- الأوروبية الأولى التي ستحتضنها القاهرة في نهاية شهر فبراير 2019. حين تمّ الإعلان عن هذه القمة خلال شهر أكتوبر 2018 من الجانبين، تم ّ التأكيد على أنها ستكون ركيزة أساسية لتأسيس علاقات جديدة وقوية بين أوروبا والدول العربية على جميع المستويات والمجالات، لكن عدم توصّل اجتماع بروكسل الأخير إلى بيان ختامي مشترك ينذر بأن العديد من المتغيّرات المتعلقة بملفات عدة وعلى رأسها ملف الهجرة مع دول شمال أفريقيا قد يجهض كل الأهداف المعلنة عن المضيّ قُدما في تنفيذها خلال قمة القاهرة.
منذ أن حسم قادة الاتحاد الأوروبي، في شهر سبتمبر 2018، خلال اجتماع في النمسا مسألة عقد قمة مع الجامعة العربية في القاهرة، واختاروا لها موعود شهر فبراير 2019، كثّفت كلّ من الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي من تحركاتهما وتصريحاتهما بشأن الأهداف التي تصبو إلى تحقيقها أول قمة من نوعها بين الطرفين، وتحدث الجميع بتفاؤل حول بداية صداقة جديدة عبر البحر المتوسط، لكن بعد بضعة أشهر تغير المشهد.
وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي عن المحادثات رفيعة المستوى التي تُجرى هذا الشهر “من الصعب للغاية تنظيم هذه القمة وتحديد موعد إذ لا يريد أحد ذلك حقا”، مضيفا “بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الأمر كله يتعلق بالهجرة، ولكن هناك الكثير من الموضوعات الحساسة التي لا يفضل الناس تناولها”.
في المقابل، نفي مصدر دبلوماسي مطلع بالقاهرة تأثير الخلافات بين الجانب العربي والأوروبي على الاستعدادات الجارية للتحضير للقمة التي تعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية في الرابع والعشرين من فبراير 2019.
وقال المصدر إن التنسيق جاري مع الجانب الأوروبي لوضع جدول أعمال القمّة، والتي ستركز على توسيع مجالات التعاون وتعزيز الشراكة في مختلف المجالات، مشيرا إلى أن اختلاف مواقف الدول الأوروبية فيما بينها تجاه قضايا المنطقة حال دون الخروج بموقف أوروبي موحد تجاه أزمات المنطقة في سورية وليبيا واليمن والقدس والتمسك بقرارات الأمم المتحدّة ذات الصِّلة، والتي وافقت عليها الدول الأوروبية بصفتهم أعضاء في الأمم المتحدة كمخرج من هذا المأزق.
ألقت العديد من المتغيّرات الحاصلة في الملفات العربية الشائكة بظلالها على الاجتماعات التحضيرية التي تسبق قمة القاهرة، ومن أهمها دفع بعض الدول العربية إلى عودة العلاقات مع النظام السوري أو مطالبة الجامعة العربية من دول الاتحاد الأوروبي الخروج عن الموقف الأميركي غير المعترف بالقضية الفلسطينية.
العديد من المتغيرات في الملفات العربية الشائكة ألقت بظلالها على اجتماع بروكسل الذي يسبق القمة العربية الأوروبية الأولى بالقاهرة في موفى الشهر الجاري
وكتأكيد على التخبّط الأوروبي وإمكانية فشل القمة، حتى قبل انعقادها، انتهى اجتماع على مستوى أقلّ لوزراء خارجية الدول العربية والاتحاد الأوروبي يهدف إلى وضع جدول أعمال للقمة الاثنين في بروكسل دون التوصّل إلى اتفاق بشأن بيان مشترك.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين “كانت الفكرة هي منح العرب معاملة تفضيلية والبدء في التعامل معهم بشكل أكبر، ومعرفة ما يمكننا فعله بشأن الهجرة لكننا الآن في وضع غير مناسب لأن بعض قادة الجامعة العربية ليسوا مفضلين لدينا”.
من بين العوامل التي تؤكّد تعثر المحادثات قبل قمة القاهرة أنه قبل ثلاثة أسابيع فقط على انعقادها، لم يؤكد قادة الاتحاد الأوروبي بعد مشاركتهم، علاوة على ظهور بعض المشاحنات بين الطرفين فحين كانت فيدريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تشرح في مؤتمر صحافي سبب عدم التوصل لاتفاق، قاطعها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، قائلا إن ثمة تعقيدات على الجانب الأوروبي أكثر من الجانب العربي. وفي مؤشر على الخلاف الودي لكن العلني، ردت موغيريني قائلة “أقول عكس ذلك”.
يريد الاتحاد الأوروبي التركيز على الهجرة، لكن هذا مجال محفوف بالمخاطر نظرا إلى الخلاف الشديد بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وأيضا مع الدول العربية المعنية بالقضية، خصوصا مصر وتونس، وأيضا ليبيا.
ملفات وخلافات
علاوة على ملف الهجرة غير الشرعية الذي ظل منذ عقود ملفا خلافيّا عميقا بين دول القارة الأوروبية ودول عربية، في مقدّمتها دول شمال أفريقيا، خاصة بعدما تعقّدت أكثر هذه القضية عقب ثورات الربيع العربي منذ عام 2011، كما تعقّدت العلاقات بين أوروبا وجيرانها العرب في الأشهر الأخيرة بسبب العديد من القضايا الإقليمية الشائكة كالملف السوري والسوداني، وأيضا الموقف من المملكة العربية السعودية وقضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي غيّرت الكثير من الأوراق وقلبت معادلات كان معمولا بها لسنوات طويلة، في ما يتعلق بالضغط على السعودية بورقة حقوق الإنسان.
تمثل التغيّر الرئيسي في العلاقة الأوروبية العربية في الأشهر الأخيرة في انهيار الموقف العالمي خيال السعودية، خاصة بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا.
انساقت المواقف الأوروبية وراء جلّ المواقف الغربية التي ساءت علاقتها بالسعودية والتي كانت حجر الأساس منذ سنوات في علاقات أوروبا بالعالم العربي. سعت حكومات الأوروبية إلى الرد على الآراء الداخلية الغاضبة من سياساتها الخارجية في العراق واليمن كما صفقات السلاح، من خلال استرضائها بتصعيد قضية جمال خاشقجي، إلا أن المفاجأة كانت في موقف الرياض من حيث التعاطي مع الملف بهدوء وبتمشّ غير صدامي ووضع النقاط على حروف القضية.
لكن، مع ذلك تصرّ بعض الدول الأوروبية على إبقاء هذه القضية محلّ جدل وابتزاز، حيث قالت مصادر أوروبية إن حضور حدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان أمر صعب بالنسبة إلى بعض الزعماء الأوروبيين الذين اتهمتهم بالفعل جماعات معنيّة بحقوق الإنسان بالتعامل معه في اجتماع لدول مجموعة العشرين في نوفمبر الماضي.
تبيان من البشير والأسد
ملف آخر ستكون له تداعيات على قمة القاهرة ويتمثّل في إبداء بعض الدول العربية خلال الأسابيع الأخيرة، تضامنها مع الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يواجه أقوى مظاهرات مناهضة للحكومة منذ أن وصل إلى السلطة قبل 30 عاما. والبشير شخص غير مرغوب فيه لبعض الأوروبيين. وهو مطلوب في جرائم حرب لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وقال مسؤول من الاتحاد الأوروبي “لا نتعامل معه بشكل مباشر لكننا نتعامل مع السودانيين، بإمكانهم إرسال شخص آخر”.
ومن أهم الملفات الخلافية الأخرى بين أغلب الدول الأوروبية، القضية السورية، حيث يعدّ الرئيس السوري بشار الأسد شخصا غير مرحّب به أكثر عند الأوروبيين، ولن يتلقى دعوة إلى القمة، لكنه قد يحضر أي قمة مستقبلية قريبا. كان ملف النظام السوري محلّ اتفاق بين الدول الأوروبية والدول العربية الكبرى، التي علقت عضوية دمشق في جامعة الدول العربية في عام 2011.
لكن تغّيرت في الفترة الأخيرة، بعض زوايا النظر، حيث فرضت إستراتيجية مواجهة إيران، حليفة الأوروبيين في الاتفاق النووي، مراجعة عدد من التوجهات والسياسات ومنها العلاقة مع سوريا ونظامها.
ومازالت معظم دول الاتحاد الأوروبي غير مستعدة لقبول هذا الأمر الواقع، وهي التي كانت لها خطط أخرى في ما يتعلق بالمشاركة في ملف إعادة أعمار سوريا، وتفادي تكرار خطأ الانسحاب من العراق.
وقال وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز “لسنا في وضع اليوم لتجديد علاقة طبيعية مع سوريا”. ومع ذلك، فإن النمسا وجمهورية التشيك أكثر انفتاحا على أمل أن تساعد إعادة العلاقات مع الأسد اللاجئين السوريين على العودة إلى ديارهم.
وقال دبلوماسي بالاتحاد الأوروبي “الاستعدادات للقمة تسير ببطء شديد. كل شيء غير مريح”. لكنه أكد أنه لا توجد خطط لإلغاء الأمر بأكمله.
وتابع مشددا على أن “هناك الكثير من الفخاخ المحرجة التي يجب تجنّبها، مثل الجلوس على طاولة واحدة مع السعوديين أو البشير أو حتى عودة الأسد”.
ويعتبر العديد من المسؤولين الأوربيين أن تحقيق بشار الأسد لانتصار عسكري بدعم روسي إيراني، لن تتبعه خطوات أوروبية ستعترف بنظامه خارج أطر التسوية السياسية.
وقالت فيديريكا موغريني إن “التوصل إلى حل سياسي في سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة من الشروط المسبقة لتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد”، مضيفة أن الاتحاد سيواصل دعمه للدول التي تستضيف اللاجئين السوريين على أراضيها.
فلسطين خط أحمر
في الوقت الذي تسعى فيه الجامعة العربية إلى إعادة ترتيب أولوياتها خلال الدورة الـ30 للقمة العربية التي ستنعقد في شهر مارس بتونس خاصة بإيلاء أهمية قصوى للقضية الفلسطينية، أقدمت عدة دول أوروبية على نقل سفاراتها إلى القدس الشرقية المحتلة تنفيذا لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ودعت الجامعة العربية الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية، وقال الأمين العام أحمد أبوالغيط إن “القضية الفلسطينية تظل على رأس قائمة النزاعات الدولية”، فيما ردت موغيريني بتأكيدها أن الحل في القضية الفلسطينية لا يكون إلا بحل الدولتين.
طبقا لكل هذه الخلافات العربية الأوروبية التي خيّمت على اجتماع بروكسل، يرجّح العديد من المتابعين أن تكون القمة العربية الأوروبية مجرّد اجتماع بروتوكولي لن تكون له أي تداعيات ايجابية كبرى على العلاقات الأوروبية العربية، خاصة في ظلّ تمسك قادة أوروبا بسياسة فرض الإملاءات على جيرانهم العرب، رغم أن الأوروبيين باتوا في حاجة ماسّة إلى تقارب عميق في ظل اكتساح الأحزاب اليمينية المتطرفة، وهو ما قد يترجم على أرض الواقع خلال انتخابات البرلمان الأوروبي في الأشهر القليلة الماضية.