مصطفى الرميد سياسي مغربي بمواصفات إخوانية انتهازية نموذجية
ابتسم له حظ السياسة في يناير 2012 حين أدى القسم بين يدي الملك محمد السادس، بصفته وزيرا للعدل. ذلك المحامي بهيئة الرباط الذي انتقل إلى رئيس لفريق البرلمان المغربي، ثم بعدها بخمس سنوات صار وزيرا لحقوق الإنسان في حكومة العثماني.
إنه مصطفى الرميد القيادي بالعدالة والتنمية الذي يوصف بعصبيته وحدته في الكلام التي جعلته يتخذ قرارات بالاستقالة من الحكومة، مع وقف التنفيذ، حتى أنه مؤخرا لجأ إلى العصيان في حضور جلسات البرلمان والحكومة معا.
متشبع بالفكر الإخواني
في الدار البيضاء بدأ الرميد يتلمس طريقه مع الإسلاميين، وهو لم يتجاوز سن الرابعة عشرة، فحقق لنفسه مكانة في العمل الدعوي مع الشبيبة الإسلامية، بعد أن تشكل وعيه الديني والأيديولوجي من خلال دراساته لكتب مثل “معالم في الطريق” و”دراسات إسلامية” لسيد قطب، وكتاب شقيق الأخير محمد قطب “شبهات حول الإسلام”، وكذلك كتاب سعيد حوى “جندالله”، إلى جانب كتب أخرى من الكتب الحركية المؤسسة التي عمقت جذوره مع الحركة الإسلامية إلى الآن.
هذا الستيني ذو الجسم الممتلئ وملامح الوجه ذات التعابير الصارمة التي جعلت منه مشاكسا في أكثر من مناسبة وموقع، مخلفة له خصومات عديدة. كما حين تسببت في العام 1970 بإيقافه عن الدراسة مرتين في ثانوية “ابن مسيك”، بسبب مواقفه من التيار الماركسي وصراعه مع الطلبة المنتمين لهذا التيار.
ست سنوات انقضت على انضمامه لحركة الشبيبة الإسلامية، لكنه غادرها عام 1979 إثر مشكلات مع قائدها عبدالكريم مطيع، وكان الرميد ضمن الذين ألحوا على مطيع بضرورة تدريبهم لحمل السلاح للثورة على النظام السياسي، وعندما وجه رسالة إلى مطيع يطالبه فيها بأن يضع للجماعة ورقة يوضح فيها الموقف من مجموعة من القضايا والمفاهيم مثل البيعة والعنف وغيرهما، تم إقصاؤه من اللجنة القيادية وبعدها غادر الحركة.
بعد تخرجه من دار الحديث الحسنية، متأبطا شهادة الإجازة في القانون ودبلوم الدراسات العليا، شرع الرميد في إمامة المصلين وإلقاء الدروس الدينية، ورفض الانضمام إلى جماعة “العدل والإحسان” كأحد المؤسسين، ويعرف عن أعضاء هذه الجماعة أنهم يفضلون النأي بأنفسهم عن الدخول في المعترك السياسي المؤسساتي، على اعتبار أنهم من منطلقهم يعتقدون بأن اللعبة متحكّم فيها، وأنه لا شيء يرتجى منها، ولذلك لا شيء يدعوهم ويدفعهم إلى المشاركة وإلى الاندماج في المؤسسات القائمة.
لكنه انخرط مع حركة “التوحيد والإصلاح” وفي حزب “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية” الذي تحول إلى “العدالة والتنمية” حاليا.
ارتباط أيديولوجي قانوني
يصف الرميد نفسه بأنه ديمقراطي. يقول “حتى أتميّز ويتميّز التيار الذي أنتمي إليه عن تيارات أخرى تسلك مسلك العنف وتتغيّر في تحقيق الأهداف باستعمال القوة”، كما ينفي انتماء حزبه إلى تنظيم “الإخوان المسلمين”، كما تكرر غالبية النسخ الإخوانية في العالم. يقول الرميد “نحن لنا مدرسة خاصة، صحيح نحن من الناحية الفكرية تقاسمنا ذات الفكر واستلهمنا الكثير من أدبيات الأخوان، لكن انفتحنا على مجموعة من المدارس، وأصبحت لنا مدرستنا الخاصة. نحن عدالة وتنمية ولسنا إخوان مسلمين مع تعاطفنا الشديد مع الإخوان المسلمين أينما كانوا”.
كان الرميد لا يتحرك في مهمة إلا إذا كانت تحقق أغراضه الشخصية والأيديولوجية وانخراطه في سلك المحاماة في العام 1984 جاء بعد استشارته الشيخ تقي الدين الهلالي الذي أجابه بأن مهنة المحاماة كأي مهنة أخرى يتحدد الحكم منها من طبيعة الممارسة فيها، فمن سعى فيها بالخير كان خيرا، ومن سعى فيها بالشر كانت وبالا عليه وعلى الناس.
وبحكم الارتباط الأيديولوجي والشخصي كانت الأولوية عنده كمحام لقضايا مرتبطة بجماعات الحركة الإسلامية، إذ ناصر العديد منهم حتى خارج الوطن حيث ترافع سنة 1990 عن قيادات حركة “النهضة” الإسلامية التونسية، كما ترافع كمحام في ملفات عديدة ذات طبيعة سياسية وحقوقية إلى جانب المتابعين في قضايا النشر والصحافة منهم رئيسه السابق في الحزب والحكومة عبدالإله بن كيران، حينما كان الأخير مديرا لجريدة “التجديد”، وكذلك عن رشيد نيني عندما كان يدير صحيفة “المساء” وهو الآن صاحب جريدة “الأخبار”.
كما دافع الرميد عن حرية الصحافة معتبرا أن إصدار عقوبة حبسية في حق صحافي أمر مرفوض في أي دولة ديمقراطية. وكانت له تجارب في المجال الصحافي إذ سبق أن أصدر جريدة “السبيل”، ليؤسس بعد منعها جريدة “الصحوة” التى أدمجت إلى جانب “الراية” في جريدة “التجديد”.
الصمت حكمة غير متوفرة
بعد هذا المسار السياسي والحقوقي وتراكم تجربة مهنية وحقوقية داخل العدالة والتنمية التي أهّلته لتقلد مهام حزبية عديدة، ترأس الرميد الفريق النيابي للحزب لولايتين متقطعتين، ثم ترأس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان التي تعتبر إحدى ركائز العمل التشريعي بمجلس النواب، وبات يشكل رقما مزعجا لخصومه داخل البرلمان وخارجه.
هناك من يصفه كأحد صقور الحزب الذين يعتمد عليهم في تصريف المواقف الصعبة داخل وخارج “العدالة والتنمية”. فله مواقف مستهجنة في مجالات السياحة والتجارة والفلاحة جعلت بعض المسؤولين داخل وخارج حزبه يطالبونه بالتزام الصمت، لكن الطبع يغلب التطبع. وعليه فقد دخل الرميد بصفته الحكومية وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان على خط حرب التصريحات الدائرة هذه الأيام بين تنظيمه السياسي وحزب التجمع الوطني للأحرار لأسباب انتخابية وسياسية. ففي رسالة وجهها الرميد إلى عزيز أخنوش بخصوص أزمة التجار، أكد أنه من غير المقبول أن يحمل التجمع الوطني للأحرار الحكومتين السابقة والحالية المشكلة والصعوبات الناجمة عن التدبير الجماعي للسياسات العمومية.
كتب الرميد في رسالته تلك يقول إن هناك ما “يبعث على الظن بعدم مسؤوليتكم، باعتبار حزبكم مشاركا في الحكومتين، والحال أن مشكلة التجار ترتبط بقطاعين يدبرهما حزبكم، وبالتالي فإنه إذا كانت الحكومة مسؤولة مسؤولية تضامنية، وهي كذلك، فإن التدقيق يفضي إلى أن الحزب الذي يدبر قطاع الاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة تبقى مسؤوليته أكبر وأثقل”.
الإسلاميون يتنصلون
كان نصيب رسالة الرميد تلك الكثير من النقد من قادة الحزب المنافس ومن بينهم محمد بودريقة، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي ارتكز على فصول الدستور ليقيم الحجة على أن المسؤولية يتحملها رئيس الحكومة، معتبرا أن حزب العدالة والتنمية يلجأ إلى التنصل من مسؤوليته كلما ارتفع منسوب الغضب الشعبي ضد قرارات حكومية معنية.
وفي شبه اتهام رمى عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار في وجه الرميد بسؤال محرج قائلا “ألم يكن حريّا بكم أن تستمعوا لآهات التجار البسطاء التي ما فتئت تصدح بها حناجرهم؟ ألم يكن من المفيد الجلوس إليهم ومناقشة مشكلاتهم والتوصل بمقترحاتهم والخلوص لاتفاق منصف يضمن انخراطهم الكامل في هذا الإصلاح؟”.
واستغرب الرميد في رسالته مضامين بيان صادر عن الأحرار بتاريخ 11 يناير 2019 يحمل المسؤولية للحكومتين الحالية والسابقة عن مشكلات التجار، دون الالتفات إلى المسؤولية المباشرة لوزراء الأحرار عن ذلك، لينتقد بودريقة الطريقة التي تفاعل بها الرميد مع بلاغ المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي مر عليه أزيد من أسبوعين، قائلا “على الأقل هي رسالة شغلت بها نفسك، وملأت بها وقتك الذي يبدو، والله أعلم، أنه أضحى فارغا ورتيبا”.
مظلومية ضحلة
في أحد حواراته قال الرميد “في سنة 1997 تم التزوير علينا بشكل لم يشهد له تاريخ المغرب السياسي مثيلا”، وفي انتخابات 2003 عزا عدم اكتساح حزبه إلى الضغط على تنظيمه باستغلال أحداث 16 مايو الإرهابية بالدار البيضاء. أما في العام 2009 فقال إن “الأصالة والمعاصرة” كان معرقلا لحزبه والهدف حسب الرميد هو ألا يكون لحزب “العدالة والتنمية” وجود غير مؤثر تأثيرا حاسما في الحياة السياسية، وتأبى الأيام إلا أن تكشف مدى ضحالة نظرية المظلومية تلك، فمنذ تصدر الحزب لانتخابات 2011 و2016 وترؤسه الحكومة مرتين لم نسمع من فم الرميد ما يفيد أن هناك جهة تقف دون وصول حزبه للحكم.
وفي العام 2009 تساءل “عن أي تنافس سياسي نتحدث والأحزاب لا تتمتع بأي دور حقيقي؟”، ولكن عندما واتته الفرصة لم يلتفت إلى ما قاله آنفا وانخرط في الحكومة وزيرا للعدل ثم لحقوق الإنسان، وها هو اليوم يبارز من موقعه الحكومي والسياسي خصومه باعتبارهم أعضاء في أحزاب تشاركه القرارات والتي أنكر أهميتها سابقا.
البون شاسع بين اليوم والأمس فعندما اعترض إلى جانب بن كيران على مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة بعد استحقاقات 2016 الانتخابية، كان قد سبق له وأن تعاطف معه، عندما استهدفت بعض السياسات حزب الاتحاد الاشتراكي وأدت به إلى أن يتراجع من الصف الأول إلى الصفوف الخلفية. وهي نفس السياسات التي يتم اعتمادها مع “العدالة والتنمية” وإن بصيغ أخرى، حسب قوله، وهي نفس السياسات التي سوف تعتمد مع أي حزب يريد أن يمارس قدرا من الاستقلالية عن الدولة، لكن لا نعرف كيف لتنظيم سياسي يشتغل في ظل مؤسسات الدولة أن يكون مستقلا عنها.
ورغم مواقفه المتشنجة كانت للرجل محطات أبان فيها عن براغماتية واضحة سواء نابعة عن قناعة أم بتدخل من بعض الحكماء، وحتى يبقى الحزب في منأى من غضب شعبي ورسمي إثر اعتداءات الدار البيضاء الإرهابية في العام 2003 ودون أن يصطدم مع أي جهة قرر الرميد تقديم استقالته كرئيس للفريق النيابي للعدالة والتنمية.
الرميد يرسم نهاية بن كيران
خلافه مع بن كيران ليس جديدا فقد اتهمه رئيسه السابق بأنه لم يكن حاضرا في الحملة الانتخابية لعام 2011 وأنه ذهب إلى الحج متهربا من مسؤوليته الحزبية والسياسية، لكن الرميد وكعادته في المواجهة رد على بن كيران بالقول ”إنني خضت الحملة مع أعضاء الحزب في الدار البيضاء وسيدي بنور ووجدة وبركان وتيزنيت والعيون وبوجدور وغيرها من المدن، وأن هذا التصريح مَس بعموم الإخوة القياديين، مسفها جهود الجميع”.
وحتى عندما اتهم بأنه ضمن الفئة التي رسمت خط النهاية لقيادة بن كيران للحزب، نفى الرميد ذلك، مبررا أن حزب “العدالة والتنمية” لم يتخل بتاتا عن زعيمه، ومؤكدا أن الحزب حريص على استقلال قراره الداخلي ولا يمكن أن يتخلى عن ذلك مهما كان، وأن بعض القرارات يقبل بها رغم عدم اتفاقه معها، وذلك من أجل مصلحة الوطن. وانتفض ضد عبداللطيف وهبي القيادي بحزب الأصالة والمعاصرة المعارض داعيا إياه إلى تنظيف منزل باب حزبه، واصفا الأخير بأنه “نجس” والعدالة والتنمية بالحزب الطاهر.
مواقفه المستهجنة في مجالات السياحة والتجارة والفلاحة تدفع بعض المسؤولين خارج وحتى داخل حزبه، إلى مطالبته بالتزام الصمت، لكن الطبع يغلب التطبع. وعليه فقد دخل الرميد على خط حرب التصريحات الدائرة هذه الأيام بين تنظيمه السياسي وحزب التجمع الوطني للأحرار
وأكد الرميد في نوفمبر 2018 أن كثيرا من المغاربة لا يهتمون بنقاش إصلاح الدستور والإصلاح السياسي بقدر اهتمامهم بالإصلاح الاجتماعي، مشيرا إلى أن مطالب المواطنين في هذه المرحلة ليست سياسية وإنما هي اجتماعية، هذا الخطاب لم يكن قبل سنوات عندما قال بتضافر الإمكانات من أجل النهوض بمهمة الإصلاح الديمقراطي المأمول مذكرا أنه “لا مناص من أن نجتمع نحن والاتحاد والاشتراكي وكل الأحزاب التي ترى أن الإصلاح الديمقراطي هو الأساس لإصلاح المشهد السياسي”.
أخيرا لا يخفي الرميد وزير حقوق الإنسان موقفه من تعدد الزوجات الذي اعتبره أحسن من تعدد الخليلات، وهو ما جر عليه العديد من الانتقادات من طرف نشطاء حقوقيين معتبرينه يمارس التمييز ضد النساء عن طريق تعدد الزوجات، وهو مكلف بمجال حقوق الإنسان، وسيكون المتحدث أمام الأمم المتحدة للدفاع عن المساواة ما بين الجنسين. وهو مازال يقف ضد مجموعة من الجمعيات الحقوقية برفضه إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب، على اعتبار أن هناك جرائم صعبة لا توجد لها عقوبة إلا الإعدام، مثل جرائم اغتصاب وقتل الأطفال، وهناك من يعيب عليه تعامله المتحيز كوزير عدل في قضية اغتصاب أمينة الفيلالي عندما انتحرت في العام 2012 نتيجة زواجها بمغتصبها واعتبر القضية لا تستحق النظر إليها كاغتصاب.
يبدو الرميد سياسيا تجمعت فيه خصال منظري الإسلام السياسي بجدارة، ما بين انتهازية سياسية وتقلب مبدئي وتزاحم تنظيمي وتنظير وتدوير للزوايا، بحيث يعكس بالضبط لماذا ترفض المجتمعات العربية، يوما بعد يوم، أن تحكم من قبل هذه الطبقة السياسية التي تفصل بشفرة حادة ما بين مبادئها المعلنة وممارساتها المكشوفة التي تظنها تخفى على الناس.