الحسناوات الاصطناعيات ينافسن جميلات العالم
قصص لا تحصى عن الروبوتات التي ستصبح نسخا طبق الأصل من جميلات العالم، بعد أن يتم تزويدها ببرامج تجعل لها سمات شكلية تداعب مشاعر البشر، لكن السؤال الذي يطرح هو ألن تدمر هذه الروبوتات العلاقات بين الناس وتقوض القيم الاجتماعية والأخلاقية؟ الإجابة متروكة للمستقبل ولخيال رواد الذكاء الاصطناعي.
يزداد جمال الحسناوات الاصطناعيات والافتراضيات كلما تقدمت التكنولوجيا لتتيح لروادها القدرة على ابتكار روبوتات جميلة، ونماذج لصور متحركة قد تحل مكان ملكات الجمال ونجمات السجادات الحمراء من فرط أناقتها وحسنها وذكائها الإلكتروني الخارق.
وما دامت الموارد الأولية والإمكانيات المالية متوفرة، والتكنولوجيا متاحة، فإن كل ما هو مطلوب هو التحلي ببعض الخيال لإنتاج روبوتات تشبه الفاتنات من النساء.
ومنذ وقت غير بعيد، لم تكن مشكلة الروبوتات الجميلة تكمن سوى في شيء واحد فقط، وهو أنها بلا روح ولا خفة ولا لطافة، إلا أن شركات تصنيع الروبوتات عملت على تعزيز الكثير من الصفات والمهارات الاجتماعية للروبوتات لتكون أشبه بأيقونات الجمال الآدميات شكلا.
أما المضمون فتجرى عليه عدة تحسينات وتعديلات يوما بعد يوم، ليتطابق مع ما تحمله نجمات العالم من صفات بشرية. وفي ظل التقدم اللافت في مجال الذكاء الاصطناعي، من غير المستبعد أن تصبح الروبوتات العنصر الطاغي في جميع مجالات الحياة العامة بما في ذلك العلاقات الحميمية.
ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال ارتفاع عدد الروبوتات في جميع أنحاء العالم إلى نحو 1.6 مليون وحدة في عام 2015، هذا فضلا عن احتمالية زيادتها إلى مليون وحدة إضافية خلال العام الحالي.
الروبوتات الشبيهة بالبشر تحاول القفز على العديد من النظم الاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها
وخلال السنوات الأخيرة اقتحمت الروبوتات تجربة عروض الأزياء والسير على السجادات الحمراء جنبا إلى جنب مع عارضات من النساء، إذ تعاونت العام الماضي شركة “أومني” التي تعمل في مجال الروبوتات في وادي السيليكون مع مصممة الأزياء الأميركية هوني، لإرسال أحد الروبوتات للتواجد في أسبوع لندن للموضة للمرة الأولى على الإطلاق.
وفي عام 2017 حلقت الطائرات من دون طيار لعرض حقائب في دار الأزياء الشهيرة “دولتشي آند غابانا” في أسبوع الموضة بمدينة ميلانو الإيطالية.
واستطاعت الروبوت صوفيا، التي صممتها شركة “هانسون روبوتكس” في هونغ كونغ، خلال العام الماضي، تصدر واجهة غلاف مجلة “ستايلست” البريطانية، وظهرت حينها بشعر أشقر، ولون شفاه أحمر، وجملة “مرحبا، اسمي صوفيا”.
وصممت صوفيا كي تتعلم وتتأقلم مع السلوك البشري وتصرفاته، ولكي تعمل مع البشر، وقدمت في عدة مؤتمرات إلى العلن، وحصلت في أكتوبر 2017 على الجنسية السعودية، لتكون بذلك أول روبوت يحصل على جنسية.
ولا تعد صوفيا استثناء في عالم الحسناوات الاصطناعيات اللواتي أدهشن العالم بأسره، ففي عام 2016 كشفت جامعة نانيانغ للتكنولوجيا النقاب عن روبوت تسمى “نادين” وهي تشبه إلى حد كبير البشر.
ولا تستطيع نادين، ذات البشرة الناعمة والشعر الكستنائي، استقبال الزوار والترحيب بهم وتبادل الابتسامات معهم ومصافحتهم فحسب، بل تتيح لها ذاكرتها الإلكترونية القدرة على التعرف على الضيوف السابقين ومن ثم فتح حوار معهم بناء على ما دار معهم من دردشات سابقة.
وتختلف نادين عن بقية الروبوتات بشخصيتها الفريدة من نوعها، فهي قادرة على تحليل الإيماءات ونبرة الصوت البشرية وإدراك أحاسيس الإنسان، فتضحك وتحزن كما لو كانت تحمل قلبا ومشاعر تماما كالبشر.
ورغم أن عالم الانفعالات والعواطف البشرية عالم شديد التعقيد، إلا أن البعض من الخبراء يتوقعون أن تأتي اللحظة التي يمكن فيها ابتكار نساء آليات، يتفاعلن حسيا ويتحدثن ويتصرفن بذكاء في مواقف مختلفة، ويدرن أحاديث بكل اللغات، بالإضافة إلى جمالهن الصارخ.
ولكن المشكلة تكمن في أن طموح مخترعي الروبوتات وخيالهم الخصب يدفعانهم إلى إجراء تعديلات على مخلوقاتهم الآلية لتكون نسخا كاملة الأوصاف وفاتنة الجمال، والنتيجة أن معظم الروبوتات التي اتخذت جنس النساء حملت نفس ملامح الفتيات خارقات الحسن.
ويكمن الخطر في أن أصحاب الشركات المصنعة للروبوتات، يستغلون بوعي أو دون وعي، الصور النمطية للجمال في محاولة لجعل آلاتهم أكثر فعالية من النساء في الحياة الحميمية للجنسين.
وتواجه صناعة الروبوتات الموجهة لأغراض جنسية انتقادات كبيرة بسبب الطريقة الإباحية التي تظهر بها المرأة، وتعزيزها للرؤية التي تحصر علاقة المرأة بالرجل في إطار تلبية الجانب الغريزي.
وفي عام 2017 بدأت شركة صينية تحمل اسم “تاتش” التسويق لدمى من السيدات الصينيات والكوريات والروسيات، فضلا عن نموذج لشخصية “المرأة الخارقة” السينمائية بالسيف والدرع.
وقالت الشركة حينها إن هدفها الأساسي هو جعل الدمى المصنوعة من السيليكون ذات التكلفة الباهظة في متناول الجميع، لكنها تخلت عن ذلك أمام ما أثارته الخدمة من جدل.
وترفض كاثلين ريتشاردسون، من مركز الكمبيوتر والمسؤولة الاجتماعية في جامعة دو مونتفورت، أن تستبدل الروبوتات العلاقات البشرية. وتقول إن “نموذج هذا المستقبل التكنولوجي قد انبثق عن صناعة الجنس.
أصحاب الشركات المصنعة للروبوتات، يستغلون بوعي أو دون وعي، الصور النمطية للجمال في محاولة لجعل آلاتهم أكثر فعالية من النساء في الحياة الحميمية للجنسين
يكررون دائما أن النساء هن أشياء، أي هن أقل من بشر. تشترى أجساد الناس لساعات أو دقائق.. تشترى العلاقات الحميمية. أعتقد أن هذا من أكثر جوانب البشرية قتامة”.
وأسست ريتشاردسون شركة هدفها مناهضة روبوتات الجنس التي تعتبرها “آخر ما توصلت إليه الثقافة الأبوية (الذكورية) المزعجة والتي يجب التخلص منها”.
ومن المفروض أن الناس في حياتهم الواقعية يعجبون بشخصيات وأشكال متنوعة من البشر لكون هذا التنوع وعدم الكمال الجسدي يحاول العقل إكماله بالتحور في الشخصية عبر الأيام والسنين، وهو ما يجعل البشر ينالون إعجاب وحب الآخرين أو كراهيتهم ومقتهم، ولكن الروبوتات الشبيهة بالبشر تحاول القفز على العديد من النظم الاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها.
وقالت الباحثة الأميركية جولي كاربنتر، التي تدرس التفاعل بين الإنسان والروبوت، إن “الروبوت ليس مجرد مرآة تعكس إبداعات مبتكريه، فهو أيضا الماكينة التي تكشف ما نحن عليه”. وترى أن الروبوت يمكن أن يمثل وسيلة لحمل الصور النمطية حول الجنسين، عوض أن يكون أداة لمواجهة القوالب الجاهزة في النظر إلى المرأة والرجل. ويا حبذا لو تم توظيف الروبوتات في الاتجاه الإيجابي وليس من أجل اجترار أفكار بالية.